تركز الجدل في الشارع السوداني خلال الساعات الماضية حول المتطلبات اللازمة لإعادة الاندماج في النظام العالمي، ونفض غبار سنوات العزلة الدولية التي استمرت ربع قرن من الزمان والتي انفتح باب الخروج منها بعد تغريدة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي أدرج فيها في منتصف تسعينيات القرن الماضي، والتي كلّفت اقتصاد البلاد خسائر قدّرت بأكثر من 300 مليار دولار.

وتسود مخاوف من التحديات الجسام التي تواجه السودان للخروج من أزماته الحالية، على الرغم من الاحتفاء الكبير في الشارع السوداني، وتفاعل الأسواق مع تغريدة ترامب حيث انتعش الجنيه بشكل ملحوظ بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس الأميركي وبلغ 235 جنيها للدولار في تداولات الثلاثاء، مقابل 265 جنيها قبل التغريدة.

تركة ثقيلة

وورثت الحكومة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام المعزول عمر البشير في أبريل 2019، علاقات خارجية متدهورة واقتصادا يعيش اختلالات هيكلية وبنيوية وحالة كساد وتضخم انفجاري، إضافة إلى فساد مؤسسي ضارب قدر حجمه خلال فترة حكم البشير التي استمرت 30 عاما بنحو تريليون دولار.

وخلال الأشهر الماضية، تفاقمت الأزمة الاقتصادية بشكل كبير حيث قفز معدل التضخم إلى أكثر من 200 في المئة والبطالة إلى نحو 66 في المئة والديون الخارجية إلى 64 مليار دولار، بحسب تقارير مستقلة، فيما سجلت قيمة العملة المحلية تناقصا مستمرا إذ جرى تداول الدولار الواحد بنحو 265 جنيها في السوق الموازي الأحد، قبل أن يرتفع الجنيه بفعل تغريدة ترامب إلى 235 جنيها مقابل الدولار.

وأجمع خبراء تحدثوا لموقع "سكاي نيوز عربية" على أن عودة السودان للاندماج في النظام العالمي وجذب الاستثمارات والتدفقات الخارجية بعد خطوة شطب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب يتطلب ضرورة ترتيب البيت الداخلي وإجراء إصلاحات اقتصادية وقانونية عاجلة تشمل وضع قوانين استثمارية متوائمة مع النظام العالمي وإصلاح القطاع المصرفي وترسيخ الشفافية والسلام والممارسة الديمقراطية وتحصين البلاد ضد أي اختراقات تجعله بؤرة للتحركات الإرهابية والأنشطة الحدودية الغير شرعية.

قمر الدين: عانينا كثيرا من وضعنا على لائحة الإرهاب

 

أخبار ذات صلة

وزيرة المالية السودانية: سيتم صياغة قوانين جديدة للاستثمار

 

أخبار ذات صلة

السودان يرحب بإعلان ترامب رفع اسم الخرطوم من قائمة الإرهاب

متطلبات وتحديات

في حين يعتبر وزير خارجية السودان الأسبق إبراهيم طه أيوب أن القرار الأميركي يحمل بشرى سارة للسودانيين إلا أنه يلقي على عاتق الحكومة كما هائلا من المسؤوليات.

وقال أيوب لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الشعب السوداني، الذى تحمل العبء الأكبر من فاتورة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، يتوقع من الحكومة الانتقالية انتهاز الفرصة داخليا قبل النظر للإنجاز الخارجي.

ويرى أيوب أنه من المفيد في ظل هذه الفرصة المواتية أن تتخذ الحكومة المدنية إجراءات محسوسة لإصلاح البيت الداخلي وأهمهما استكمال ملف السلام، وإصلاح الاقتصاد عبر عدد من الإجراءات بما في ذلك إدخال جميع الشركات التابعة للقوى العسكرية والأمنية تحت مظلة وزارة المالية، إضافة إلى إصلاح المنظومة الأمنية والعدلية وتحقيق استقلالية القضاء، ووضع سياسة خارجية فاعلة ومتوازنة يديرها الجهاز التنفيذي المدني بشكل كامل دون تدخل من أي جهة أخرى.

وشدد أيوب على الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الشفافية ومحاربة الفساد في تسريع عودة السودان للنظام العالمي، مشيرا إلى ضرورة دعم وتطوير عمل لجنة ازالة التمكين وإعطاءها صلاحيات واسعة ورفدها بالمعينات المادية والبشرية للفراغ من مهامها بأسرع الآجال.

وأكد الوزير الأسبق على أهمية تحقيق العدالة الانتقالية كعنصر مهم لتسريع الاندماج العالمي، منبها إلى ضرورة التعجيل باستكمال المصادقة على الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية وتسليم المخلوع البشير للمحكمة فورا.

واعتبر أن إصلاح الجهاز المصرفي أمر ملح وضروري في هذه المرحلة، إذ أن وجود نظام مصرفي متوائم مع المعايير والقواعد الدولية سيسهم في تسهيل التجارة الخارجية والتدفقات المالية وخصوصا تحويلات المغتربين التي يمكن أن تسهم مباشرة في تحسين سعر صرف العملة الوطنية.

ووفقا لأيوب فإن الجانب المشرق في القرار الذى اتخذه الرئيس ترامب أنه سيتيح للسودان التكيّف بالانفتاح على العالم والاندماج فيه والاستفادة القصوى من الوضع الجديد من حيث الاستفادة ماليا واقتصاديا وتجاريا وبالضرورة سياسيا، لكنه يشير إلى أن كل هذا يفرض على الحكومة الانتقالية وقوى الثورة السعي إلى الالتزام الصارم بمبدأ ترسيخ الحريات وتنمية الديمقراطية وتثبيت أركانها في بيئة صحية معافاة من التحزب والاختلاف الإثني أو العرقي، ونشر ثقافة قبول الآخر وتأكيد محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة ونبذ التفرقة على أساس الدين أو العرق.

بعد أمني

ويربط الخبير الاستراتيجي الأمني أمين اسماعيل مجذوب بين إعادة دمج السودان في النظام العالمي وترتيب البيت الأمني، مشيرا إلى أن إدراج السودان في قائمة الإرهاب كان في الأساس لأسباب أمنية تتعلق بإيواء النظام السابق لمجموعات وشخصيات إرهابية.

وفي هذا الإطار شدد مجذوب على ضرورة وضع استراتيجية أمنية فاعلة ودعمها بقوانين رادعة تنأى بالسودان من أي شبهات قد تربطه بالإرهاب أو توصمه بأنه دولة فاشلة.

وأشار مجذوب إلى ضرورة تصميم أدوات تنظم عمل الأجهزة الأمنية بالشكل الذي يضمن سلامة الحدود وتراب الوطن وبما يؤدي لدعم البيئة المناسبة لتشجيع الاستثمار وتأمين مناخ الأعمال.

ونبّه مجذوب إلى أهمية رسم سياسة خارجية مدروسة وواضحة المعالم تحدد كيفية تعامل السودان بمحيطيه الإقليمي والعالمي بما يؤدي إلى تحقيق مصالح السودان، لافتا لضرورة تجفيف بؤر الصراعات المحلية والاستفادة من الإرادة الحالية الرامية لترسيخ السلام والتعايش السلمي كأحد الشروط الأساسية للاندماج في النظام العالمي.

تطبيع حقيقي

من جانبه، يشترط محمد شيخون عضو اللجنة الاقتصادية وأحد أبرز المرشحين لحقيبة المالية في الحكومة الجديدة، إجراء إصلاحات اقتصادية عميقة وجوهرية من أجل الوصول إلى تطبيع حقيقي مع النظام المالي العالمي.

وتحدث شيخون لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلا إن مفتاح العملية هو الإصلاح المصرفي الذي يتطلب إعادة هيكلة المصارف والقضاء على التشوهات الحالية التي تبرز أهم ملامحها في خدمة المضاربة بدلا من الادخار والاستثمار، إضافة إلى الفساد والطابع الأسري في الكثير من المصارف.

وبيّن شيخون أهمية إجراء إصلاحات نقدية جوهرية تشمل تغيير الجنيه فورا من أجل امتصاص الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي والتي تقدر بنحو 95 في المئة من إجمالي الكتلة النقدية، إضافة إلى اتخاذ إجراءات وسياسات نقدية تؤدي إلى تثبيت سعر الصرف.

ونصح بضرورة الابتعاد عن الإصلاحات التي تنفذ وفقا لمواصفات تقليدية يقدمها صندوق النقد والمؤسسات الدولية الأخرى، والدخول بدلا عن ذلك في حوارات مباشرة مع تلك المؤسسات لتصميم سياسات مالية قائمة على التركيز على الفرص الإنتاجية بدلا عن القروض والمساعدات الانفاقية والاستهلاكية.

إصلاحات شاملة

وبالنسبة لبكري الجاك أستاذ السياسة العامة في الجامعة الأميركية في الخرطوم، فإن تحقيق الفائدة المنتظرة من خطوة شطب السودان من قائمة الإرهاب يستوجب على السودان إجراء إصلاحات مالية ومصرفية شاملة.

ولفت الجاك في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن السودان وبعد عزلة استمرت أكثر من ربع قرن شهد دمارا واسعا في البنية المؤسسية والقانونية التي تعتبر شرطا أساسيا لتدفق التمويلات والاستثمارات الأجنبية.

ووفقا للجاك، فإن من الشروط المهمة إصلاح الجهاز المصرفي ومواكبته للتطورات التشريعية والتكنولوجية، إضافة إلى وضع سياسات فاعلة لتوحيد سعر الصرف واستقراره.

ويتفق عبده مختار أستاذ الاقتصاد السياسي مع ما ذهب إليه الجاك، ويقول إن شطب اسم السودان من قائمة الإرهاب يضع الحكومة أمام تحدي كبير بعد أن أصبح الحل داخليا ولم تعد هناك أي مبررات لضغوط خارجية.

ويرى مختار أن العودة للمجتمع الدولي والاندماج في النظام المالي العالمي يحتاج إلى إرادة سياسية قوية لتنفيذ إصلاحات اقتصادية فاعلة تخلص السودان من التأثيرات الكبيرة الناجمة فترة العزلة الكبيرة التي عاشها.