عززت خطوة روسيا بإقامة قاعدة بحرية في السودان الكثير من المخاوف والشكوك حول علاقتها مع السودان، خصوصا بعد طلب الرئيس المعزول عمر البشير الحماية من موسكو في العام 2017، وما أعقب ذلك من اتهامات لروسيا في عملية فض اعتصام الثوار السودانيون أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم في الثالث من يوليو 2019 والتي راح ضحيتها أكثر من 300 شاب.

وتزايدت تلك الشكوك أكثر بعد تقارير غير مؤكدة تحدثت عن رفض موسكو، مؤخرا، ترشيح الألماني فولكر بيرثيز مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية، لمنصب رئيس البعثة الأممية الجديدة للسودان.

وكانت روسيا قد أفشلت في الأسبوع الأول من يونيو 2019 مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي تقدمت به ألمانيا وبريطانيا بإدانة قتل مدنيّين في عملية فض الاعتصام في الخرطوم. وحينها، اعتبر نائب السّفير الروسي في الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي أن النص المقترح "غير متزن".

وبعد عقود من التأرجح الشديد في العلاقة بين موسكو والخرطوم، شهد العام 2015 تحولا كبيرا في تلك العلاقة، حيث سعت روسيا إلى تكثيف وجودها في السودان من خلال بوابة الذهب، عبر اتفاق مربك مع شركة "سيبيريان" التي تعهدت باستخراج ذهب قيمته 1.7 تريليون دولار، وهو رقم أثار الكثير من الشكوك وقتها، لكن حكومة البشير مضت في الاتفاق لحاجتها لتهدئة الشارع وكسب الفيتو الروسي في مواجهة الضغوط الدولية التي كان يواجهها النظام آنذاك. وعلى الرغم من أن الصفقة كانت واهية كما توقعها الشارع السوداني، فإنها أسست لوجود روسي استمرت تبعاته حتى اليوم.

أخبار ذات صلة

في تطور مفاجئ.. السودان يقاطع محادثات سد النهضة
40 ألف لاجئ في أسبوعين.. أزمة إثيوبيا تثقل كاهل السودان

تساؤلات مهمة

يقول وزير الخارجية السوداني الأسبق السفير طه أيوب، إن روسيا ظلت منذ ما يقارب عشر سنوات تبدي اهتماما أكبر بالسودان بعد أن تزايد اهتمام القوى الإقليمية والدولية بمنطقة البحر الأحمر، باعتبارها ممرا حيويا لمرور النفط والتجارة الدولية وموقعها الاستراتيجي عسكريا.

ويشير أيوب إلى أن لروسيا خمس وحدات عاملة في السودان، منها الوحدة العسكرية التي تعنى بالعلاقات العسكرية الخاصة بالأسلحة والتدريب، والوحدة الأمنية التي تعمل في المجالات الأمنية سواء كان ذلك من ناحية حماية المنشآت أو الافراد، والوحدة التعدينية وهي تضم عددا من الشركات العاملة في مجال تعدين الذهب أو اليورانيوم أو الكروم والمعادن الأخرى، ثم الوحدة العقارية التي تعمل في مجال البناء وغيره، ثم الوحدة الزراعية العاملة في مجال التنمية الزراعية والحيوانية.

وينبه أيوب إلى أن مهمة قيادة هذه الوحدات الخمس تركت لشخص لا علاقة له بالسفارة، مما يرسخ الاعتقاد بأنه يتبع لمكتب الرئيس بوتين بصورة مباشرة.

ويؤكد أيوب أن الإعلان عن إقامة القاعدة البحرية لروسيا في السودان يندرج تحت محاولات روسيا توسيع نفوذها في المنطقة، بل القارة الإفريقية برمتها، خاصة بعد تزايد اهتمام القوى الكبرى والإقليمية بمستقبل السيطرة على موارد دولها والاستفادة من وضعها الجغرافي.

ووفقا لأيوب فإن السؤال المهم يتعلق بسبب صدور الإعلان عن توقيع الاتفاق المذكور من موسكو وسط صمت مطبق من الخرطوم.

ويرى أيوب أن ذلك قد يرتبط بأحد سيناريوهين، أولهما هو احتمال وجود خلاف أو عدم اتفاق عليه من مكونات الحكومة الانتقالية، أو أن الاتفاق يخص الجانب العسكري وحده.

وعلى الرغم من أن أيوب غير متأكد من مسألة رفض روسيا للمرشح الألماني لرئاسة البعثة الأممية، فإنه يرى أن الربط بين المشروع الروسي حول القاعدة البحرية واعتراض روسيا على الاقتراح الخاص بتعيين الدبلوماسي الألماني غير وارد.

ويوضح أيوب أن الاعتقاد السائد هو أن الدبلوماسي الألماني هو أفضل المرشحين لهذه المهمة. ويشير أيوب في هذا السياق إلى تقارير تحدثت عن أن روسيا ساندت موقف المكون العسكري في الحكومة الانتقالية، والذي يسعى إلى تعيين أحد الأفارقة بالمنصب، خصوصا المرشح الجنوب إفريقي، رغم الدور السلبي الذي لعبه مواطنه ثابو أمبيكى والذي عمل لسنوات عديدة مبعوثا من الاتحاد الإفريقي وكان تحت سيطرة البشير ونظامه وأدخل بالتالي السودان في العديد من المتاهات.

اتجاه خطير

من جانبه، يصف عبده مختار، أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، توقيت الخطوة بالاتجاه "الخطير" في السياسة السودانية، حيث لا يحق لأجهزة النظام الانتقالية أن تتخذ قرارات مصيرية بفتح المجالات الجوية والبحرية لإقامة قواعد أو تحالفات قد تدخل البلاد في تجاذبات أو مشكلات لا يمكن السيطرة عليها.

وبالنسبة لمسألة رفض روسيا للمرشح الألماني، يقول مختار لموقع سكاي نيوز إن ذلك يشكل تدخلا غير مقبول ويشي بالانحياز إلى جهة دون أخرى ويثير تساؤلات كبيرة حول ما إذا كانت تلك التكتيكات تضع السودان تحت الوصاية الدولية، لذلك لا بد من مراجعة كافة تلك الخطوات لأنها تتعلق بالأمن القومي ولا تدخل تحت اختصاصات الحكومة الانتقالية وهي تحتاج إلى برلمان شرعي لإجازتها أو رفضها.

مخاوف كبيرة

وفي ذات السياق يقول الناشط السياسي وعضو تجمع المهنيين السودانيين وليد الريح، إن ترشيح الألماني فولكر بيرتيز قابله عدم حماس من المكون العسكري، وترجمته روسيا والصين باعتراض على اسم المرشح في مجلس الأمن.

ويشير الريح إلى أن تحديد اسم رئيس البعثة الأممية هو قرار سياسي دولي بالدرجة الأولى ولربما توافق هذا الرفض مع إعادة المكون العسكري النقاش مع الروس حول قاعدة الدعم اللوجستي المقترح إنشاؤها على البحر الاحمر وفي داخل الحدود السودانية.

ويؤكد الريح على ضرورة النظر إلى مسألة القاعدة البحرية الروسية في السودان باهتمام كبير، نظرا لأنها تؤثر على استقرار السودان وعلاقته بمحيطه الإقليمي والدولي. ويشير الريح إلى أن القاعدة تقام على البحر الأحمر الذي تمر عبره نحو 40 بالمئة من التجارة العالمية.