أعادت آخر انتهاكات جبهة النصرة في سوريا إلى الواجهة سجلا قاتما لما ضلعت فيه الجماعة المدعومة من قطر، والتي كانت إحدى عوامل تحريف "الحراك السوري" عن مقاصده الأولى المنادية بإصلاح سياسي، وذراعا لتمكين المحسوبين عليها من قوى الإسلام السياسي.

واغتال مسلحون تابعون للنصرة، يوم الجمعة، اثنين من أبرز ناشطي المعارضة السورية السلميين هما رائد الفارس وحمود جنيد، في مدينة كفرنبل بريف إدلب شمالي سوريا الخاضعة للجماعة التي أسمت نفسها "هيئة تحرير الشام" وزعمت فك ارتباطها بالقاعدة.

ويعد الفارس وجنيد، من أبرز وجوه العمل السلمي في الشمال السوري، حيث كان الأول مديرا لراديو "فريش" المعارض في كفرنبل، والذي ينتقد الجماعات الإسلامية المتطرفة ومن بينها جبهة النصرة، كما يشغل أيضا مدير اتحاد المكاتب الثورية "URB"، بينما يعمل جنيد مصورا معه.

واشتهر الفارس باللوحات التي رسمها في مدينة كفرنبل، والتي حظيت بشهرة عالمية، وتحدثت عنها كبرى وسائل الإعلام العربية والغربية.

وتزامن اغتيال "النصرة" لفارس وجنيد، مصادرتها أملاك المسيحيين في إدلب، إذ أرسلت بلاغات إلى مالكي العقارات في إدلب من المسيحيين من أجل تسليمها في موعد أقصاه نهاية نوفمبر الجاري.

ودفعت هذه الانتهاكات الجديدة القديمة، ناشطي المعارضة لرفع صوتهم والتنديد بالفظاعات التي ترتكبها جبهة النصرة، مسلطين الضوء على الدور الذي قامت به قطر في تغذية هذا الفصيل المتطرف.

وفي صورة واضحة عن دعم الدوحة لهذا التنظيم، استضافت قناة الجزيرة القطرية قبل سنوات زعيمها محمد الجولاني، وأرسلت صحفييها إلى مقر الجماعة في سوريا.

وعلى غرار ما قامت به في أكثر من بلد عربي، حرصت قطر على دعم التنظيم المتشدد في سوريا وراهنت عليه ليحقق تقدما ميدانيا في الوقت الذي كان تأمل شريحة مهمة من السوريين ألا تنحصر خياراتهم بين نظام الأسد من جهة وتنظيمات إرهابية من جهة أخرى.

دور قطر - تركي

وقال المعارض السوري، غسان إبراهيم، إن جبهة النصرة ما كانت لتضمن موطئ قدم لها في الشمال السوري لولا وجود دعم تركي، أو غض للطرف في أحسن الأحوال، وذلك بحكم الحلف المتين بين الدوحة وأنقرة وتبني العاصمتين نهجا متطابقا في الملف السوري.

وأضاف إبراهيم في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية" أن اغتيال ناشطي المعارضة السورية، مؤخرا، في إدلب، ليس سوى حلقة واحدة ضمن مساع تركية وقطرية لأجل محو كل طرف غير متشدد في الثورة السورية، فيما يطمح الناشطون إلى بديل أفضل ولا يقبلون بأن يحل المتشددون مكانَ الأسد.

ويؤكد أن دور الدوحة كان وبالا على الثورة السورية، فبسبب دعم قطر للتنظيمات المتشددة، انصرفت دول غربية عن دعم المعارضة بعدما كانت تدعو باستمرار إلى رحيل الأسد وتتحدث عن أيامه المعدودة في السلطة لكنها باتت تقبل اليوم بحل سياسي يبقيه في المنصب.

ويوضحإبراهيم أن متشددي "تحرير الشام" الموالون لتركيا لا يختلفون كثيرا عن ميليشيات تناصر طهران، ففي الحالتين؛ يغيب الولاء للوطن وتحضر الإيديلوجيا المتشددة والحسابات الضيقة.

وفي الوقت الذي تتحدث هيئة "تحرير الشام" عن عداء مع النظام، تشهد ممارسات هذا التنظيم المتشدد على استهداف لكل الأصوات المخالفة حتى وإن كانت لأشخاص معروفين بمعارضتهم للنظام على نحو حضاري يحصد إعجابا في الخارج.