عاش قطاع التعليم في المغرب أوقاتا صعبة خلال الأيام الأخيرة، بفقده ثلاثة أساتذة جامعيين قرروا إنهاء حياتهم بالانتحار، فيما يرجع متخصصون الأمر إلى طبيعة العمل الشاق الذي يقوم به الأكاديميون.

وأثارت عمليات الانتحار، التي وقعت خلال أقل من أسبوع، مخاوف في صفوف الأسرة التعليمية، وفتحت باب النقاش حول الأسباب التي دفعتهم لذلك.

بيد أنه حسب السلطات المغربية، التي فتحت تحقيقات في هذه الحوادث، فإن الدوافع "غير معروفة" بعد.

وكان آخر هذه الحوادث، انتحار أستاذ أربعيني، الخميس، في مدينة الدار البيضاء، حيث شنق نفسه داخل منزله.

وأفادت مصادر محلية بأنه كان يعاني من "أزمة نفسية حادة"، بسبب الحجر الصحي الذي فرض إثر انتشار فيروس كورونا.

وفتحت الشرطة تحقيقا لمعرفة ملابسات الحادث المأساوي، بينما نقلت جثة المنتحر إلى ما يعرف بـ"مستودع الأموات" لإجراء تشريح طبي لها.

والثلاثاء الماضي، أقدم أستاذ كان يناهز الستين من العمر، على الانتحار في مدينة مكناس، حيث قفز من سطح مبنى سكني وسقط فوق سيارة متوقفة في الشارع. ورغم نقله إلى المستشفى لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة لحظة وصوله إلى هناك.

وعزا أحد الجيران السبب إلى أن الأستاذ "كان يعاني من اضطرابات نفسية"، بينما فتحت السلطات الأمنية تحقيقا لاستجلاء ظروف وملابسات الحادث.

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يقدم فيها أستاذ الفيزياء على الانتحار، وهو متزوج وأب لطفلة، إذ حاول الانتحار قبل ثلاثة أسابيع، بعد أن أقفل باب منزله وفتح الغاز ليتسرب إلى شقته، لكن الجيران أخطروا السلطات المعنية ليتم إنقاذه في اللحظات الأخيرة.

وقبل ذلك بيوم واحد، وبنفس الطريقة، أقدمت أستاذة أربعينية في مدينة بركان على الانتحار، بعد أن رمت نفسها من مكان مرتفع.

وذكرت مصادر محلية أن الأستاذة كانت تعاني من "مرض نفسي"، وكانت تتلقى العلاج اللازم. كما فتحت الشرطة تحقيقا لتحديد السبب وراء حالة الانتحار.

أخبار ذات صلة

المغرب.. توقيف مروجين لمعدات تستخدم للغش في الامتحانات
فلويد المغربي في برلمان إسبانيا لـ"إلغاء البروتوكول المميت"
"حكومة الشباب الموازية" في المغرب.. مبادرة مدنية غير مسبوقة
ثاني مرحلة من تخفيف الحجر.. الحياة تعود إلى شوارع المغرب

حادثة أخرى وقعت على بعد 30 كلم من مدينة طنجة، عندما ألقى أيستاذ متدرب بنفسه، السبت الماضي، أمام القطار فائق السرعة "البراق"، مما أدى إلى وفاته على الفور.

وأفاد المكتب الوطني للسكك الحديدية، أن شخصا ألقى بنفسه أمام القطار على مستوى الخط الرابط بين طنجة والدار البيضاء، مما أدى إلى وفاته.

وكشف التشريح الطبي الذي أجري على الشخص المنتحر، أنه أستاذ متدرب في الثلاثينيات من عمره، وكان يتابع تكوينه بسلك تأهيل الأساتذة المتدربين، أطر أكاديمية جهة طنجة تطوان الحسيمة، وما زالت الشرطة تحقق في أسباب إنهاء حياته بتلك الطريقة المأساوية.

"دوافع" عمليات الانتحار

وفي تفسيره لهذه الحوادث المتكررة، قال عبد الرزاق الإدريسي، الكاتب (الأمين) العام للجامعة الوطنية للتعليم في المغرب، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، إن مهنة التدريس من المهن الشاقة، إذ يعمل الأساتذة في ظروف صعبة.

وأضاف الإدريسي: "إن الجوانب النفسية والاجتماعية والقدرة الشرائية تظل من الأسباب التي دفعت بهؤلاء الأساتذة إلى الإقدام على فعل شنيع بإنهاء حياتهم بهذا الشكل، وهو أمر خطير يثير مخاوف كثيرة وسط المنظومة التعليمية".

وأعرب الإدريسي عن أسفه، لكون "هؤلاء الأساتذة المنتحرين، الذي يشكلون قدوة لطلابهم، أصبحوا يقدمون على أفعال مأساوية تجهل أسبابها الحقيقية".

كما طالب وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بـ"تحمل مسؤولية ما يجري للأطر التعليمية"، محذرا أن غياب الدعم النفسي لهم سيزيد الأمر سوءا في المستقبل.

قطاع يعاني ضغطا

من جانبه، أوضح الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، الدكتور محسن بنزاكور، في حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن الانتحار يعم جميع الفئات العمرية، وكل المهن "دون استثناء".

وأرجع عمليات الانتحار الأخيرة لكون العاملين في مجال التعليم يواجهون "ضغطا كبيرا ليس فقط في تأدية مهام التدريس، وإنما في التعامل مع الطلبة، خاصة في المستويات التعليمية الأساسية قبل الجامعة".

وأشار بنزاكور إلى أنها "مرحلة صعبة، يحتاج فيها الأستاذ إلى مساعدة نفسية، إلى جانب التكوين البيداغوجي والتربوي".

وقال: "آن الأوان لتقييم بعض الأساتذة الذين يعانون من أمراض نفسية، ونقلهم من مهام التدريس إلى المهام الإدارية، لما فيه من مصلحة لهم وللطلبة وللمنظومة التعليمية والتربوية".

واعتبر أن "حنكة الأستاذ وخبرته وتجربته تظل غير كافية أثناء تعامله مع تصرفات الطلبة داخل الفصل الدراسي، إذ أنها لحظة لم يهيأ لها عكس الدرس الذي يقدمه".

ونبه المتخصص في علم النفس الاجتماعي، إلى وجود "نقص أو عدم الوعي بقضية الصحة النفسية"، داعيا إلى تسليط الضوء عليها وتوفير عدد أكبر من المراكز الصحية في الطب النفسي.