تتواصل جلسات الجولة الثانية من المفاوضات الكردية-الكردية السورية في منطقة شرق الفرات، بإشراف ورعاية ثنائية من البعثة الدبلوماسية للولايات المتحدة في تلك المنطقة، وقائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي.

هذه الجولة التي تقصد خلق توافق داخلي كردي سوري بشأن تفاصيل المسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية والإدارية العالقة بين مختلف الأطراف.

لكن مصادر متطابقة، من مختلف الجهات المتفاوضة والمشرفة على المفاوضات، أشارت إلى الكثير من العقبات التي تحول دون التوصل إلى توافق سريع بين الأطراف، وأن تفاصيل الملفات العالقة أكثر صعوبة مما هو ظاهر.

شرخ كردي تقليدي

وتتوزع القوى السياسية الكردية السورية على تيارين رئيسيين، يتمثل الأول بأحزاب "الوحدة الوطنية الكردية" بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطية "الكردي"، الذي يُعتبر الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، وفعليا حزب السلطة في الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا.

والتيار الثاني يتمثل بأحزاب المجلس الوطني الكردي، التي تعارض الإدارة الذاتية، وقريبة سياسيا من الحزب الديمقراطي الكردستاني "العراقي".

وكانت الثورة السورية قد خلقت شرخا سياسيا فاصلا بين القوى الكردية الرئيسية في البلاد، حيث مال حزب الاتحاد الديمقراطي، القريب من حزب العمال الكردستاني، إلى عقد توافق مع النظام السوري، استطاع عبره الحصول على بعض المناطق ذات الأغلبية الكردية شمال شرقي البلاد.

كما أسس جناحا عسكريا قويا، تمثل بـوحدات حماية الشعب الكردية، التي خاضت حربا طويلة ضد التنظيمات المتطرفة، بالتحالف مع الولايات المتحدة. وفي مرحلة لاحقة دخلت في مواجهة مع الجيش التركي، وتحولت تلك الوحدات إلى قوات سوريا الديمقراطية.

من جانبها، فإن مختلف الأحزاب السياسية الكردية التقليدية شكلت "المجلس الوطني الكردي"، الذي أصبح عضوا أساسيا في المجلس الوطني السوري المعارض، وفي مرحلة لاحقة جزءا من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والهيئة العليا للمفاوضات.

ويرى الناشط والكاتب الكردي السوري، محي الدين عيسو، أن "المشكلة الكردية لم تكن يوما في حزب الاتحاد الديمقراطي، كحزب كردي سوري، والذي تأسس عام 2003، وإنما في ارتهان القرار السياسي الكردي إلى أطراف خارجية وتبعيته لتلك الأطراف".

وأضاف أن "الاتفاق على الأمور السياسية والإدارية والعسكرية، يتطلب التخلص من التبعية السياسية والأيديولوجية المفروضة على أكراد سوريا، ومن ثم التوافق مع مكونات المنطقة لإدارتها بما يخدم مصالح سكانها".

أخبار ذات صلة

أكراد سوريا يوقعون عقدا مع الأميركيين لتطوير حقول نفط
سوريا.. القوات الكردية تعتزم إنشاء محكمة لسجناء داعش
قائد "سوريا الديمقراطية": دواعش يقاتلون مع تركيا شمالي سوريا
بمقاطعة البضائع التركية.. أكراد سوريا أمام "الخيار الصعب"

مفاوضات مطولة

وطوال السنوات الماضية، خاض الطرفان الكرديان السوريان جولات متعددة من المفاوضات، تمت أغلبها برعاية الرئيس الأسبق لإقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، لكن لم يُطبق أي منها عمليا، بسبب شدة الخلافات بين الطرفين، وتبعا للاستقطاب الإقليمي الحاد، حيث كان يتوزع الطرفان سياسيا.

وساهمت 3 عوامل لعودة التفاوض بين الأطراف الكردية السورية، فنهاية محاربة تنظيم داعش، منذ مارس 2019، سحبت الحجة الرئيسية من يد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي كان يعتبر ملف محاربة الإرهاب هي رأس الأولويات بالنسبة له.

كذلك فإن المسعى الأميركي بخلق بيئة سياسية واقتصادية آمنة في منطقة شرق الفرات في مرحلة ما بعد محاربة داعش، شكل ضغطا على الطرفين.

لكن حاجة الإدارة الذاتية لشرق الفرات إلى انفتاح سياسي واقتصادي، بالذات بعد فرض قانون قيصر على النظام السوري، دفعها إلى تقديم بعض التنازلات والتفاوض مع الطرف الكردي النظير.

كانت تلك الظروف منذ أوائل العام الجاري قد دفعت قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي، وبضغط ورعاية أميركية، للدعوة إلى مفاوضات بين القوى الكردية السورية، والتي بدأت في أواخر مارس الماضي، وتوصلت في السادس عشر من مايو إلى رؤية سياسية مشتركة، متوافقة على خمسة نقاط رئيسية.

وتتمثل هذه النقاط بالدفع نحو تأسيس نظام حكم سوري مستقبلي فدرالي، يكون فيه الأكراد وحدة جغرافية وسياسية متكاملة، وعلى أساسها يجب حل المسألة الكردية. لكنها أجلت معظم القضايا التفصيلية العالقة إلى الجولة الثانية من التفاوض، التي بدأت منذ أوائل أغسطس الجاري.

وكانت الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، إلهام أحمد، قد قللت من كافة المخاوف الصادرة بشأن طبيعة رعاية وسياق هذا الحوار الكردي، بالذات من القوى السياسية والمجتمعية العربية والسريانية في منطقة شرق الفرات.

واعتبرت أن هذا الحوار الكردي المتبادل إنما هو "جزء ومرحلة من الحوار على مستوى سوريا، وأن الأكراد لا يحملون أية تطلعات لتقاسم المنطقة في بينهم، أو عزلها عن عموم سوريا وقضاياها".

أخبار ذات صلة

قائد "سوريا الديموقراطية": وقف استغلال أردوغان للدواعش ممكن
قائد "سوريا الديمقراطية" يريد التفاوض رغم جو "عدم الثقة"

ثلاثة ملفات معقدة

مصادر متطابقة من داخل المفاوضات بين الطرفين، بما في ذلك مصادر من الجهات الراعية، أكدت أن الخلافات التفصيلية بين الطرفين تتوزع على ثلاثة مستويات رئيسية، بعد التجاوز السريع للملف السياسي، الذي توصل فيه الطرفان إلى توافقات استثنائية، عبروا عنها في البيان المشترك في الجولة الأولى من المفاوضات.

وتشكل البنية التنظيمية للمرجعية السياسية الكردية أساس الاختلاف الأول بين الطرفين، المرجعية التي توافق الطرفان على تشكيلها منذ سنوات، لتكون أعلى جهة سياسية تحدد موقف الأكراد السوريين من القضايا السياسية في البلاد.

مصدر خاص من المتفاوضين، كشف أن ما يعرضه المجلس الوطني الكردي يتمثل في أن تكون نسبة المشاركة في تلك المرجعية مناصفة بينهم وبين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية.

وترفض الأخيرة هذا التقاسم، وتعرض أن يكون التقاسم على أساس أن تكون حصة أحزاب الوحدة الوطنية 60 بالمئة من أعضاء المرجعية، بينما يكون للمجلس نسبة 40 بالمئة، وهو ما لا توافق عليه أحزاب المجلس.

وضمن تفاصيل هذه العثرة، فإن مستقبل ومواقع الأحزاب الكردية السورية الأخرى ضمن هذه المرجعية يبقى محل تساؤل كبير، تلك الأحزاب غير المنضوية في واحد من هذين التجمعين السياسيين، مثل حزبي الوحدة والتقدمي الكرديين.

الملف الآخر يتعلق بالبنية الإدارية والاقتصادية لمنطقة شرق الفرات، بالذات في ملفات التعليم وإدارة الموارد وتوزيع الثروة العامة.

فالمراقبون يلاحظون أن القوى السياسية المتمحورة حول حزب الاتحاد الديمقراطي "الكردي"، إنما تسيطر على كافة شبكات ومراكز القوة الإدارية والاقتصادية في منطقة شرق الفرات، وأن مساعي أحزاب المجلس الوطني الكردي لإعادة تشكيل الجهاز الإداري والديناميكيات الاقتصادية في منطقة شرق الفرات، إنما تدخل عملية التفاوض دهليز مغلق.

إلا أن مصدرا من المجلس الوطني الكردي يقول إن تفاصيل ما يطالب به المجلس لا يتعلق بإعادة تشكيل كاملة، بل بتفاصيل وقضايا تهم المصلحة العامة لمواطني تلك المنطقة.

وأضاف المصدر أن ملف التعليم مثال على ذلك، ففي حين تفرض الإدارة الذاتية منهاجا وعملية تربوية تشكل قطيعة مع المنهاج والعملية التربوية للنظام السوري، فإنهم يعتقدون بأن ذلك يضر بالمصالح العليا لعشرات الآلاف من طلاب ومواطني تلك المنطقة، وأنهم عوضا عن ذلك يعرضون إضافة مواد باللغة الكردية إلى العملية التربوية الأساسية، ليتمكن الطلبة الأكراد من الحفاظ على مستواهم العلمي والمعرفي.

المسألة الثالثة تتعلق بإعادة تشكيل المؤسسات الأمنية والعسكرية في منطقة شرق الفرات، بالذات فيما يتعلق بالعقيدة العسكرية للمقاتلين، الذين يقدرون بقُرابة مائة ألف مقاتل، بالإضافة إلى الجهة السياسية التي تشرف عليهم، إلى جانب مصير نحو 5 آلاف مقاتل، هم "مقاتلو روج"، المتمركزون في إقليم كردستان العراق، ويوالون المجلس الوطني الكردي السوري سياسيا.