رغم رفض رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي الرضوخ للتشاؤم وترتيبه لقاءا مع الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي إلا أن الأزمة التونسية دخلت مرحلة عنق الزجاجة بعد أن تحطمت محاولاته تشكيل حكومة كفاءات على صخرة رفض حزب النهضة لاحتواء الأزمة السياسية التي هزت البلاد منذ اغتيال المعارض اليساري البارز لحكم الإسلاميين شكري بلعيد.

ويحاول الجبالي الوصول إلى حكومة تكون حلا وسطا بين طلبات المعارضة التي أيدت منذ اللحظة الأولى مقترحه بتشكيل حكومة كفاءات وبين رفض حزب النهضة الذي اعتبرها انقلابا مدنيا على شرعية الانتخابات.

وأكد عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري وسام الصغير في تصريحات صحفية أن حزبه "منفتح على كل الخيارات لكنه لن يتنازل عن إخراج وزارتي الداخلية والعدل من تحت سيطرة النهضة".

وتتمسك المعارضة بتحييد الوزارات السيادية في الحكومة المقبلة بحيث تكون بعيدة عن أي تجاذبات سيادية خاصة تأثير حزب النهضة ذي التوجه الإسلامي والذي يرأسه راشد الغنوشي.

ومن المتوقع أن ينص الحل الوسط على تشكيل الحكومة الجديدة المرتقبة من شخصيات مستقلة معروفة بالكفاءة ومن شخصيات سياسية ذات انتماءات حزبية.

ولم تحدد بعد الجبهة الشعبية اليسارية، والتي كان ينتمي إليها شكري بلعيد، إذا ما كانت ستظل متمسكة بمطلبها باستقالة حكومة الجبالي بالكامل.

تصاعد العنف

وحذر الوزير التونسي السابق والخبير الدستوري صادق بلعيد من تداعيات استمرار الأزمة عبر تزايد في وتيرة العنف الذي كان بكورته اغتيال شكري بلعيد.

وقال لسكاي نيوز عربية إن "تونس الآن في عنق الزجاجة بحكم أن الحكومة معطلة منذ ما يقرب من سنة مما خلف فشلا نتجت عنه أزمة سياسية ودستورية واقتصادية واجتماعية".

وقد ازدادت الاحتجاجات الاجتماعية ومشاعر عدم الرضا على خلفية البطالة والفقر وغلاء الأسعار، في وقت أثرت أعمال عنف تقودها جماعات سلفية متشددة على استقرار البلاد.

ويرى بلعيد أن الأزمة الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة تدفع في اتجاه العنف حيث "يلجأ الكثير من الشباب العاطل إلى المنظمات المتطرفة التي تستخدم المساعدات لجذب الشباب" إلى صفوفها.

وحذر من هذا "التحول إلى العنف القوي الذي يصل إلى حد القتل والتهديد بالقتل والإرهاب".

ويشير بلعيد إلى أن " المحيط الدولي والاقليمي ليسا في صالح الأمن والاستقرار، بدليل الحرب في مالي وربما يكون له امتداد في تونس".

وينبه إلى أن "تصدي، ليس فقط بعض الدول الافريقية لتنظيم القاعدة، ولكن الأوروبية أيضا قد يدفع إلى هروب بعض أعضائها إلى المناطق الأكثر ضعفا مثل تونس عبر الحدود الصحراوية".

خطورة الموقف

ويعزو الخبير الدستوري اشتراك "كل الأحزاب والتجمعات السياسية في مبادرة الجبالي لإدراكهم بخطورة الموقف".

"جاء ذلك بنوع من الشعور بالمسؤولية من كل الأطراف السياسية، ولكن العامل الأساسي في فشل المبادرة والشلل السياسي هو حزب النهضة الحاكم حيث يجب أن نقول أنه تقع عليه 80 بالمئة من مسؤولية فشل المبادرة"، حسب صادق بلعيد.

وأضاف بلعيد: "لأول مرة جمع الجبالي كل الأحزاب حول طاولة واحدة، أحزاب لم تكن تعرف بعضها، وحدث بينهم نقاش ولكن النهضة كان لها موقف رافض منذ البداية عززته في الاجتماع بقاعدتها وجعلت من هذا الرفض شيئا نهائيا واعتمدته من طرف الجهات الأكبر، مجلس الشورى، ووصلنا إلى مأزق".

وكان الغنوشي قد أعلن بعد انتهاء الجولة الثانية من المشاورات: "وصلنا إلى حل تعديلي في 12 نقطة، أهمها أن تكون (الحكومة القادمة) حكومة محدودة العدد وتتجه إلى انتخابات في أقرب وقت ممكن".

وسبق الاجتماع إعلان مجلس شورى حركة النهضة في بيان أن "مبادرة حكومة التكنوقراط لا تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة"، وأكد تمسكه "بخيار الحركة في تشكيل حكومة سياسية ائتلافية مستندة إلى شرعية انتخابات 23 أكتوبر 2011" التي فاز فيها حزب النهضة.

واستبعد بلعيد أن يؤدي الحل الوسط إلى حل الأزمة نهائيا.

وقال في مقابلته مع سكاي نيوز عربية: "أتصور أن الحل المنقذ هو الحل وسط ، لكن أعتقد أن هذا البديل مهما كان الوفاق حوله سيكون وفاقا أعرجا، ولن يكون بصلابة تمكنه من الوصول إلى بر السلام، فمثل هذه التوافقات الجزئية لا تتصدى لكل التحديات الموجودة".