فجأة، وبلا سابق إنذار، أصبح العثمانيون في قلب كارثة مرفأ بيروت، حين نسب أتراك وموالون لهم صوامع القمح الضخمة في الميناء للعهد العثماني، وقالوا إنها حالت دون وقوع كارثة أكبر بالعاصمة اللبنانية، لكن تبين أن كل ذلك محض فبركة ضمن حملة دعائية تتسلق مأساة اللبنانيين.

وانتشرت تعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة من قبيل أن "الصوامع العثمانية هي الوحيدة التي صمدت أمام قوة الانفجار".

وذهب آخرون إلى القول إن الأتراك بنوا هذه الصوامع قبل 150 عاما.

غير أن كثيرا من المغردين، ولا سيما من الكويت سارعوا إلى نفي هذه الأقاويل وأوردوا الأدلة التي تقول إن دولتهم تبرعت بمنحة إلى لبنان من أجل بناء الصوامع في مرفأ بيروت بين عامي 1968-1970.

وقال باحثون في التاريخ إن الصوامع أو "الإهراءات" كما تسمى في لبنان، لا علاقة لها بالعهد العثماني أو الدولة التركية فيما بعد.

 قصة الصوامع

ويوضح أستاذ التاريخ العربي الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية، عماد مراد، أن هناك العديد من المعلومات المغلوطة عن تاريخ مرفأ بيروت، التي لا تستند إلى وثائق ولا معلومات تاريخية، مؤكدا أن الحديث عن "عثمانية الصوامع خطأ فادح"

وقال مراد في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" إن بيروت كانت مرفأ طبيعيا منذ العهد الفينيقي، بسبب الطبيعة الصخرية التي تتيح رسو السفن، دون الحاجة إلى إجراء تعديلات في الشاطئ.

وأضاف أن بيروت أصبحت في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان مركزا لبناء السفن.

وظل القمح حتى عهد ما بعد استقلال لبنان يخزن هناك في خيم أو مخازن خشبية أو بلاستيكية، الأمر الذي كان له أضرار صحية، بحسب أستاذ التاريخ.

وفي عهد الرئيس شار الحلو، وتحديدا في العام 1965 اتخذت الحكومة اللبنانية قرار بناء صوامع بيروت، وتولت شركة تشيكية عملية تشييد الصوامع، فيما استمرت عملية البناء 5 سنوات قبل أن تفتتح عام 1970، على ما يقول مراد.

ويضيف مراد إن الهدف من هذا البناء كان حماية القمح من الرطوبة وتفادي دخول القوارض إلى هذه المنتجات، كما أن هذه الصوامع تتسم بأنها دقيقة في الحسابات في البيع والشراء، علاوة على أن المخازن التقليدية لم تعد كافية لاستيعاب الكميات القادمة من منطقة البقاع.

هبة كويتية

يقول مؤسس ورئيس جمعية تراثنا بيروت، سهيل منيمنة، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، إن صوامع بيروت بنيت سنة 1970 بهبة من دولة الكويت، وحضر أمير الكويت حينها، الشيخ صباح السالم الصباح، افتتاحها في ذلك العام.

وأضاف منيمنة أنه قبل تدشين هذه الصوامع وتحديدا منذ سنة 1948 كان يوجد أربعة عنابر صغيرة في المرفأ لتخزين القمح.

واستدعت الحاجة وتزايد الطلب توسيع تخزين القمح، فكانت الصوامع بمنحة من صندوق الكويت.

فاجعة بيروت.. "الصور تنطق"
4+
1 / 8
آثار الانفجار امتدت إلى أكثر من 20 كيلومترا في بيروت.
2 / 8
الانفجار كان هائلا وفاق قدرة الدفاع المدني على إخماده بسرعة.
3 / 8
الدمار الناجم عن انفجار بيروت امتد لأحياء عدة في العاصمة.
4 / 8
بعض مستشفيات لبنان خرج عن الخدمة بسبب انفجار بيروت.
5 / 8
الآلاف من اللبنانيين تشردوا بسبب انفجار بيروت.
6 / 8
الحادث نجم عن انفجار مستودع يحتوي على نترات الأمونيوم.
7 / 8
مرفأ لبنان، مكان الانفجار، تدمر بشكل شبه كامل.
8 / 8
المباني السكنية في محيط الانفجار لم تعد صالحة للسكن.

الإسمنت المسلح لم يكن موجودا وقت العثمانيين

وذكر منيمنة، الذي يعكف حاليا على إعداد بحث عن تاريخ المرفأ، أنه في عهد الدولة العثمانية كانت المراكب تفرغ حمولتها من الحبوب وتنقل مباشرة إلى سوق القمح القريب من المرفأ.

ولفت المهتم بالتاريخ البيروتي، أنه في في العهد العثماني لم يكن الإسمنت المسلح قد اخترع بعد "وهذا ينسف فرضية بناءها في زمن العثمانيين الذي انتهى في المنطقة العربية مطلع القرن الماضي".

ويتفق مع هذا الرأي، الكاتب والباحث في مجال التاريخ، وليد فكري، الذي أكد أنه لم يكن هناك حديث عن وجود صوامع عثمانية مخصصة للقمح بهذا الشكل، سواء في بيروت أو غيرها.

أخبار ذات صلة

"توقيت عثماني" للتدخل العسكري التركي بسوريا
أردوغان يقوي نفسه بـ"كتيبة الفتح العثمانية"

"سطو ممنهج على التاريخ"

ورأى فكري في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية" أن قضية نسبة الصوامع إلى الحقبة العثمانية "ليس صدفة بل محاولة  سطو على التاريخ، مشيرا إلى "وجود منهج تركي منذ زمن يقوم على المتاجرة بالتاريخ العثماني".

وأضاف فكري أن هذا المنهج يسعى إلى "اختزال التاريخ الإسلامي كله في الحقبة العثمانية، وأنه لم يكن للعرب والمسلمين من تاريخ إلا في ظل العثمانيين".

واعتبر أن الغاية من وراء ترديد هذه الأكاذيب، عبر أبواق تركيا الإعلامية، هي جزء من خطة أكبر لصناعة "لوبي من العثمانيين الجدد" في الوطن العربي، على أن يتحول إلى طابور خامس يتصور أن الازدهار لن يكون إلا تحت ظل العثمانيين الجدد الذين يمثلهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وتياره.