في الذكرى العاشرة للثورة التونسية، لا تزال مطالب التونسيين في العدالة الاجتماعية ترواح مكانها، وسط تصاعد الحراك الاحتجاجي وفشل الطبقة السياسية التي ورثت نظام زين العابدين بن علي في إدارة البلاد وسيطرة تيار الإسلام السياسي على مفاصل الدولة.

دون احتفالات رسمية وفي ظل العشرات من بؤر التوتر الاجتماعي في البلاد، مرت ذكرى انطلاقة الثورة التونسية، وقد تميزت هذا العام بالعشرات من الوقفات الاحتجاجية في المدن التي بدأت منها الثورة في 17 ديسمبر 2010، في أعقاب إقدام محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده، وسط مدينة سيدي بوزيد.

وذكرت صحيفة "الغارديان" في استطلاع رأي ضمن ملف أعدته في ذكرى الثورات العربية، أن تونس التي تعتبر نموذجاً لـ"قصة نجاح" لهذه الثورات مع مقاومة المؤسسات الديمقراطية سيناريو الاغتيالات والاقتتال الداخلي، تعيش خيبة أمل عميقة، حيث صرح 27 بالمئة من المستجيبين من التونسيين إنهم في وضع أفضل مما قبل الثورة، وهي أعلى نسبة بين البلدان المستطلعة.

لكن نتيجة ركود النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد -19، اعتبر نصف التونسيين أنهم الآن في وضع أسوأ.

أزمة اجتماعية حادة

لم تكن أحوال التونسيين قبل الثورة أفضل حالاً، لكن الواضح أن خيبة الأمل والإحباط الذي تشعر به قطاعات واسعة اليوم قد عمق الوضع الاجتماعي بشكل غير مسبوق في بلد يضم نحو 180 ألف طفل أعمارهم بين 5 و17 عاما هم العائل الوحيد لأسرهم يشتغلون في أعمال هشة كالباعة الجوالين وحوالي 100 ألف شاب ينقطعون سنويا عن الدراسة دون تدريب مهني.

فيما شهدت معدلات البطالة ارتفاعاً من 13 بالمئة في عام 2010 إلى 16.2 بالمئة في 2020، وإلى 35.7 بالمئة بين فئة الشباب.

كما تسجلّ البلاد ركوداً اقتصادياً بنسبة 9 بالمئة، وعجزاً في الموازنة بنسبة 13.4 بالمئة، وديناً عاماً يقترب من 90 بالمئة من الناتج المحلي.

وقد زادت الأزمة الصحية وتفشي وباء كورونا من حد الأزمة، حيث تراجع معدل النمو الاقتصادي في البلاد سالبا بــ -6.5 بالمئة، وقد أدى ذلك إلى تفجر الوضع الاجتماعي.

فقد ارتفعت أعداد الاحتجاجات إلى 871 في شهر أكتوبر 2020 فقط، أي أكثر بمرتين من عدد الاحتجاجات في أكتوبر 2018، بحسب أرقام نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وبموزاة الأزمة الاقتصادية الخانقة يتوجه الآلاف من الشباب نحو الهجرة غير النظامية في قوارب الهجرة إذ وصل 12490 مهاجراً تونسياً إلى شواطئ إيطاليا في 2020، أي أكثر بـ4 أضعاف من 2019.

وشهدت البلاد تطوراً نوعياً في معدلات هجرة الكفاءات، أدى إلى إفراغها من الأطباء والمهندسين والأكاديميين.

وتشير دراسة نشرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية (حكومي) العام الماضي، إلى أن 80 بالمئة من الأساتذة الجامعيين ينوون الهجرة.

ووفقاً لتقرير التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2016، فإن تونس تأتي في المرتبة الثانية عربياً في هجرة الكفاءات العلمية إلى الخارج، وبخاصة في مجال الطب البشري.

وتشير تقديرات "تقرير غالوب العالمي للمشاعر 2020" إلى أن تونس جاءت في المركز الثامن ضمن الشعوب الأكثر شعوراً بالحزن، حيث صرح  46 بالمئة من المشاركين في استطلاع الرأي إنهم يعيشون المشاعر السلبية الخمسة وهي: التوتر والحزن والقلق، والغضب والألم النفسي.

أخبار ذات صلة

تونس تجمد ملايين الدولارات في حربها ضد الإرهاب وغسيل الأموال
تونس.. الدستوري الحر يحدد شرطه لتوقيع سحب الثقة من الغنوشي

ثورة خطفتها جماعات الإسلام السياسي

ويرى الصحفي شريف زيتوني أنه "بموزاة الأزمة الإجتماعية والسياسية حققت البلاد خلال هذه العشرية الصعبة تقدماً واضحاً في مجال الحريات الفردية والعامة، لكن يبقى هشاً بلا روافد اقتصادية تدعمه. ورغم أن البلاد قد صمدت أمام الاغتيالات والهجمات الإرهابية، ولم تسقط في مستنقع الفوضى والحروب كما حدث في بلدان عربية أخرى، إلا أن الوضع السائد، سيكون دافعاً إلى انفجار اجتماعي لا يمكن التبوء بنتائجه".

ويقول الزيتوني في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "لقد كان دور جماعات الإسلام السياسي منذ اليوم الأول سلبيا، فقد دخلت البلاد في معارك الهوية الهامشية وأضعنا وقتا وجهدا في نقاش عبثي فيما كانت القطاعات الفقيرة والشبابية التي قامت الثورة من أجلها تعاني في سبيل تأمين الحد الأدنى من حياتها، في المقابل نلاحظ نمو طبقة ثرية من داخل الطبقة السياسية وفي جزء كبير منها نشطاء الإسلام السياسي استفادوا من غنائم الثورة ومن سيطرتهم على الدولة لسنوات".

ويتابع: "لا شك أن التونسيين اليوم أكثر حرية في انتقاد قادتهم أكثر من ذي قبل، وانتخاباتهم نزيهة نسبياً. ومع ذلك، يشعر الناس بالبؤس وخيبة الأمل، وينضمون إلى الجماعات الإرهابية ضمن أكبر عدد للفرد في أي بلد في العالم، ويشكلون غالبية المهاجرين الذين تنقلهم القوارب إلى إيطاليا. للأسف لقد نجحت تيارات الإسلام السياسي في اختطاف الثورة وتحويلها من هبة مواطنين هدفها تحسين أوضاع الناس والتقدم بها، إلى أداة للهيمنة والتمكين".

من جانبه، يقول الأستاذ الجامعي، عبيد الخليفي، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "يبدو أن صبر التونسي قد نفذ تجاه مرحلة الانتقال الديمقراطي، خلال عشرية تفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الأزمة السياسية المرتبطة بمنظومة الحكم، ولا يخفي التونسيون فخرهم بما تحقق من مكاسب في مجال حرية التعبير والتنظيم".

وأضاف "لقد صارت معادلة الحرية/الأمن مجالا للمقايضة السياسية في الصراع بين المنظومة القديمة والمنظومة الجديدة، غير أن المأزق الحقيقي الذي تعيشه تونس هو حتمية لطبيعة الطبقة السياسية التي ظهرت بعد الثورة حين صارت غايتها الحكم والسلطة وليس تغيير أوضاع البلاد وترسيخ دولة القانون والمؤسسات والهيئات الدستورية، ولا زالت المجالات الثلاثة للإنتقال الديمقراطي تعاني رواسبها في ميدان القضاء والأمن والإعلام".

أما الصحفي ومدير "بوابة أفريقيا الإخبارية"، محمد بالطيب، فيعتقد أنه "لا يمكن الحديث عن نتائج واضحة للثورة بعد 10 أعوام من اندلاعها قبل استكمال المسار الديمقراطي كاملا واستكمال بقية المؤسسات الدستورية الذي ظلت عالقة بفعل التجاذب السياسي".

وأبرز في مقابلة مع سكاي نيوز عربية أن "الثورة نجحت في تحقيق وعودها بالحرية والديمقراطية وهذا ما تشهد به التصنيفات الدولية ذات العلاقة بحرية الصحافة وحقوق الإنسان وشفافية الانتخابات، لكنها فشلت في المقابل في تحقيق وعودها الاقتصادية، حيث توحي كل المؤشرات بتردي الوضع الاقتصادي في البلاد وهو ماتشهد عليه أيضا التقديرات الدولية ذات العلاقة. هذا الوضع الاقتصادي الصعب تؤشر عليه الاحتجاجات الاجتماعية التي لا تتوقف تقريبا طيلة السنة وفي مختلف مناطق البلاد".

مشيرا إلى أن "تقييم الحصاد المجمل لعشر سنوات من الثورة في تونس، يبدو إشكاليا لحد كبير للاعتبارات السابقة. فبقدر ما هناك مناخ عام من الحرية والديمقراطية بقدر ما هناك صعوبات اقتصادية حادة وعدم استقرار سياسي يتمظهر في التغيير المستمر للحكومات وعدم استكمال المؤسسات الدستورية، وفي ظل وجود أحزاب دينية تحاول تحويل مسار التقدم إلى تقهقر نحو الماضي".