أحدث قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالانسحاب من سوريا تغيرا جذريا في موازين القوى، بشمالي سوريا، تسعى القوى المتصارعة على ملئه.

وفي تحليل لوكالة "رويترز"، يظهر أن القوى الدولية مثل تركيا وإيران وروسيا وحلفائهم المحليين بدأوا العمل على استغلال الفراغ الذي تركه الانسحاب الأميركي.

 وبينما تستمر القوات التركية زحفها جنوبا داخل الأراضي السورية دعا الأكراد الحكومة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد المدعومة من روسيا للدفع بقواتها للتقدم من الجنوب ومن الغرب.

وتستغل قوات الأسد التراجع الأميركي لبسط سيطرتها على منطقة غنية بالموارد كانت قد انسحبت منها قبل سنوات.

وتضم هذه المنطقة معظم الأراضي السورية التي كانت تشكل "دولة خلافة" المزعومة أعلنها تنظيم داعش الإرهابي الذي لجأ مقاتلوه إلى العمل السري لكنهم تعهدوا بالنهوض من جديد.

ويقبع في سجون بالمنطقة أكثر من 10 آلاف سجين من مسلحي داعش بعضهم من المقاتلين الأجانب الأشداء الذين ترفض حكومات غربية إعادتهم إليها كما يقيم عشرات الآلاف من أفراد أسره مفي مخيمات في المنطقة.

وفيما يلي موجز لما يعنيه الانسحاب الأمريكي للأطراف الجديدة الوافدة على المنطقة وللباقين فيها.

سارعت تركيا للتوغل في سوريا بعيد الانسحاب الأميركي

 ما هو هدف الهجوم التركي؟

يقول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه يريد توطين ما يصل إلى مليونين من اللاجئين السوريين، كثيرون منهم من العرب السنة، في المناطق المستهدفة في العملية العسكرية وهي مناطق تسيطر عليها في الوقت الحالي قوات يقودها الأكراد.

وقد ركزت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في الأسبوع الأول من العمليات على إخراج مقاتلي وحدات حماية الشعب المؤلفة من أكراد سوريا من مدينتين حدوديتين كبيرتين هما تل أبيض ورأس العين اللتان يفصل بينهما نحو 120 كيلومترا، لكن هذا الأمر لم يتحقق تماما.

ورغم موجة من الانتقادات الدولية، قال أردوغان إنه لا شيء سيوقف العمليات ضد المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين، وتزعم أن هناك صلات تجمعهم مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني  الانفصالي داخل تركيا.

وقال أردوغان إن تركيا ستسيطر على شريط حدودي يمتد مئات الكيلومترات من كوباني في الغرب إلى الحسكة في الشرق وبعمق يتراوح بين 30-35كيلومترا في الأراضي السورية.

وقال مسؤول تركي إن العملية تسير "بسرعة كبيرة وتحرز نجاحا".

وأضاف أن المرحلة الأولى ستكتمل بحلول 13 نوفمبر المقبل، موعد لقاء أردوغان مع ترامب خلال زيارة لواشنطن وذلك دون أن يحدد عمق التوغل التركي في ذلك الوقت.

معارك محتدمة في الشمال السوري

أخبار ذات صلة

منظمة إنسانية: هكذا يواجه المدنيون الموت في شمال سوريا
بسبب الغزو التركي.. خطر الدواعش يهدد العراق من جديد

 ما هي أهداف الأسد؟

يعد الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية ونشر الجيش السوري منعطفا رئيسيا في الصراع السوري إذ أنه يعيد لحكومة الأسد موطيء قدم في أكبر قطاع من البلاد لم يكن تحت سيطرتها.

وتوجد في المنطقة موارد نفطية وزراعية ومياه وكذلك سد الطبقة المستخدم في توليد الكهرباء وكلها موارد حيوية من شأنها تحسين قدرة الحكومة على مواجهة تداعيات العقوبات الغربية.

وقالت وسائل إعلام رسمية في سوريا إن القوات وصلت إلى الطريق السريع إم4 الذي يمتد من الشرق إلى الغرب على مسافة 30 كيلومترا تقريبا من الحدود مع تركيا أي على حدود "المنطقة الآمنة" التي تعتزم أنقرة إقامتها.

ويوم الثلاثاء دخلت القوات السورية مدينة منبج في منطقة كانت تركيا والولايات المتحدة تنظم فيها دوريات مشتركة.

غير أن جيش الأسد أنهكه الاستنزاف الذي تسبب فيه الصراع الطويل والآن أصبح يعتمد بشدة على روسيا وإيران وفصائل موالية لها مثل ميليشيات حزب الله اللبنانية.

 ما معنى الحكم الذاتي الكردي؟

استغلت الجماعات الكردية في سوريا انسحاب القوات الحكومية من الشمال الشرقي مع اندلاع الحرب الأهلية بسوريا في إنشاء مؤسسات للحكم الذاتي وتدريس اللغة الكردية في المدارس المحلية.

وعندما تعرض الأكراد للهجوم التركي من جراء الانسحاب الأمريكي، سارعوا إلى دعوة الجيش السوري للعودة وهو قرار سلط الضوء على مدى ضعفهم وكان إيذانا بنهاية الكثير من أحلامهم.

وسيسعى الأكراد للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الحكم الذاتي في محادثات سياسية مع سوريا وهو هدفهم المعلن منذ فترة طويلة. لكن لم يعد لهم حليف قوي يناصرهم.

ومع ذلك تشترك دمشق وقوات سوريا الديمقراطية التي يغلب عليها الأكراد في هدف طرد تركيا من الشمال السوري أو وقف الزحف التركي على أقل تقدير.

وقال جوشوا لانديس رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما "دمشق تحتاج الأكراد. فالأكراد ودمشق يشتركان في أمرين: معاداة تركيا ورغبة في عدم سيادة فصائل المعارضة السنية في شمال شرق سوريا".

وأضاف "لكنهما لا يتفقان على أي شيء عندما يتعلق الأمر بحكم شمال شرق سوريا".

 ما مصير داعش؟

كانت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد هي القوة الرئيسية على الأرض في الهجوم المدعوم من الولايات المتحدة الذي استعاد الأراضي السورية من داعش بما في ذلك مدينة الرقة العاصمة الفعلية لدولة الخلافة المزعومة التي أعلنها التنظيم.

وكانت واشنطن تستعد قبل انسحابها لتدريب قوة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية وتجهيزها لتحقيق الاستقرار في المنطقة وذلك لمنع عودة المتطرفين الذين نفذوا مذابح واسعة بحق الأكراد في المدن التي سيطروا عليها.

وتقول قوات سوريا الديمقراطية إن الهجوم التركي ساعد في تنشيط خلايا نائمة تابعة داعش بعد عام واحد من هزيمة التنظيم.

 وقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجمات بما في ذلك تفجير سيارة ملغومة خارج مطعم في مدينة القامشلي أكبر المدن الكردية بعد يوم واحد من بدء التوغل التركي.

ومنذ بدأ القتال الأسبوع الماضي تقول قوات سوريا الديمقراطية إن اضطرابات حدثت في السجون التي تحتجز فيها المقاتلين وفي مخيمات تحتجز فيها زوجات المقاتلين وأطفالهم.

يعيش أكثر من 70 ألف إنسان في مخيم الهول

 المكسب الإيراني المحتمل

من المنتظر أيضا أن تحقق إيران حليفة الأسد مكاسب. فمن المرجح أن تساعد ميليشيات عراقية تدعمها إيران على الحدود العراقية السورية الأسد في بسط سيطرته مما يدعم خطوط إمدادها على امتداد مسار يمتد من طهران إلى بيروت.

ماذا تريد روسيا؟

يعكس دور روسيا في سوريا الذي لا غنى عنه تحولا أكبر في الشرق الأوسط.

كان التدخل الروسي بسلاح الجو في 2015 هو الذي ساهم في تحويل مسار الحرب الأهلية السورية لصالح الأسد، وعزز قرار ترامب سحب القوات الأميركية من الشمال الشرقي دور موسكو المحوري في تشكيل مستقبل البلاد.

وقال مصدر إقليمي مؤيد لدمشق "تجري محادثات تركية روسية ...لتحديد الإيقاع في شمال سوريا لا سيما شرقي نهر الفرات. هم الذين يحركون كل هذه الخطط".

 ومن ناحيته، قال المسؤول التركي إن أنقرة "تعمل بتعاون وثيق للغاية مع روسيا"، كما أشار أردوغان، الاثنين، إلى أهمية روسيا عندما قال إن الرئيس بوتن أظهر "نهجا إيجابيا" إزاء الوضع.

وربما يتمكن البلدان من صياغة اتفاق يقسم الحدود الشمالية إلى مناطق سيطرة جديدة ويمنع نشوب حرب بين حلفائهما المحليين وهما الحكومة السورية من جانب والمعارضة المناوئة للأسد من جانب آخر.

وقال لانديس من مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما "أعتقد أنه سيحدث احتكاك حقيقي لكني أعتقد أن الروس سيتمكنون من السيطرة عليه. سيتم إبرام صفقة".