مازالت قضية دفن النفايات الإيطالية في تونس تثير ردود فعل لدى الجهات الرسمية في البلاد ولدى الرأي العام، لا سيما بعد أن تبين أن بعض النفايات الموردة غير قابلة لإعادة التدوير.

وبدأت القصة التي شغلت التونسيين منذ أيام، عندما قامت شركة مختصة بتدوير البلاستيك، باستيراد أطنان من النفايات الإيطالية بهدف تدويرها وإعادة تصديرها، غير أنه تبين فيما بعد أن الحاويات الموردة من نابولي الإيطالية تضم نفايات مصنفة فضلات منزلية وغير قابلة للتدوير، وبالتالي فإن القانون يمنع توريدها، مما يعني أنها مخالفة للقوانين التونسية وحتى المواثيق الدولية.

"هل تحولت تونس لمزبلة إيطاليا".. هكذا تساءل آلاف التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد إقرار مصالح الديوانة التونسية (الجمارك) بوجود "إخلالات إجرائية وقانونية وتزوير وثائق"، ضمن صفقة توريد النفايات بين شركة تونسية وأخرى إيطالية.

الأزمة كانت محل تفاعل من أعلى هرم في السلطة داخل البلاد، حيث استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، الجمعة، وزير البيئة والشؤون المحلية مصطفى العوادي، واستعرض معه نتائج التحقيق في القضية، وطالبه بتحديد المسؤولين وإحالة المتورطين إلى القضاء.

وعلى خلفية القضية، أقال رئيس الحكومة هشام المشيشي، مدير وكالة التصرف في النفايات.

من جانبه، قال وزير البيئة التونسي في جلسة مساءلة أمام مجلس نواب الشعب، إن "تونس تعمل على إعادة حاويات النفايات لإيطاليا وفق ما تقضي به الاتفاقية التي تجمع البلدين"، لافتا إلى أنه تم إعلام السلطات الإيطالية "بوجود تجارة غير شرعية".

وتتورط في صفقة التوريد الفاسدة، شركة متحصلة على رخصة فرز وتدوير البلاستيك، وتواجه تهم ممارسة نشاط دون موافقة وزارة البيئة، و تلاعب بالتصريح الجمركي.

يذكر أن الشركة تمكنت من إدخال 72 حاوية نفايات منذ يونيو الماضي عبر ميناء محافظة سوسة، ووقعت عقدا مع إيطاليا يقضي بتوريد 120 ألف طن من النفايات خلال عام.

وقال رئيس لجنة الإصلاح الإداري بمجلس النواب، بدر الدين القمودي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن التحقيقات تشير إلى "تورط إطارات عليا في الدولة في وزارتي البيئة والمالية"، موضحا أن اللجنة ستنتقل إلى ميناء سوسة، الاثنين، لمعاينة الحاويات المحتجزة وعرضها على الكشف الإشعاعي وعلى المخابر الوطنية، للتأكد من خلوها من المواد الخطرة".

أخبار ذات صلة

"نفايات إيطاليا" تثير الجدل في تونس.. وفتح تحقيق رسمي
"الماضي النووي" بصحراء الجزائر.. دعوات فرنسية لكشف المستور
المغرب.. بيان رسمي يكشف حقيقة "استيراد النفايات السامة"
"خطر كبير" يهدد المحيطات.. وتحذير من السيناريو الأسوأ

وأضاف القمودي أن صفقة الفساد تخفي تورط جهات رسمية وليست مجرد خطأ من موظف بسيط، وفق تعبيره.

من جانبه، اعتبر الخبير في النفايات المنزلية والمشابهة، عضو منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حمدي شبعان، أن الصفقة تأتي في إطار "سعي الجانب الإيطالي إلى امتصاص غضب الشارع بسبب تراكم الفضلات، بتوقيع عقد مع الشركة التونسية يقضي بدفن آلاف الأطنان من الفضلات المنزلية الإيطالية في تونس".

وأشار شبعان في حديثه إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، إلى "تورط أطراف سياسية في قضايا خطيرة تهدد سلامة البيئة"، قائلا إن تونس لا تعمل على توريد النفايات، على عكس بعض الدول الإفريقية.

وأضاف: "هذه الحادثة الأولى من نوعها، وتخفي وراءها غموضا في تعامل الجانب الإيطالي، حيث تبدو معاملات الصفقة المشبوهة  منقوصة من التحاليل، رغم وصول 15 ألف طن من النفايات خلال  شهر".

وأكد شبعان أن دفن هذه الكمية من النفايات المنزلية الإيطالية في التراب التونسي "غير ممكن"، لأن المصبات المتاحة لا تسمح باستيعاب هذه الكميات.

وقال: "تونس ستعمل على إرجاعها إلى إيطاليا بالضغط الدبلوماسي، أو بإيجاد حلول أخرى مثل بيعها إلى دول أخرى، خاصة أمام تمسك الشركة الإيطالية بمقاضاة الجانب التونسي والقول إنها لم تخالف القانون الإيطالي الذي يسمح بتصدير الفضلات".

يذكر أن القانون الأوروبي يجيز تصدير النفايات المنزلية بتصريح من وزارة البيئة المعنية، وقد حصلت الشركة الإيطالية في هذه الحادثة على تصريح غير رسمي.

وعن الأضرار البيئية المحتملة لهذه القضية، يقول الخبير في التصرف بالنفايات، وليم مرداسي، إن الحاويات المغلقة تضم فضلات عضوية تنبعث منها الروائح و السوائل منذ أيام، موضحا أنها أصبحت "تشكل خطرا على الأرض التي توجد فيها، وقد تتسرب للطبقة المائية والتراب".

وأضاف مرداسي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الخبراء يوصون بإرجاع الحاويات إلى إيطاليا، بعد خرق الميثاق الدولي "باماكو" الذي يمنع تصدير هذه النفايات، معتبرا أن إيطاليا "معروفة بهذه المشكلة وتعجز عن تصريف نفاياتها المنزلية في الداخل، لذا تحاول تصديرها لبلدان مثل المغرب وماليزيا".

ودعا الخبير إلى ضرورة تشكيل اتحاد دولي ضد كارثة النفايات الإيطالية، "حتى تلتزم باحترام المواثيق الدولية".

وفي هذا السياق، انتقدت بشدة "شبكة تونس الخضراء" وغيرها من المنظمات الناشطة في المجال البيئي، ما سمته بـ"الإرهاب البيئي" الذي يهدد حياة وصحة التونسيين.

وعبرت الشبكة عن رفضها "تحويل تونس لمصب لنفايات أوروبية، احتراما لكل المعاهدات الدولية التي وقعتها تونس"، ولوحت بتحركات ميدانية للتصدي لمثل هذه الصفقات.