في نهاية ديسمبر الماضي، أجرى وزير العدل المغربي، محمد بن عبد القادر، زيارة إلى المحكمة العبرية في مدينة الدار البيضاء، غربي البلاد، فجرى تسليط الضوءَ على القضاء العبري في المغرب، وعلى الأدوار المنوطة به، والاختصاصات المخولة له، ضمانا لحقوق اليهود المقيمين في المملكة.

ويلجأ اليهود المغاربة إلى محاكم يهودية مغربية للبث في نزاعاتهم انطلاقا من التشريعات اليهودية الخاصة في قضايا الأحوال الشخصية الخاصة بالزواج والطلاق والإرث.

وذكر وزير العدل المغربي، محمد بن عبد القادر، في تصريحات صحفية أن الجهاز القضائي العبري كان مؤطرا عبر التاريخ بالعديد من الظهائر، والظهير في المغرب هو القرار الذي يصدر عن الملك.

 وأشار الوزير إلى أن المغرب يشكل استثناء، إذ يعد البلد العربي الوحيد الذي يتمتع فيه المواطنون المغاربة من الديانة اليهودية ويستفيدون فيه من مؤسسة قضائية عبرية خاص بهم.

وأضاف بنعبد القادر، أن المؤسسة القضائية العبرية في المغرب عرفت تطورا كبيرا، وأصبحت مختصة في الأحوال الشخصية بناء على شريعة النبي موسى والقواعد التلمودية المعتمدة.

تفرد مغربي

ويرى عبد العزيز إدزني، أستاذ القانون الخاص بجامعة القاضي عياض بمراكش ورئيس المركز الوطني للدراسات القانونية والأبحاث البيئية، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" أن "المحاكم العبرية كانت جزء لا يتجزأ من التنظيم القضائي المغربي. فمنذ مرحلة ما قبل الاستعمار، كانت هناك محاكم عبرية، وكانت جهةً قضائية استثنائية، لأنه لم تكن لها صلاحية النظر في كل القضايا. أي أنها كانت تنظر في منازعات الأحوال الشخصية لليهود والإرث. وكانت أحكامها نهائية لا يمكن طلب استئنافها."

وكانت تشكيلة المحكمة، آنذاك، تضم ثلاثة أحبار، كانوا يجمعون بين الفصل في قضايا الأحوال الشخصية، ومد يد المساعدة للمحتاجين والمؤسسات الخيرية ومراقبة الطقوس الدينية وذبح الماشية طبقا لقواعد الديانة اليهودية.

وبعد توقيع المغرب لمعاهدة الحماية، شهدت المحاكم العبرية تطورا ملحوظا، وتعددت اختصاصاتها. وبناء على ظهير 12 مايو 1918، الذي أعاد تنظيم هذه المحاكم، تم إنشاء درجة ثانية تُستأنف أمامها الأحكام الابتدائية وهي المحكمة العبرية العليا بالرباط.

وبالتالي أصبحت توجد بكل الدوائر الإدارية، محكمة عبرية ابتدائية تنظر في جميع المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية والإرث لليهود المغاربة. أما المدن التي لا تتوفر على دوائر إدارية فكانت بها مجالس أحبار مفوضين، أسندت إليها مهمة الفصل على وجه التحكيم، في قضايا يكون أطرافها يهوداً.

وبعد حصول المغرب على الاستقلال، يضيف الدكتور عبد العزيز إدزني، نُظمت المحاكم العبرية تنظيما موازيا للتنظيم القضائي المغربي، رُوعي فيه تعدد درجات التقاضي. وأُنشئت اثنا عشرة "محكمة للحاخامات الحكام المفوضين" وعدة محاكم عبرية إقليمية، بمقتضى ظهيرين شريفين بتاريخ 23 فبراير 1957، وهما الظهيران اللذان أصبحا ينظمان هذه المحاكم بعد الإستقلال.

إسرائيل.. يهود مغاربة يؤيدون عودة العلاقات مع الرباط

واستمر الحال على هذا النحو على مدى السنوات إلى غاية صدور مرسوم 3 فبراير 1965 الذي أتى بمستجدات مهمة على مستوى التنظيم القضائي للمغرب عموما، وعلى القضاء العبري بصفة خاصة.

ويسهر على مؤسسة القضاء العبري، عدد من القضاة بكل من الدار البيضاء وطنجة، وهم من موظفي وزارة العدل، ويضطلعون بدور هام في إدارته بفضل الخدمات والمهام التي يؤدونها في سياق القضاء بين المغاربة من الديانة اليهودية.

مهام متعددة

وأشار رئيس الغرفة والحاخام القاضي جوزيف إسرائيل، الذي يشغل مهنة القضاء بهذه المحكمة العبرية بالدار البيضاء منذ عام 1987، في حديث إلى الصحافة المغربية، إلى أن المغرب "يعد البلد الوحيد في العالم الذي يتوفر على غرفة عبرية، ويقضي بقانون سيدنا موسى بين المغاربة ذوي الديانة اليهودية" منوها إلى أن هذا الأمر غير موجود حتى بالبلدان الأوروبية.

اليهود المغاربة يرحبون بإطلاق رحلات مباشرة مع إسرائيل

لكن عدم إقبال اليهود على هذه المحاكم بشكل مستمر، في الوقت الحالي، تسبب في إغلاق معظم المحاكم وبقيت واحدة وهي الغرفة العبرية داخل المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء. وجميع القضاة الموجودين بها، من الحاخامات اليهود. يتلقون تأطيرا دينيا يهوديا، ويضطلعون بالإضافة إلى عملهم في المحكمة، بمهام ختان الأطفال اليهود، وإصدار أحكام شرعية تحلل وتحرم المواد الغذائية التي يتناولها اليهود.

أخبار ذات صلة

السياحة الدينية.. أول مستفيد من عودة علاقات المغرب وإسرائيل

ويجري اختيار هؤلاء القضاة على أساس إلمامهم بالجوانب الدينية والعلمية التي تخص الطائفة اليهودية في المغرب، ويكون أساس تعيينهم معرفة هؤلاء القضاة بالفقه القضائي العبري. ويُفترض فيهم أن يكونوا على اطلاع بالتشريعات اليهودية.

وتعتبر الغرفة العبرية المتواجدة في المغرب، حسب المراقبين، دليلا على التعايش الذي ينعم به المواطنون من مختلف الديانات بالمغرب. ومع عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية، يُنتظر أن يعود القضاء العبري للاضطلاع بمهامه كما كان في وقت سابق.