في رؤية استثمارية غير تقليدية تحمل قدراً كبيراً من الجرأة واليقين، يقدّم المؤسس ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة Strategy مايكل سايلور طرحاً اقتصادياً شاملاً يعتبر فيه البتكوين ليس مجرد أصل رقمي أو أداة مضاربة، بل نقطة تحوّل تاريخية في بنية رأس المال العالمي.

وخلال مقابلة خاصة مع سكاي نيوز عربية، مع "رئيسة قسم الاقتصاد لبنى بوظة"، رسم سايلور تصوراً واسع المدى لما يراه "أكبر انتقال رأسمالي في تاريخ الأسواق"، موضحاً أن البتكوين مرشح للتحول إلى أصل عالمي بقيمة 200 تريليون دولار خلال العقدين أو الثلاثة عقود المقبلة.

تستند رؤية سايلور إلى مزجٍ بين الأداء التاريخي، وخصائص الندرة الرقمية، ونموذج الائتمان الجديد الذي تطوره شركته، إضافة إلى قناعة راسخة بأن مستقبل رأس المال سيكون رقمياً بالكامل.

المنطقة مركز مالي متقدم وبيئة طبيعية لرأس المال الرقمي

استهل سايلور حديثه بتأكيد أن المنطقة العربية، وفق رؤيته، لطالما امتلكت قدرة عالية على استيعاب التكنولوجيا الرقمية، بما يجعلها مركزاً مالياً مهيأً لتبنّي الأصول الرقمية. وأشار إلى الثقافة الاقتصادية المفتوحة والمبتكرة في المنطقة، التي تُعد بيئة طبيعية لمناقشة الفرص الجديدة المرتبطة بالبتكوين ورأس المال الرقمي.

وأوضح أن شركته بوصفها أكبر حامل للبتكوين في العالم تعتبر هذه العملة "بروتوكولاً اقتصادياً للتمكين"، يتجاوز فكرة الذهب الرقمي التقليدية، ليصبح "رأس المال الرقمي" الذي يقود التحول المالي العالمي. وذكر أنه يزور المنطقة للقاء صانعي السياسات والمصرفيين والمستثمرين السياديين والخاصين، بهدف عرض الفرص التي يتيحها كل من الائتمان الرقمي والأسهم الرقمية والرأسمال الرقمي.

بتكوين كـ"ذهب قابل للبرمجة"

سايلور: البتكوين أصل استراتيجي وليس أداة مضاربة

استعرض سايلور التطور التاريخي لاستخدام الذهب كأصل رأسمالي على مدى 3000 عام، ليصل إلى مقارنة جوهرية تعتبر البتكوين النسخة المطوّرة من هذا الأصل. فهو أصل نادر، غير قابل لإنتاج المزيد منه، وقابل للنقل الفوري "عن بُعد"، وقابل للبرمجة عبر الحاسوب.

وأكد أن هذه الخصائص تجعل البتكوين "أفضل من الذهب"، سواء من حيث الندرة أو القابلية التقنية، مشيراً إلى أن أداءه خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفع بنحو 45 بالمئة سنوياً، مقارنة بـ 15 بالمئة فقط للذهب.

ويضيف أن الأسواق المالية التقليدية تمنح عائداً سنوياً لا يتجاوز 3 بالمئة ، ما يجعل المقارنة بين العوائد 3 بالمئة مقابل 45 بالمئة إشارة واضحة إلى سبب اعتقاده بأن "كل شركة في العالم ستستفيد من الانتقال نحو رأس المال الرقمي".

نموذج Strategy: هندسة ائتمانية جديدة قائمة على البتكوين

يفصّل سايلور نموذج عمل Strategy، موضحاً أنها "الرائدة عالمياً في إصدار الائتمان الرقمي". تقوم الشركة بإصدار أسهم عادية وخمس فئات من الأسهم الممتازة، متاحة للجمهور للشراء، ثم تقوم بتوجيه رأس المال المتحصل بالكامل نحو شراء البتكوين والاحتفاظ به للأبد.

ويشرح أن الشركة لا تعتمد على أسواق المال، لكنها تستعملها لتشغيل نموذجها الائتماني. فالأرباح التي توزعها الشركة تُموَّل إما ببيع أسهم الشركة إذا تجاوزت قيمتها صافي قيمة أصولها، أو ببيع جزء من البتكوين، أو عبر بيع عقود الخيار وتنفيذ استراتيجيات تداول الفروقات السعرية.

ويضيف أن هذا النموذج يشبه فكرة شركة عقارية تصدر أسهماً وسندات ثم تستخدم رأس المال المجمّع لبناء الأصول العقارية، لكن الاختلاف هنا أن الأصل هو البتكوين.

أخبار ذات صلة

البتكوين إلى مستويات تاريخية.. ما الأسباب؟
كيف أصبحت بتكوين مرآة لمعنويات المستثمرين؟

معادلة الـ 100 عام

قدّم سايلور تحليلاً رقمياً لافتاً: إذا بقي سعر البتكوين ثابتاً تماماً دون أي ارتفاع خلال 100 عام قادمة، فستظل الشركة قادرة على دفع أرباح تعادل 75 عاماً.

أما إذا ارتفع السعر بنسبة 1.4 بالمئة سنوياً فقط فستتمكن الشركة من دفع الأرباح "إلى الأبد"، مع زيادة كمية البتكوين التي تمتلكها.

وإذا تجاوز النمو 10 بالمئة أو 10.5 بالمئة سنوياً، فإن أسهم الشركة "ستتفوق على البتكوين ذاته"، وهو ما وصفه بـ"نقطة الانطلاق الحرة"، حيث تتحول الشركة إلى ما يشبه "الصاروخ"، في إشارة إلى النمو المتسارع المتوقع.

الأفق الزمني للمستثمرين: أي طريق يسلكون؟

يرى سايلور أن أداء البتكوين سيظل قوياً، لكنه سيشهد تراجعاً تدريجياً في معدل النمو من 80 بالمئة سنوياً قبل خمس سنوات إلى 45 بالمئة سنوياً حالياً، متوقعاً أن يستقر حول 20 بالمئة سنوياً خلال العشرين عاماً المقبلة.

وبناء على الأفق الزمني يقدّم توصياته:

  • أقل من 4 سنوات: الائتمان هو الخيار الأفضل لأنه يزيل تأثير التقلب.
  • أكثر من 4 سنوات: شراء الأصل مباشرة "سيحقق أداء أفضل من مؤشر S&P".
  • مستثمرو السلع أو من لا يثقون بالمؤسسات: البتكوين يوفر عائداً يقارب 30 بالمئة سنوياً.

ويؤكد أن البتكوين سيتفوق على العقارات (لعدم قابلية العقارات للنقل أو البرمجة)، وعلى الذهب (لأن إنتاج المزيد من الذهب ممكن بينما البتكوين محدود)، وعلى أسهم الشركات (لغياب مخاطر المُصدر).

أخبار ذات صلة

لماذا يحفز "الإغلاق الحكومي" صعود العملات المشفرة؟
بتكوين تسجل قمة تاريخية جديدة بدعم توقعات خفض الفائدة

شبكة نقدية مهيمنة وقيمة سوقية بـ 200 تريليون دولار

ينتقل سايلور من التحليل إلى استشراف المستقبل، متوقعاً أن تبرز البتكوين كـ "شبكة نقدية رقمية مهيمنة على مستوى العالم"، وأن تتحول إلى "رأس المال الاحتياطي العالمي".

ويقترح مساراً تدريجياً لنمو قيمتها:

  • من 2 تريليون دولار إلى 20 تريليون دولار ثم إلى 200 تريليون دولار خلال فترة تتراوح بين 20 و30 عاماً.

ويعتبر أن أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعاً هو وصف البتكوين بالأصل المضاربي، بينما يراه هو "بروتوكولاً للتمكين الاقتصادي للبشرية بأكملها".

تخصيص المحافظ الاستثمارية: ما الذي يجب امتلاكه؟

ينصح سايلور المستثمرين بـ:

  • استخدام أموال طويلة الأجل لا يحتاجونها خلال أربع سنوات.
  • تخصيص 5 بالمئة إلى 10% بالمئة من المحافظ للبتكوين.
  • زيادة النسبة بشكل أكبر للمستثمرين التقنيين أو الرقميين.

كما يشير إلى أن المستثمر يمكنه التعرض للبتكوين بشكل مباشر أو عبر أوراق مالية مرتبطة به أو من خلال أدوات ائتمانية مدعومة بالعملة الرقمية.

أخبار ذات صلة

الذهب أم البتكوين؟ رئيس بينانس يحسم الجدل
أبوظبي تمنح "بينانس" أول ترخيص عالمي للأصول المشفرة

قناعة شخصية راسخة واستثمارات مستمرة

يعلن سايلور بوضوح أنه يشتري البتكوين كلما امتلك المال، سواء على مستوى الشركة أو بصفته الشخصية، مؤكداً أنه اشترى الأسبوع الماضي ما قيمته 960 مليون دولار من البتكوين. ويكرر أنه "لن يبيع"، وأنه مؤمن بأن البتكوين أصل رقمي فريد ينمو بنحو 30 بالمئة سنوياً.

رأس المال الرقمي… رسالة وأيديولوجيا اقتصادية

يعبّر سايلور عن قناعة تتجاوز الاقتصاد إلى البعد الإنساني، مؤكداً أن البتكوين يتيح للفرد "وضع المال في رأسه" دون الاعتماد على البنوك أو الحكومات أو القطاع المالي التقليدي. ويرى أن مهمة شركته الأساسية هي "نشر الأمل" وربط الأفراد والشركات والدول والاقتصادات بالبتكوين بوصفه رأس مالاً رقمياً مستقلاً.

ويختم قائلاً إن كل ما قام به في حياته قاده إلى هذا الدور، وإن وصول البتكوين إلى مليون دولار "حتمي خلال عقد".

يقدّم سايلور سردية متكاملة تستند إلى أداء تاريخي قوي، ونموذج اقتصادي مبني على الندرة الرقمية، وتحوّل بنيوي في مفهوم رأس المال. وتجمع رؤيته بين الطابع الاقتصادي والتقني والفلسفي، لتجعل البتكوين ليس مجرد أصل مالي، بل حجر الأساس لمرحلة جديدة يرى أنها ستعيد تشكيل الأسواق العالمية، وترفع قيمة الأصل إلى مستويات وصفها بأنها "قدر اقتصادي".

البتكوين .. مفتاح المستقبل