على قدم وساق، تجري عمليات توقيف وتحقيقات في الجزائر لمحاسبة مسؤولين حاليين وسابقين كبار، إلى جانب مليارديرات من العيار الثقيل، في إطار عملية موسعة لمكافحة الفساد، إلا أن حقيقة هذه العملية ومدى صدق الإجراءات وفاعليتها، تبقى محل شك ومثار للجدل في البلاد.

وفي تصريحات، الثلاثاء، قال قائد الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، إنه اطّلع شخصيا على "ملفات فساد ثقيلة بأرقام خيالية في نهب الأموال"، مؤكدا أنه سيتم "تطهير البلاد نهائيا من الفساد والمفسدين".

وخلال الأيام الماضية، استجوبت النيابة العامة، رئيس الوزراء السابق، أحمد أويحيى، في ملفات "تبديد أموال عامة"، فيما مثل وزير المالية الحالي، محمد لوكال، أمام محكمة تيبازة، في إطار تحقيقات تتعلق بالاشتباه في تبديد المال العام.

كما مثل أمام قاضي التحقيق في تيبازة غربي العاصمة الجزائر، المدير العام السابق للأمن الوطني، عبد الغني هامل، ونجله، والذي أقاله الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، العام الماضي، لأسباب لم يكشف عنها.

وقال التلفزيون الحكومي إن هامل يمثل أمام القضاء في إطار تحقيق بضلوعه في "أنشطة غير مشروعة"، واستغلال النفوذ والاستيلاء على أراض وإساءة استخدام منصبه.

وفي مجال الاقتصاد، وُضع 3 رجال أعمال هم كريم ونوح طارق ورضا كونيناف، بالإضافة إلى يسعد ربراب، صاحب أكبر ثروة في البلاد، قيد الحبس المؤقت في سجن الحراش الشهير.

ويشتبه بتورط الأخوة كونيناف بـ"عدم احترام التزامات عقود موقعة مع الدولة واستعمال النفوذ مع موظفين حكوميين من أجل الحصول على امتيازات".

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية أن ربراب أودع السجن إثر تورطه في "تصريح كاذب بخصوص حركة رؤوس أموال من وإلى الخارج"، و"تضخيم فواتير استيراد عتاد مستعمل".

وفي إطار هذه الحملة، قالت النيابة العامة الجزائرية، إنها "لم تتلق أي إيعاز لكي تقوم بواجبها في مكافحة الفساد"، وذلك بعد أن دعا قايد صالح، سابقا، القضاء إلى "تسريع وتيرة الملاحقات القضائية" في قضايا الفساد.

وبالرغم من هذه الإجراءات المتلاحقة، فإن الكثير من الجزائريين يشككون بفاعليتها، ويرون أنها مجرد "محاولة لتهدئة الشارع"، خاصة بعد أن ركزت مطالب المتظاهرين، الجمعة الماضية، على مكافحة الفساد.

"من يحارب الفساد يجب أن يكون نظيفا"

من جانبه، اعتبر الحقوقي والمعارض الجزائري، صالح حجاب، أن عبارة "محاربة الفساد" لا تنطبق على ما يجري في الجزائر الآن، قائلا: "لا يمكن لفاسد محاسبة فاسد آخر".

وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية": "عندما تم استدعاء هامل، قال إن من يحارب الفساد يجب أن يكون نظيفا، وكلامه صحيح تماما، فمن يدير المرحلة الآن هو عبد القادر بن صالح، الذي يرفضه الشعب أصلا، كما أن القاضية التي استدعت هامل هي زوجة جنرال، وبالتالي هي من الدائرة القريبة من الفاسدين".

وتابع: "هذا ضحك على الأذقان ومحاولة لكسب الوقت، وإلا لتم استدعاء سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، الذي عاث في البلاد فسادا".

وقارن حجاب بين ما يحدث الآن، وما حدث سابقا في عهد بوتفليقة، بشأن فضيحة "الطريق السيار شرق غرب"، عندما كان عمار غول وزيرا للأشغال العمومية، وتم اتهامه بالتورط في الفساد، لكن القضية أُغلقت بعد أن تم فرض غرامات مالية على مسؤولين في شركات مسؤولة عن المشروع، دون أن يطال غول أي اتهام، ثم عُين لاحقا وزيرا للنقل، واليوم هو في مجلس الأمة بالثلث الرئاسي، (أي أن بوتفليقة هو من قام بتعيينه بالمجلس)".

وشدد المعارض الجزائري على أن مكافحة الفساد والمحاسبة، تتم "عندما تكون هناك دولة قانون ومؤسسات وعدالة مستقلة، أما اليوم فهي تلاعب واستخفاف بالجزائريين، وقد تكون حربا بين عصابات السلطة. هي في الواقع مجرد مسرحية لأنه إذا تم ضبط فاسد فسيجر جميع الفاسدين، وهذا أمر يخشون حدوثه".

أخبار ذات صلة

الجزائر.. شبهة الفساد تحوم حول مدير الشرطة ونجله
الجمعة العاشرة تهز الجزائر.. وظهور "سعيد بوتفليقة"
النيابة: مكافحة الفساد تعد من أولويات السياسة الجزائرية
"حيتان الجزائر".. "الأخوة كونيناف" يجاورون "ربراب" بسجن واحد

"المرحلة الانتقالية أولا"

من جانبه، اعتبر المكلف بالإعلام في حزب جيل جديد، حبيب براهمية، أنه لا بد من التركيز الآن على المرحلة الانتقالية الحاسمة التي تشهدها البلاد، ثم محاسبة الفاسدين.

وقال في حوار هاتفي مع موقع "سكاي نيوز عربية": "لطالما طالبنا في حزب جيل حديد بفتح ملفات الفساد في الجزائر، لكننا نخشى اليوم أن تكون مجرد عملية استعراضية، أو انتقامية، وهنا يكمن الخطر".

واستطرد قائلا: "ما يثير القلق هو أن يكون هذا هو مجرد استعراض ليظن الشعب أن المظاهرات نجحت وأن مطالبهم تحققت، لذا إن النظام جدي بالفعل، فعليه بتحقيق المطالب السياسية والذهاب لعملية انتقالية حقيقية برجال نزهاء، لنعود إلى الشرعية ويتم بعدها تحرير العدالة وفتح كل الملفات، لأن الثقة اليوم لا تزال مكسورة".

وشدد براهمية على ضرورة أن يتم "تحرير العدالة"، مضيفا: "يجب أن تكون العدالة مستقلة تماما عن السلطة العسكرية أو التنفيذية، وهذا ما نطالب بتحقيقه في المرحلة الانتقالية".

وتابع: "كنا نفضل الذهاب إلى عملية احترازية، تتمثل بمنع المشتبه بفسادهم من الخروج من البلاد، وتجميد حساباتهم البنكية، وتأجيل المحاسبة لحين انتهاء العملية الانتقالية".

"أسماء كبيرة أو صغيرة.. الكل سيحاسب"

أما عضو مجلس الأمة من حزب جبهة التحرير الوطنية، محمود قيساري، فأكد على أن الجزائر "مصممة الآن على محاربة الفساد".

وقال لموقع "سكاي نيوز عربية": "خرج الملايين من أبناء الشعب للحفاظ على ثروات وطنهم والمطالبة بأعلى صوتهم بمحاسبة الفاسدين، ويجب تحقيق مطالب الجزائريين".

ودعا قيساري إلى التركيز على "كل من كان في مركز مسؤولية وظهر عليه الثراء غير المبرر أو الفاحش"، مشددا على أن من ثبت فساده "فلا بد من أن يلقى جزاءه".

وعن رأيه فيما إذا كانت العملية الجارية الآن ستحاسب الفاسدين بالفعل، أم هي مجرد إجراءات صورية، قال البرلماني الجزائري: "الشباب يريد الآن إعادة المسروقات وإرجاع الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة، لذا سيتم النظر في جميع المسؤولين، خاصة أولئك الذين يملكون ثروات فاحشة، أو من ثبت حصوله على أموال بغير وجه حق.. لا توجد أسماء كبيرة وأسماء صغيرة، الكل سيحاسب".