أشاعت زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو الخرطوم، الثلاثاء، في أول زيارة لوزير خارجية أميركي للسودان منذ 24 عاما، تفاؤلا كبيرا بأن تؤسس الزيارة لصفحة جديدة في علاقات الجانبين التي شهدت توترا كبيرا خلال الأعوام الثلاثين الماضية.

وبدت ملامح الحقبة الجديدة من خلال تصريحات رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك الذي قال إن مباحثاته مع الوزير الأميركي، تضمنت حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودعم الحكومة المدنية .

وشهدت العلاقات السودانية الأميركية توترا شديدا منذ انقلاب المعزول عمر البشير في العام 1989، وزاد التوتر أكثر في مطلع تسعينيات القرن الماضي على خلفية اتهامات أميركية لنظام البشير بدعم الإرهاب واضطهاد حقوق الإنسان والتورط في جرائم حرب وقتل للمعارضين.

3 مراحل

ومنذ استقلال السودان في العام 1956 مرت العلاقات بين البلدين بثلاث مراحل، شهدت الأولى الممتدة بين عامي 1960 وحتى 1989 استقرارا غلب عليه التعاون المباشر في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية مع فترات ركود نسبية في أعقاب حرب 1967.

وتميزت المرحلة الأولى بعلاقات دافئة غلب عليها عنصر التعاون العسكري  والاقتصادي.

وفي العام 1961 كان الرئيس الراحل إبراهيم عبود أول رئيس سوداني يزور البيت الأبيض بعد الاستقلال والتقى بالرئيس جون كينيدي.

وخلال السنوات الست التي أعقبت تلك الزيارة، استمرت العلاقة على وتيرة ثابتة تصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول الداعمة للسودان في المجالين الاقتصادي والعسكري.

أخبار ذات صلة

حمدوك: أجرينا حوارا شفافا مع بومبيو ولا نملك تفويضا للتطبيع

 

أخبار ذات صلة

بومبيو يستقل أول رحلة جوية مباشرة بين الخرطوم وتل أبيب

 

أخبار ذات صلة

مركزي "الحرية والتغيير" يبحث مشكلات السودان الاقتصادية

 

أخبار ذات صلة

الخرطوم على صفيح ساخن قبيل زيارة بومبيو وآبي أحمد

 

وفي العام  1967 حدث تحول مهم في العلاقة، عندما أعلن السودان الحرب على إسرائيل وقطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، واستمر الحال على ذلك المنوال حتى العام 1971، عندما سعى الرئيس الراحل جعفر نميري إلى تحسين العلاقة مع واشنطن  في أعقاب محاولة انقلابية للإطاحة به يعتقد أنها مدعومة من الاتحاد السوفيتي.

وتطورت العلاقات أكثر بعد أن قدمت الولايات المتحدة المساعدة لإعادة توطين اللاجئين في أعقاب تسوية السلام مع المتمردين الجنوبيين في العام 1972.

ومرت العلاقة بتعثر جديد في العام 1974 عندما سحبت الولايات المتحدة  سفيرها من الخرطوم احتجاجا على إطلاق حكومة نميري سراح فلسطينيين من منظمة "أيلول الأسود"  تورطوا في اغتيال السفير الأميركي كليو نويل ونائب رئيس البعثة كورتيس جي مور في الخرطوم في مطلع مارس 1973.

وفي العام 1976 شهدت العلاقة تحسنا ملحوظا عندما توسط الرئيس نميري في إطلاق سراح 10 رهائن أميركيين محتجزين من قبل المتمردين الإريتريين في معاقل المتمردين بشمال إثيوبيا.

وفي العام نفسه في استأنفت الولايات المتحدة المساعدة الاقتصادية للسودان، وظل السودان منذ ذلك الحين وحتى انقلاب البشير في 1989 هو أكبر متلقٍ للمساعدات الأميركية التنموية والعسكرية في إفريقيا.

أما المرحلة الثانية والتي استمرت منذ انقلاب البشير في 1989 وحتى نجاح ثورة ديسمبر في أبريل 2019 فقد كانت أسوأ مراحل العلاقة على الإطلاق، وشهدت وضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب في العام 1997 بعد أن تحولت الخرطوم إلى مركز لشخصيات وجماعات إرهابية على رأسها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة.

توتر متزايد

وتزايد التوتر مع الولايات المتحدة في مطلع التسعينيات عندما أعلن البشير وأتباعه شعارات معادية للولايات المتحدة في إطار حرب جهادية في جنوب البلاد، وبسبب ذلك سحبت الولايات المتحدة عددا من دبلوماسييها ورعاياها من الخرطوم، وصنفت السودان كدولة راعية للإرهاب، وتبع ذلك تعليق عمليات السفارة الأميركية في الخرطوم في العام 1996.

وفي أكتوبر 1997، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية شاملة على السودان. وبعد عام واحد من ذلك شنت الولايات المتحدة ضربات بصواريخ كروز على مصنع للأدوية في وسط العاصمة الخرطوم بحجة تصنيع أسلحة كيماوية.

وبسبب استمرار انتهاكات نظام البشير ضد المدنيين خلال حرب دارفور التي اندلعت في العام 2003، فرض الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عقوبات اقتصادية جديدة على السودان في مايو 2007.

انفراج في العلاقات

وشهدت المرحلة الثالثة التي أعقبت الإطاحة بنظام البشير في أبريل 2019، مرحلة جديدة في العلاقة حيث أعلنت واشنطن تأييدها ودعمها للتغيير الذي حدث في البلاد.

 وفي ديسمبر 2019 قام رئيس الوزراء الانتقالي عبدالله حمدوك بزيارة لواشنطن، يعتقد المحللون بأنها كانت بمثابة تحول جذري في العلاقة بين البلدين حيث استطاع حمدوك خلال الزيارة تحريك الكثير من الملفات العالقة وأهمها ملف رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب والذي بات قريبا من الحل بحسب تصريحات سابقة لبومبيو ووزير الخزانة الأميركي وعدد من الأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب.

وفي مايو الماضي أعلن البلدان عن عودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين بعد 23 عاما من التمثيل المتدني، وهو الأمر الذي يتوقع له أن يسمح بتسهيل تحريك الملفات العالقة.

 وفي أغسطس 2020، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، رفعها القيود عن تعاملات الأميركيين المالية مع السودان وتعتبر هذه الخطوة هامة لمساعدة الخرطوم على تخطي الصعوبات التي تواجهها بسبب هذه القيود.

ومن المتوقع أن تفتح الزيارة المزيد من الفرص أمام تحسين العلاقة بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، في ظل الحاجة المتبادلة بحسم الكثير من الملفات العالقة وأهمها رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والسلام مع إسرائيل والتعاون الأمني ومفاوضات السلام السودانية.

وفي هذا السياق، اعتبر ابراهيم الشيخ القيادي في قوى الحرية والتغيير أن الزيارة عززت من كسر طوق العزلة الدوليه وفتحت أفقا جديدة لعلاقات مستقبليه قائمة على المصالح المشتركه والانتصار لمدنية الدولة. وقال الشيخ لـ"سكاي نيوز عربية" إن الذي طرأ في قيادة الدولة السودانيه والذي فرضته ثوره شعبيه أرست قيما جديده للحرية والعدالة والسلام والكرامة.

وأضاف الشيخ أن هذه الزيارة التي  أتت بعد غيبة طويلة تعدت المتوقع منها وأسست لواقع جديد يجب على الدبلوماسية السودانية الاستثمار فيه بشكل حصيف لتحقيق المصالح العليا للبلاد.

وقال الخبير الاستراتيجي أمين اسماعيل لـ"سكاي نيوز" إنه بجانب رفع السودان من قائمة  الإرهاب ومفاوضات السلام السودانية فإن واشنطن  تنظر إلى الموانئ السودانية كقواعد وسيطة  تمكنها من الوصول الى اي بؤرة أزموية في القرن الأفريقي والبحرين الأبيض المتوسط والأحمر ومنطقة الخليج العربي.

ويقول إسماعيل إن السودان يعتبر منطقة حيوية للأمن القومي الأميركي من خلال  موقعه الجيواستراتيجي  المهم كحلقة وصل بين دول وسط افريقيا الحبيسة وشواطئ البحر الأحمر.

واعتبر إسماعيل أن السودان يشكل مدخلا للتعامل مع جيوش القارة الأفريقية لما يملكه من علاقات افقية وراسية مع تلك الجيوش. ويشير اسماعيل إلى بعد اقتصادي مهم وهو أن السودان ينثل مستودع احتياطي للنفط لأميركا لوجود احتياطات مليارية بجانب اليورانيوم والذهب  والاراضي الزراعية الخصبة.