اعتبر النائب في البرلمان التونسي، مبروك كرشيد، أن الاتفاقية التجارية الموقعة مع تركيا "نوع من الاستعمار الجديد"، مطالبا الرئيس التونسي قيس سعيد بـ"اتخاذ موقف واضح منها بحكم مسؤولياته الدستورية".

وتعرض على النواب في البرلمان التونسي، يومي الأربعاء والخميس، اتفاقيتان تجاريتان، الأولى مع قطر والثانية مع تركيا، وصفهما نواب بأنهما "تنتهكان السيادة الوطنية".

وقال النائب في البرلمان عن حزب "تحيا تونس"، مبروك كرشيد، في حوار مع "سكاي نيوز عربية"، إن تركيا تسعى إلى "التسرب خلسة" إلى تونس عبر بوابة الاتفاقية التجارية، مضيفا: "سنقف أمام سعي تركيا لمد يدها أمام مقدرات الشعب التونسي".

كما شدد على أن النواب الرافضين للاتفاقية مع تركيا، "ينطلقون من موقف وطني رافض للهيمنة التركية".

وكان كرشيد قد قال في تسجيل مصور عبر موقعه في فيسبوك، إن "الاتفاقية تسمح للأتراك، مؤسسات وأفراد، بأن يتملكوا العقارات في تونس، وهي محمية من الملكية الأجنبية، كما تسمح للأتراك بتملك الأراضي الزراعية"، مشير إلى أن "حماية الأراضي الفلاحية تتعلق بالسيادة الوطنية".

وأوضح أن الاتفاقية التجارية الموقعة بين تونس وتركيا في 2016، "تبيح الاستثمار للأتراك دون قيود، وتعطي المستثمر التركي الامتيازات ذاتها التي يتمتع بها المستثمر التونسي، مثل حق التملك والاقتراض من البنوك المحلية".

كما أشار كرشيد إلى أن الاتفاقية التجارية مع تركيا تخول للمستثمر التركي "تحويل الأموال والأرباح إلى أي دولة أجنبية"، قائلا إن "هذا النوع من المستثمرين غير مرغوب فيهم".

أما الاتفاقية القطرية مع تونس، التي تم التوقيع عليها في ديسمبر 2017، فتنص على إنشاء فرع للصندوق القطري للتنمية في تونس، إذ "لا يمكن للدولة التونسية أن تعطّل بشكل مباشر أو غير مباشر المشاريع التي يشارك فيها الصندوق".

ويحق أيضا للصندوق القطري "أن يدخل في شراكات مع أطراف أجنبية في خصوص المشاريع التي يتولّاها في تونس دون العودة للدولة التونسية"، ويحق للصندوق "تحويل الأموال التي يجنيها في تونس إلى أي جهة أجنبية أخرى وبالعملة الصعبة دون أي قيد أو شرط".

وتنص الاتفاقية التجارية مع قطر على أنه "يسمح للصندوق باستخدام الموظفين والمستشارين ذوي الجنسيات الأجنبية وتمنح لهم تراخيص عمل.. ولا يسمح للدولة التونسية بمراقبة هؤلاء".

أخبار ذات صلة

نواب تونسيون يرفضون إقرار اتفاقيتين مع قطر وتركيا
البرلمان التونسي يناقش "اللقاء الغامض" بين أردوغان والغنوشي
دول جوار ليبيا تؤكد على رفض التدخل وتدعو لحوار بين الليبيين
الغنوشي و"سيارة أردوغان".. لماذا أشعلت الزيارة الغضب بتونس؟

وأوضح كرشيد أن الرفض "ليس رفضا عاما للاتفاقيات مع تركيا، وإنما هو رفض للاتفاقية المعروضة الآن، الموقعة من قبل وزير سابق ينتمي لحركة النهضة".

وبرر ذلك الرفض بالقول إن الاتفاقية "مخلة بقواعد التكافؤ بين الدول، وفيها عملية إذعان تونسي لتركيا ونوع من الاستعمار الجديد، ويتجلى ذلك بكل وضوح في السماح للجانب التركي بامتلاك الأراضي الفلاحية، وهي سلة المواطن، بالرغم من أن قانون تونس يمنع تملك الأجانب للأراضي الفلاحية التونسية، وإن كانت بأسماء شركات".

وشدد النائب التونسي على أن بلاده لم ولن تستفيد من هذه الاتفاقية، "بل إن المستثمر التركي هو من يتمتع بالامتيازات التي يتمتع بها المستثمر التونسي، بالإضافة إلى أنه لا يجبر على إعادة استثمار الأرباح في تونس، وإنما يمكنه تحويلها كاملة إلى بلده الأصلي".

وأضاف: "هذه الاتفاقية تنتهك سيادة تونس، ونحن حساسون جدا للسيادة الوطنية، خاصة مع قوات لديها نزوع نحو الهيمنة والاستعمار الجديد، وتعمل تحالفات مع أحزاب وقوى سياسية في بلدان، لبناء إمبراطورية جديدة. عندما نفتح الباب للهيمنة التركية فهذا أمر خطير".

وفيما يتعلق بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال كرشيد: "أردوغان لديه مطامع أصبحت معلنة وليست خفية، فهو يتصرف كخليفة.. لقد أرسل نحو 6 آلاف إرهابي لقتال وتدمير الشعب الليبي. وفي تونس لأن لديه مصالح فإنه يسعى للتسرب خلسة من الخلف عبر اتفاقيات مشبوهة، مثل التي يعرضونها على البرلمان، وهي محاولة هيمنة ووضع يد على تونس".

أما بشأن النتائج التي أسفرت عنها جهود نواب للتأكيد على رفضهم الاتفاقية، قال كرشيد: "بعد مقاطع الفيديو التي سجلها نواب (تأكيدا للرفض)، وحديثهم في البرلمان صباحا، اضطروا مساء إلى سحب الاتفاقية. كما أنني أعلم أن بعض الوزراء يرفضونها. وبالتالي إذا سحبوها وأعلنوا إلغاءها من قبل الجهة المبادرة، وهي الجهة الحكومية، فهذا جيد، وإن أعادوها للبرلمان عدنا لإيقافها".

وتابع: "كل مبادرة تركية ستأتي في اتجاه وضع اليد على تونس والهيمنة على البلد، سنكون لها بالمرصاد".

ودعا النائب الحكومة التونسية إلى مراجعة هذه الاتفاقية وإلغائها مع الجانب التركي، لتبرم اتفاقية متكافئة مع الأتراك أو غيرهم ندا بند، أما وجود اتفاقية بهذا النوع تسمح باستباحة الأراضي الفلاحية التونسية المحرمة حتى على جيراننا وغيرهم من العرب فهي غير مقبولة، لأن هذه أرض وطنية وتتعلق بسلة غذاء المواطن التونسي".

كما أعرب عن استغرابه من إعطاء تركيا هذا الامتياز، قائلا: "ما الذي سيأتي من المستثمر التركي، فهو يأتي ليقترض من البنوك المحلية، متسللا وبأموال تونسية، ليقوم بمشاريع بها ثم يسافر".

واختتم كرشيد حديثه مع "سكاي نيوز عربية"، بتوجيه دعوة إلى الرئيس التونسي، "لاتخاذ موقف واضح". وأضاف: "الرئيس عليه مسؤولية لأن الأمر يتعلق بالعلاقات الدولية، وأطالبه بأن يكون له موقف واضح من الهيمنة التركية".

وتابع: "مجيء أردوغان بشكل مفاجئ لتونس لم يكن مستحبا من الشعب، وسفر رئيس البرلمان التونسي لتركيا بطريقة غير واضحة لم يكن مقبولا وقد طالبنا في البرلمان بتوضيح المسألة، فتركيا ترسل إرهابيين إلى حدودنا من خلال ليبيا المجاورة، ومن الممكن في أي لحظة أن يتسربوا إلى تونس".

ووجه كلامه إلى الرئيس سعيد قائلا: "أطلب منه أن يكون صوته عال ولا يخشى في الحق لومة لائم.. تركيا دولة ذات مصالح، إذا توافقت معها مصالحنا فليكن، وإذا كانت تسعى للهيمنة فسنكون لها بالمرصاد".

التوقيت

وأثار توقيت عرض الاتفاقيتين على النواب، في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بأزمة فيروس كورونا، العديد من التساؤلات والجدل. وحذرت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، من أن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، يسعى إلى تمرير الاتفاقيتين في البرلمان، بسبب علاقة وصفتها بـ"المريبة" بين الحركة من جهة، وقطر وتركيا من جهة ثانية.

ونقلت وسائل إعلام تونسية عن موسى قولها، إن تلك المشاريع تعود إلى عامي 2016 و2017، متسائلة عن سبب الاستعجال في تمرير الاتفاقيتين في مثل هذه الفترة الاستثنائية، حيث الجميع منشغل بأزمة كورونا.

ومن المتوقع أن تصوت كتلة حركة النهضة الإخوانية و"ائتلاف الكرامة" المتحالف معها لصالح الاتفاقيتين، في حين أعلنت كتلة "الحزب الدستوري الحر" توجهها للمحكمة الإدارية للطعن بالاتفاقيتين، وفق ما ذكرت وسائل إعلام تونسية محلية.