أعلنت الصين أخيراً عن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تعديل قواعدها المتعلقة بتصدير مجموعة من المعادن الحيوية المستخدمة في صناعات متقدمة تشمل أشباه الموصلات، البطاريات، والمواد الاستراتيجية.

يأتي هذا الإعلان في وقت يشهد تصاعداً في التوترات التجارية بين بكين وواشنطن، ويطرح تساؤلات حول الاتجاهات المستقبلية لسلاسل التوريد العالمية.

يثير القرار الصيني اهتمام الخبراء والمحللين، نظراً لدور هذه المعادن الحيوية في الصناعات الدفاعية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة. بينما وصفه البعض بأنه خطوة لتخفيف الضغوط على الأسواق، اعتبر آخرون أنه يعكس استراتيجية بكين في الحفاظ على نفوذها الاقتصادي والسياسي عبر التحكم بالموارد الأساسية.

أخبار ذات صلة

كيف أفلتت الصين من حرب الرسوم بلا خسائر؟
الصين تعلّق حظر تصدير المعادن المزدوجة الاستخدام لأميركا
  • أعلنت الحكومة الصينية يوم الأحد أنها ستعلق ضوابط التصدير لمدة عام على خمسة معادن أساسية ضرورية لتصنيع بعض أشباه الموصلات وكذلك المتفجرات والذخائر الخارقة للدروع والبطاريات والمفاعلات النووية.
  • تناول الإعلان الذي أصدرته وزارة التجارة اختلافا رئيسيا بين التصريحات التي أصدرتها الحكومة الصينية والبيت الأبيض عقب القمة التي عقدت في كوريا الجنوبية في 30 أكتوبر بين الرئيس ترامب وشي جين بينغ، الزعيم الأعلى للصين، وفق نيويورك تايمز.
  • بعد ذلك الاجتماع، أعلنت الصين موافقتها على تعليق سلسلة من لوائح الرقابة على تصدير المعادن الأرضية النادرة ومعدات تصنيع بطاريات أيونات الليثيوم وأشباه الموصلات والألواح الشمسية لمدة عام. ونفذت وزارة التجارة القرار يوم الجمعة بتعليق هذه اللوائح.
  • مع ذلك، لم يشر بيان الصين الصادر بعد القمة إلى تخفيف الضوابط المنفصلة التي فرضتها الوزارة في ديسمبر من العام الماضي  على خمس مواد حيوية أخرى، وهي ليست معادن أرضية نادرة. وذكر بيان البيت الأبيض أن الصين وافقت أيضاً على إصدار ما يسمى بالتراخيص العامة، مما يُسهّل الحصول على هذه المعادن الأخرى أيضاً.

ساد بعض الالتباس بعد القمة حول ما استخلصه الجانبان تحديداً من المناقشات. كان ترامب قد صرّح بأن المعادن النادرة لن تُشكّل مشكلة بعد الآن، بينما بدت بكين أكثر تحفظاً في تطبيقها لتعليقات لمدة عام واحد.

اختلف إجراء الوزارة يوم الأحد اختلافاً طفيفاً عما وصفه بيان البيت الأبيض. فقد علّقت الوزارة لمدة عامٍ كاملٍ الحاجة إلى أي تراخيص تصدير للمعادن الخمسة، بدلاً من إصدار تراخيص متعددة السنوات.

وأدت القيود التي فرضتها الصين إلى الحد بشدة من صادرات الغاليوم والجرمانيوم إلى الولايات المتحدة، واللذين يُستخدمان في صناعة أنواع معينة من أشباه الموصلات. كما أوقفت صادرات الأنتيمون، المستخدم في المتفجرات، والتنغستن، الذي يتميز بأعلى درجة انصهار بين العناصر، ويُستخدم في الذخائر الخارقة للدروع. كما أعاقت تصدير الجرافيت، المستخدم في المفاعلات النووية والبطاريات.

كيف صمدت الصين في معركة الرسوم الجمركية؟

لم تُقدّم وزارة التجارة أيّ تفسير يوم الأحد لسبب انتظارها أكثر من أسبوع لتعليق ضوابط تصدير المعادن الخمسة. وأُغلق المكتب الصحفي للوزارة يوم الأحد.

  • تُعدّ الصين المُعدّن الرئيسي لجميع هذه المعادن الخمسة، بالإضافة إلى إنتاجها تقريباً جميع إمدادات العالم من المعادن الأرضية النادرة ومغناطيساتها.
  • تُستخدم المعادن الأرضية النادرة في إنتاج السيارات والطائرات بدون طيار والروبوتات والعديد من التقنيات المدنية الأخرى.
  • ومن بين المعادن الأرضية النادرة التي تشترط الصين الآن تراخيص تصديرها، الساماريوم ، والذي يُستخدم في الطائرات المقاتلة الأسرع من الصوت والصواريخ.

تخفيف مؤقت

يقول الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • إعلان الصين تعليق قيود تصدير بعض المعادن الحرجة حتى نوفمبر 2026، يُعدّ بمثابة تخفيف مؤقت للقيود المفروضة سابقاً على صادرات الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون، وهي معادن تدخل في صناعة أشباه الموصلات وتقنيات الاتصالات والتطبيقات الدفاعية المتقدمة.
  • هذه الخطوة تعكس استجابة سياسية من الجانب الصيني في إطار السعي إلى تهدئة التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، كما أنها توفر فرصة للشركات الأميركية لتقليل مخاطر توقف الإمدادات أو انقطاع سلاسل التوريد بشكل مفاجئ.
  • القرار يحمل بعداً اقتصادياً مهماً؛ إذ يتيح للشركات الأميركية التي كانت تواجه ضغوطاً في سلاسل التوريد استعادة الوصول إلى بعض المواد الأساسية المستخدمة في تصنيع الترانزستورات، البطاريات، والمكوّنات عالية التقنية، مما يسهم في خفض تكاليف التشغيل وتقليل مخاطر الإنتاج.

لكن الشوبكي يحذّر من أن القرار لا يشمل جميع المعادن الاستراتيجية، مشيراً إلى أن الصين تسيطر على نحو 90 بالمئة من عمليات التعدين الخاصة بالمعادن النادرة في العالم، وتستحوذ على نحو 70 بالمئة من الإنتاج العالمي.

ويختتم حديثه بالتأكيد على أن على الشركات الأميركية استثمار هذه الهدنة المؤقتة لتسريع الاستثمار في مجالات التعدين والمعالجة واستخراج المعادن، والعمل على تنويع جغرافي لسلاسل التوريد لضمان استدامة الإنتاج وعدم تعرضه لانقطاعات مستقبلية. ويشير إلى أن بكين تستخدم ورقة المعادن النادرة كأداة استراتيجية في علاقاتها التجارية، وأن هذه الخطوة الأخيرة تشير إلى رغبتها في تجنب التصعيد والسعي إلى فترة تهدئة مع الولايات المتحدة.

أخبار ذات صلة

قفزة في أسعار المعادن النادرة بفعل قيود التصدير الصينية
واشنطن تدخل شريكاً في شركة ناشئة لمعالجة المعادن النادرة

ورقة صينية

ويشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" إلى أنه:

  • مع تصاعد التوترات مع الغرب، أبدت بكين استعدادها لاستخدام سيطرتها على المعادن النادرة كسلاح.
  • موجة من القيود الصينية على تصدير مجموعة من العناصر المعدنية السبعة عشر هذا العام كانت قد أثارت قلق المصنّعين حول العالم الذين يعتمدون عليها في إنتاج كل شيء، من الأجهزة الذكية والمركبات الكهربائية إلى المعدات العسكرية.
  • لا تزال البدائل محدودة: إذ تُشكّل الصين 66 بالمئة من إجمالي إمدادات المعادن النادرة المُعدّنة و88 بالمئة من إمدادات المعادن المُكرّرة عالمياً. وفي أعقاب قمة 30 أكتوبر بين الرئيس الأميركي ونظيره الصيني أجّلت بكين بعض الضوابط المُخطط لها. ولكنّها أظهرت هيمنتها بالفعل.

ووفق التقرير، فإنه لن يُنتزع احتكار الصين شبه العالمي للمعادن النادرة قريباً. فقد رسّخت مكانتها، متجاوزةً بذلك سيطرة الولايات المتحدة عليها، منذ ثمانينيات القرن الماضي، عبر عقود من التخطيط الاستراتيجي والدعم الحكومي المستمر ، والذي لا يبدو أنه سيتراجع.

ويضيف: ستكون الجهود المبذولة لعكس مسار الأمور ومحاكاة سلسلة التوريد الصينية في أماكن أخرى اليوم مكلفةً وتستغرق وقتًا طويلاً وغير فعّالة. ومع ذلك، فنظراً لسيطرة بكين على الإنتاج الصناعي الأساسي، واستعدادها لاستغلاله، لا خيار أمام الدول سوى تطوير احتياطيات وتنويع مورديها.

لقد دفعت القيود التي فرضتها بكين بالفعل إلى اتخاذ إجراءات على المستويين الوطني والإقليمي. هذا العام:

  • وقّعت إدارة ترامب اتفاقيات مع عدة دول لتأمين الإمدادات، واستثمرت في شركة التعدين المحلية "إم بي ماتيريالز"، مع ضمان حد أدنى لسعر بعض منتجات الشركة.
  • وضع الاتحاد الأوروبي أهدافًا لإنتاج المعادن الأرضية النادرة محليًا، مدعومًا بتسريع إجراءات الموافقة.

وسيستغرق البدء في تغيير الموازين وقتًا، لكن من الممكن أن تُذلل بعض العقبات وتُسرّع العملية من خلال تحالفات دولية منسقة.

تهدئة

بدورها، توضح الكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:

  • إعلان وزارة التجارة الصينية والإدارة العامة للجمارك في 7 نوفمبر عن تعليق تنفيذ ستة إجراءات سابقة لتقييد الصادرات حتى 10 نوفمبر 2026، يمثل خطوة اقتصادية لافتة تحمل رسائل متعددة.
  • هذه الإجراءات كانت تشمل معادن ومواد خام استراتيجية مثل العناصر النادرة، وبطاريات الليثيوم، ومواد الأنود الجرافيتي الاصطناعي.
  • القرار يأتي "في الوقت المناسب" للشركات الأميركية التي تعاني من ضغوط في سلاسل التوريد، إذ سيسمح لها بالحصول على المواد الصناعية الحيوية عبر قنوات أكثر استقرارًا خلال العام المقبل.
  • قطاع التصنيع الأميركي، ولا سيما الدفاع والطاقة المتجددة، حصل بهذا القرار على فرصة تنفس حيوية؛ فالصين تُعد المورد الرئيسي للعناصر النادرة عالمياً، إذ تستورد الولايات المتحدة نحو 70 بالمئة من احتياجاتها من السوق الصينية.
  • القيود السابقة كانت قد سببت ضغوطاً على خطوط إنتاج طائرات F-35 الأميركية، في حين يمنح تعليق هذه القيود شركات مثل لوكهيد مارتن فترة من الاستقرار في سلسلة التوريد، ويخفف من مخاطر توقف الإنتاج بسبب نقص المواد الأساسية.

وترى أن تخفيف قيود توريد بطاريات الليثيوم ومواد الأنود الجرافيتي سيساعد على استقرار صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات في الولايات المتحدة.

وتتابع موضحة أن القرار أسهم أيضاً في خفض الضغوط والتقلبات التجارية التي كانت تواجهها الشركات الأميركية على المدى القصير. فخلال فترة تنفيذ القيود، تسبب نقص المعروض من المعادن الحيوية في ارتفاع الأسعار وزيادة القلق في الأسواق، حيث ارتفع سعر الأنتيمون المستخدم في تصنيع الطلقات الخارقة للدروع أربع مرات خلال عامين، مما أثقل كاهل شركات الدفاع الأمريكية. وتؤكد أن تعليق القيود الحالية يساعد في تهدئة الأسعار وخلق بيئة تجارية أكثر استقرارًا، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة وافقت بالمقابل على تعليق خطتها لفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على بعض السلع الصينية، وهو ما خفف العبء عن الشركات في كلا الجانبين.

وتوضح الكاتبة أن هذا التطور لا يعني حلاً دائمًا، بل هو هدنة مؤقتة لمدة عام واحد. وتصف الاتفاق بأنه "وقف إطلاق نار مؤقت" أكثر من كونه حلاً نهائيا للخلافات الجوهريه بين بكين واشنطن في مجالات التكنولوجيا وامن سلاسل التوريد والجغرافيا السياسية.

وزير الخزانة الأميركي: جاهزون لفرض رسوم جديدة على الصين