أحدثت الولايات المتحدة، عددا من المفاجآت بشأن وجودها في سوريا، خلال العامين الأخيرين، إذ أعلنت واشنطن عن انسحابها من شمالي البلاد، ثم تراجعت في وقت لاحق عن خطوتها، وسط تساؤل حول التغير المفاجئ في الاستراتيجية.

وفي الآونة الأخيرة، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قوات بلاده من سوريا، في خطوة عبدت الطريق أمام تركيا لتبدأ  عدوانا ضد الشمال السوري، لأجل إبعاد مسلحي الأكراد الذين شنوا حربا ضارية ضد تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة، لكن أنقرة ترى فيهم امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يسعى إلى الانفصال عن تركيا.

 وعزا البيت الأبيض قراره إلى تحقق الهدف الذي استدعى التدخل، أول مرة، وهو هزيمة تنظيم داعش الإرهابي بشكل كامل، وأورد ترامب في تغريدة أنه كان من المفترض أن تبقى القوات الأميركية ثلاثين يوما فقط في سوريا لكن تلك المدة طالت كثيرا.

لكن دعوة ترامب إلى الانسحاب ليس أمرا جديدا، ففي ديسمبر 2018، أمر الرئيس الأميركي بسحب القوات من سوريا، وقوبلت الدعوة وقتئذ بمعارضة شديدة من وزير الدفاع السابق، جيمس ماتيس، الذي دافع عن بقاء الجيش الأميركي ثم اضطر للاستقالة.

انقسام في الإدراة

ومنذ ذلك الحين، استمر الانقسام بين ترامب والمؤسسة العسكرية الأميركية حيال مسألة الانسحاب من سوريا، فبينما ظل الرئيس الأميركي يستعجل التخفف مما يراه عبئا، حرص البنتاغون على ضمان استمرار نفوذ الولايات المتحدة إزاء لاعبين آخرين مثل روسيا وإيران.

وتعرض ترامب لانتقادات شديدة بسبب الانسحاب، وجرى النظر إلى الخطوة بمثابة خيانة أميركية للمقاتلين الأكراد الذين قاتلوا بشدة ضد متشددي داعش، ثم وجدوا أنفسهم دون سند أمام الغزو التركي الذي يسعى إلى إقامة منطقة آمنة شمالي سوريا.

أما حديث ترامب عن تحقق الهدف من التدخل العسكري للولايات المتحدة في سوريا، وهو دحر داعش، فليس تقديرا دقيقا، حسب صحيفة "واشنطن بوست"، لأن الآلاف من عناصر التنظيم الإرهابي ما زالوا موجودين في سوريا، وهذا الأمر يعني أن الخطر قائم حتى يومنا هذا، كما أن الانسحاب من شأنه تقديم هدية مجانية لموسكو وأنقرة.

الإبقاء على بعض القوات

ورغم الانسحاب الفعلي للجيش الأميركي من عدة نقاط في سوريا، فضلا عن مغادرة أكثر من قاعدة، أكدت الولايات المتحدة، مؤخرا، أنها ستبقي على بعض قواتها، في سوريا، لمنع وقوع حقول نفطية في قبضة تنظيم داعش الذي يحاول أن يعيد رص صفوفه.

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فإن الرئيس الأميركي اقتنع بالإبقاء على بعض القوات، شمال شرقي سوريا، حين جرى إخباره بمسألة النفط، وقيل له إن حقولا قد تقع في أيدي المتشددين إذا انسحبت الولايات المتحدة بشكل كلي.

وفي وقت سابق، رفض ترامب كل ما تردد بشأن الفراغ الذي سينجم عن الانسحاب الأميركي ورفض البقاء لأجل حماية الأكراد، لكنه غرد الخميس بأن بلاده لن تسمح أبدا لداعش بأن تسيطر على حقول النفط.

من ناحيته، قال وزير الدفاع الأميركي، مايك إسبر، إن البنتاغون يدرس حاليا، الطرق المحتملة لإعادة الانتشار في المنطقة، فضلا عن تعزيز الوجود العسكري بإمدادات من قبيل الدبابات والعربات المدرعة.

"حيلة الزبادي"

ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أميركي لم يجر ذكر اسمه، أن اهتمام ترامب الكبير بمسألة النفط قدم فرصة ثمينة للبنتاغون الذي لم يكن راضيا عن خطوة الانسحاب، وشبه المسؤول إقناع ترامب بالبقاء "بتقديم جرعة الدواء إلى طفل صغير داخل عبوة من الزبادي".

أخبار ذات صلة

أكراد سوريا يتهمون تركيا والموالين لها بجرائم ضد النساء

وأورد المصدر أن أحد المسؤولين الأميركيين اقترح أن ترسل واشنطن مئات من الجنود فقط إلى شمال شرقي سوريا، لكن شريطة أن يظل العدد ما دون الكتيبة؛ وتضم كتيبة الجيش الأميركي، وفق الأعراف، ما يتراوح بين 800 وألف جندي.

وتقترح الخطة العسكرية أن تتمركز هذه القوات بين بلدات محافظتي الحكسة ودير الزور، وإذا أضيفت هذه القوات إلى من هم موجودون حاليا في سوريا، فإن عدد الجنود الأميركيين سيقترب من الألف، أي العدد نفسه الذي أريد له أن ينسحب في وقت سابق، وهكذا تكون واشنطن قد أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، وسط غموض حول أسباب "التذبذب" في التقدير العسكري والاستراتيجي.

داعش والنفط

ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي، صبحي ناظم توفيق، أن حقول النفط هي التي دفعت الولايات المتحدة إلى التراجع عن قرار الانسحاب الكامل من سوريا، لأن من شأن الفراغ أن يسمح بعودة تنظيم داعش الإرهابي وسيطرته على حقول النفط.

وأضاف توفيق، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن تنظيم داعش يستطيع الحصول على تمويل كبير في حال سيطر على حقول النفط، شمال شرقي سوريا، حتى وإن كانت الخلافة المزعومة قد سقطت بشكل كامل، ولم تعد له سلطة قائمة على الأرض.

أما استمرار الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، فيحقق فائدة مزدوجة، بحسب توفيق، لأنه يخدم واشنطن، وفي الوقت نفسه، يفيد حلفاءها الأكراد ويضمن تمويلهم من خلال الحقول التي يسيطرون عليها.

ويضيف الباحث أن الولايات المتحدة لا يمكنها في الوقت الحالي أن تستغني بشكل كامل عن وجودها في سوريا، وضرب مثالا بقاعدة "التنف" التي تقع في "مثلث استراتيجي" بالغ الأهمية على حدود سوريا والعراق والأردن.

ويعتبر توفيق أن التقلب بين المواقف أمرا معهودا لدى الرئيس الأميركي، في عدد من الملفات، وليس في مسألة الوجود العسكري الأميركي بسوريا فقط.

وضرب الأكاديمي العسكري، مثلا بسياسة ترامب إزاء تركيا؛ فتارة يلوح بمعاقبة أنقرة وتدمير اقتصادها، وتارة أخرى، يلتمس الأعذار للحملة العسكرية، حتى أنه قال في تصريح صحفي إن حزب العمال الكردستاني أخطر من تنظيم داعش.