نبه خبراء في تونس من تفاقم أزمة ندرة المياه في البلاد، لا سيما أن الدولة تصنف تحت خط الفقر المائي، وسط توقعات بمزيد من الانخفاض لنصيب الفرد السنوي من الماء.

وحدد خط ندرة المياه عالميا بـ500 متر مكعب للفرد سنويا، في حين أن المعدل يقدر في تونس بـ450 مترا مكعبا للفرد، وهو مرشح لمزيد من الانخفاض سنة 2030 ليبلغ 350 مترا مكعبا وفق تقديرات دولية.

وتزداد حدة الإشكاليات المتعلقة بالموارد المائية في تونس من ندرة وتملح وتلوث، خاصة في مناطق الجنوب القاحلة التي يقل فيها تساقط الأمطار.

وتفيد المعطيات الرسمية لوزارة الفلاحة والموارد المائية، المتعلقة بكيفية استغلال الطبقات المائية الجوفية، أن نسبة الاستغلال في الجنوب التونسي تعد مرتفعة جدا وتصل إلى 155 بالمئة في محافظة قبلي، وفي توزر 84 بالمئة، وفي قفصة 76 بالمئة.

كما أن عدد الآبار العميقة في المنطقة تجاوز الـ10 آلاف، المئات منها عشوائية وغير مرخصة.

الخزان الجوفي المشترك

ومن أحدث الدراسات الدولية التي صدرت في سبتمبر 2020، تقرير اللجنة الاقتصادية لمنظمة الأمم المتحدة الخاصة بأوروبا، الذي حثت من خلاله تونس والجزائر وليبيا على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإيقاف تضرر الخزان المائي الجوفي المشترك في الصحراء الحدودية للبلدان الثلاثة.

الخبراء يتوقعون تراجع نصيب الفرد من المياه في تونس مستقبلا

وأوضحت اللجنة أن "التعاون الواسع هو الوحيد الكفيل بالحد من تردي أكبر نظام للمياه الجوفية في المغرب العربي وشمال إفريقيا".

ووصف الخبير في شؤون البيئة والمياه ومدير مرصد الصحراء والساحل عبد السلام قلالة، الخزان المائي المشترك بأنه "بحر حقيقي من المياه"، داعيا تونس والجزائر وليبيا إلى الالتزام بوقف الاستغلال العشوائي والمفرط والحفاظ عليه، خصوصا أن ما يزيد على 5 ملايين شخص يعيشون بفضل المياه الجوفية الحدودية.

ويمتد الخزان المائي المشترك على مساحة مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل 6 مرات مساحة تونس، ويضم 60 ألف مليار متر مكعب من المياه، وينقسم إلى طبقتين: طبقة مائية أولى يصل عمقها بين 100 و400 متر، وطبقة مائية ثانية عميقة جدا لما يقرب إلى 3 كيلومترات.

وتتوزع مياه الخزان إلى 80 بالمئة في التراب الجزائري، و13 بالمئة في ليبيا، فيما لا يوجد منها في التراب التونسي إلا 7 بالمئة فقط.

وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، حذر قلالة من أن "الاستغلال المكثف وغير المنظم والمستديم للخزان المائي الجوفي سيؤثر على نوعية المياه، ويزيد من نسبة تملحها، بل إنه يواجه خطر الاستنزاف لمياهه التي تتسم بأنها قليلة التجدد، ذلك أن كميات المياه التي تضاف إلى الرصيد الجوفي في السنة من الأمطار لا تتعدى المليار متر مكعب، مقابل استغلال يتجاوز 3 مليارات".

وعبر السنوات تضاعف استغلال مياه الخزان بتضاعف عدد السكان والفلاحين، حيث كان في حدود 60 مليون متر مكعب عام 1950، وتجاوز في السنوات الأخيرة 3 مليارات متر مكعب.

أخبار ذات صلة

أمطار قوية تخلف خسائر بشرية ومادية في تونس
"لا نريد سوى الماء".. صرخة تونسيين وسط الوباء

ونبه قلالة إلى أنه "إن نجحت البلدان الثلاث إلى حد اليوم في استغلال المورد المائي المشترك من دون أن يحدث الأمر مشاكل أو أزمات، فإن التوتر بينها قد يتصاعد في السنوات المقبلة وقد تكون النتيجة وخيمة" وفق تعبيره، خصوصا مع "تزايد حدة التغييرات المناخية في العالم وتفافم تأثيرها بشكل أكبر على المياه".

وأكد قلالة أن "على الدول الثلاث ترشيد استغلال الماء باعتماد نتائج عدة بحوث أنجزها مرصد الصحراء والساحل حول خصوصية التربة في تلك المناطق، ونوعية الزراعات الملائمة وطرق الري، مع مواصلة العمل بآلية التشاور التي وقعت عليها تونس والجزائر وليبيا عام 2008 حول التصرف في نظام خزان شمال الصحراء، ويعرف باسم "ساس"، وهو اتفاق تعاون بموجبه يقوم كل بلد بتقديم كل المعلومات والبيانات عن الخزان في أراضيه كل سنتين، مع طرح الحلول بما يمكن من إعداد برنامج للاستغلال المستدام للموارد المشتركة.

حروب المياه

وذكر الخبير المائي أن "كل الخبراء في البيئة يحذرون مرارا من أن العالم سيشهد عدة نزاعات حول الموارد المائية، كما يعتقدون منذ عقود أن الحرب العالمية المقبلة ستكون حتما حول الماء".

العالم سيشهد عدة نزاعات حول المورد المائي

وتعمل وزارة الفلاحة والموارد المائية في تونس منذ سنوات، على إعداد دراسات لبحث تقنيات جديدة لمزيد من المحافظة على المياه السطحية للسدود والبحيرات الجبلية، وإيجاد مصادر جديدة للمياه.

وكانت نتائج دراسة أعدتها الوزارة عن مستقبل المياه عام 2030، بينت ضرورة التحكم في هذا المورد، وترشيد استغلاله، واللجوء إلى موارد غير تقليدية على غرار تحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستعملة، وإيجاد تمويلات لمثل هذه المشاريع المكلفة جدا.

يذكر أنه قبل حوالي عقد، نبه البنك الدولي في تقرير أصدره عام 2009، تونس من خطر الجفاف وإمكانية دخول البلاد في أزمة فقر مائي حاد خلال السنوات الخمس اللاحقة.

وبين البنك الدولي أن الأزمة تعود إلى اعتماد البلاد بشكل كبير على المياه السطحية من الأنهار والأمطار لتوفير ثلاثة أرباع حاجياتها من المياه، وهي تتركز في مناطق محدودة في شمال البلاد وغربها.

ومثل نقص الموارد المائية في العشرية الأخيرة بمدن الجنوب التونسي، التي تعد من مناطق قاحلة، عائقا تنمويا ومشكلة اجتماعية حقيقية.

أزمات اجتماعية وتنموية

وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، توقع المهندس الخبير في المياه والبيئة محمد بن حسين اندلاع أزمات اجتماعية وتنموية في تونس سببها ندرة المياه، خاصة في واحات قبلي وتوزر، وهي مناطق شهدت توسعات هائلة في السنوات الأخيرة تجاوزت 20 ألف هكتار، مما ضاعف استهلاك طبقات المياه الجوفية من 232 مليون متر مكعب إلى 522 مليونا في السنة.

ودعا بن حسين إلى ضرورة اعتماد طرق حديثة في الفلاحة، لتقليص كميات المياه المستعملة في الري وترشيد التصرف بها.

وتواترت الانقطاعات في التزود بالماء الصالح للشرب في كل جهات البلاد، خصوصا في فصل الصيف، مما أثار احتجاجات متكررة، وعانى التونسيون في المناطق الريفية لعقود طويلة من العطش والجفاف وتلوث المياه.

وأفاد منسق المشاريع في المرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي بأنه "في شهر أغسطس 2020 سجل أكبر عدد من الاحتجاجات الشعبية ضد انقطاع المياه، تزامنا مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة وموجة ثانية من فيروس كورونا المستجد".

وفسر المرزوقي أسباب الأزمة الاجتماعية للمياه في تونس بعوامل عدة، أبرزها ضعف الميزانية المخصصة لمد شبكات توزيع المياه وصيانتها، وعدم إدراج الحكومة للأزمة في سلم أولوياتها، وتجاهل العمل على التوزيع العادل للمياه على كافة المناطق.

واقترح الناشط في المجتمع المدني اعتماد التكنولوجيات الحديثة لمراقبة خزانات المياه وصيانة الشبكات لتجنب ضياع المياه، ورصد خطط عاجلة لتفادي اضطرابات التوزيع، فضلا عن تطوير التشريعات القانونية لضمان الحق الدستوري في الماء، والإسراع بمراجعة مجلة المياه في البرلمان، مذكرا بالفصل 44 من الدستور التونسي الذي يضمن حق المواطن في الحصول على الماء كواجب على الدولة.