أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إحياء جدل قديم في وول ستريت مع دعوة جديدة تتعلق بكيفية إفصاح الشركات الأميركية عن نتائجها المالية، وهي الدعوة التي أعادت طرح تساؤلات حول التوازن بين الشفافية من جهة، والقدرة على التخطيط بعيد المدى من جهة أخرى.

تثير الفكرة في جوهرها إشكالية تتجاوز مجرد توقيت نشر نتائج الأعمال، لتلامس عمق العلاقة بين السوق والمستثمرين، وبين الإدارة وضغوط المتابعة المستمرة. وهي مسألة ترتبط بالثقة في أكبر سوق مالية في العالم.

أخبار ذات صلة

الشركات العائلية.. شريان الاقتصاد العالمي ومحرك التوظيف
ما أسباب انتعاشة "الأسهم الآسيوية"؟
  • دعا الرئيس الأميركي إلى توقف الشركات عن الإبلاغ عن نتائجها ربع السنوية، مشيراً إلى أن التحول إلى نشر الأرقام مرتين في السنة سيوفر لها المال ويسمح للمديرين التنفيذيين بالتركيز على أعمالهم.
  • أطلق ترامب دعوته تلك في منشور على شبكته الاجتماعية "تروث سوشيال" يوم الاثنين، حيث قارن بين الممارسة القياسية في الولايات المتحدة وما وصفه بالنهج الصيني.
  • وقال ترامب "بعد موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصات، لا ينبغي إجبار الشركات والمؤسسات على تقديم التقارير على أساس ربع سنوي.. بل على تقديم التقارير على أساس ستة (6) أشهر.. سيؤدي هذا إلى توفير المال، وسيسمح للمديرين بالتركيز على إدارة شركاتهم بشكل صحيح."
  • وأضاف: "هل سمعتم يوماً العبارة القائلة بأن الصين لديها رؤية لإدارة الشركات تمتد من 50 إلى 100 عام، بينما ندير شركاتنا على أساس ربع سنوي؟! هذا ليس جيداً".

وحسبما نقلته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن خبراء الحوكمة يرون أن:

  • الانتقال إلى التقارير نصف السنوية "يمكن أن يتم من خلال قيادة هيئة الأوراق المالية والبورصات التي يعيّنها ترامب، ولن يتطلب ذلك صدور قانون من الكونغرس لتعديل قانون الأوراق المالية والبورصات لعام 1934 الذي يحكم أسواق الأوراق المالية.
  • في حين أن هذا قد يساعد قادة الشركات على تبني استراتيجية طويلة الأجل، إلا أنه قد يحرم المستثمرين أيضًا من الاطلاع الفوري على التطورات المهمة.

يقول مؤيدو التقارير نصف السنوية إنها ستُبقي مديري الشركات مُركزين على المدى الطويل. لكن الجانب السلبي هو أنها ستُصعّب على المستثمرين فهم عمليات الشركات.

وألغت الأسواق، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وسنغافورة، بالفعل التقارير الفصلية الإلزامية، حيث تفصح العديد من المجموعات عن بياناتها المالية على أساس نصف سنوي.

وقال باري بانيستر، كبير استراتيجيي الأسهم في بنك ستيفل الأميركي: "تقدم الشركات الأوروبية تقاريرها نصف السنوية، ولا أعلم لماذا يرغب الرئيس ترامب في محاكاة أوروبا".

أخبار ذات صلة

إنفيديا وOpenAI تعتزمان استثمار المليارات في بريطانيا
ما أسباب طفرة "أوراكل" في وول ستريت؟
  • يتم متابعة النتائج الفصلية عن كثب في وول ستريت لتقييم أداء الشركات الفردية، وكذلك لقياس نبض الشركات الأمريكية على نطاق أوسع.
  • في وقت سابق من هذا العام، قدمت أرباح الشركات رؤى حيوية للمستثمرين حول التأثير المالي للرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.
  • تمثل مكالمات الأرباح، التي تعقدها بعض الشركات بعد نشر النتائج، فرصة للمحللين والمستثمرين لاستجواب المسؤولين التنفيذيين حول المعلومات التي كشفوا عنها للتو عن الربع.

تخفيف الضغط

يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:

  • فكرة تغيير مواعيد إفصاحات الشركات في الولايات المتحدة لتكون كل ستة أشهر بدلاً من ثلاثة أشهر ليست جديدة، لكنها تعود إلى السطح من وقت لآخر.
  • الهدف الأساسي من هذا الطرح هو تخفيف الضغط عن إدارات الشركات، وتحريرها من ثقافة النتائج قصيرة الأجل.

ويؤكد أن إجبار الشركات على تقديم تقارير مالية ربع سنوية يجعل المديرين يركزون بشكل مبالغ فيه على تحقيق أرقام مرضية لوول ستريت في المدى القصير جداً، حتى وإن جاء ذلك على حساب قرارات استراتيجية طويلة الأمد مثل الاستثمار في البحث والتطوير أو خطط التوسع المدروس.

ويضيف أن المؤيدين لهذا التغيير يرون فوائد واضحة، منها تقليل التكاليف الإدارية والمحاسبية المرتبطة بإعداد التقارير المتكررة، وهو عبء يثقل كاهل الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص، بالإضافة إلى منح الإدارات التنفيذية مساحة أكبر للتركيز على تنمية أعمالها بدلًا من استنزاف الجهد في الاجتماعات ربع السنوية مع المستثمرين.

ويشير إلى أن هذا التوجه قد يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد الأميركي عبر تشجيع التخطيط الاستراتيجي طويل المدى، مستشهدين بتجارب أوروبا والمملكة المتحدة التي تخلت عن إلزامية الإفصاحات الربع سنوية للأسباب نفسها.

أخبار ذات صلة

حرب الرسوم تشتعل.. هل تنجر أوروبا وراء واشنطن؟
ديون بلا سقف وثقة تتآكل.. أين يتجه اقتصاد فرنسا؟

لكن في المقابل، يوضح سعيد أن هناك جبهة معارضة قوية خصوصاً من المستثمرين والمحللين الذين يعتبرون أن تقليل وتيرة الإفصاحات يضعف أهم عناصر الأسواق المالية وهو الشفافية. ويؤكد أن المستثمر بحاجة إلى تدفق مستمر ومنتظم للمعلومات لتقييم الأداء والمخاطر، وأن فترة ستة أشهر طويلة جداً في اقتصاد سريع التغير، مما يرفع من مستويات عدم اليقين ويزيد من تقلبات أسعار الأسهم.

ويلفت أيضاً إلى أن التأثير الأكبر قد يقع على صغار المستثمرين الذين يعتمدون كلياً على الإفصاحات الرسمية، على عكس المؤسسات المالية الكبرى وصناديق التحوط التي تملك مواردها الخاصة للحصول على المعلومات. ويضيف أن تقليل الإفصاحات قد يخلق فجوة معلوماتية تضر بعدالة السوق، وتفتح الباب أمام الشائعات والمضاربات، وتجعل من الصعب اكتشاف أي مخالفات أو أخطاء محاسبية إلا بعد فوات الأوان.

ويختم سعيد بالقول إن المسألة تتمحور حول موازنة دقيقة بين مصلحة الشركات في تخفيف الأعباء التنظيمية وتعزيز التخطيط طويل الأمد، وبين مصلحة السوق والمستثمرين في الحفاظ على الشفافية وتدفق المعلومات. ولذلك فإن أي تعديل بهذا الحجم يحتاج إلى دراسة متأنية من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، لأنه يتعلق مباشرة بجوهر الثقة في أكبر سوق مالية في العالم.

قدّم ترامب اقتراحاً مشابهًا خلال ولايته الرئاسية الأولى، طالباً من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) دراسة الفكرة. وسعى رئيس الهيئة آنذاك، جاي كلايتون، إلى الحصول على آراء السوق، لكنه أشار أيضًا إلى صعوبة تطبيق الفكرة على أكبر الشركات الأميركية.

ويشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنه:

  • رغم أن تخفيف قواعد الإبلاغ قد يخفف العبء عن مديري الشركات، فإن المنتقدين يقولون إنه من شأنه أن يقلل من كمية المعلومات المتاحة للمستثمرين والهيئات التنظيمية والجمهور.
  • من الناحية النظرية، تساعد هذه المعلومات المستثمرين على اتخاذ قرارات أفضل بشأن أموالهم، وتسمح للهيئات التنظيمية برصد الجرائم المالية وغيرها من المشاكل؛ وتمنح الجمهور نظرة منتظمة على تفاصيل الشركات التي تشكل حياتهم.
  • وأشار بعض المستثمرين أيضاً إلى أنه على الرغم من أن نية التقارير المالية المتكررة قد تكون سليمة، إلا أنها قد تشجع المديرين التنفيذيين على اتخاذ قرارات قصيرة الأجل لتلبية توقعات السوق الفصلية، بدلاً من التركيز على صحة الأعمال على المدى الطويل.

نقاش قديم

ويقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets جو يرق لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • الرئيس ترامب أعاد إحياء نقاش قديم من خلال دعوته لتغيير قانون الإفصاحات المالية المعمول به في وول ستريت منذ سبعينيات القرن الماضي، بحيث تصبح التقارير نصف سنوية بدلًا من ربع سنوية. هذا الطرح يحمل جوانب إيجابية وسلبية سواء للمستثمر أو للشركات.
  • من جهة المستثمر، تكرار الإفصاحات كل ثلاثة أشهر يعطي شفافية أكبر ويساعده على تقييم استثماراته بشكل دوري، خصوصًا في ظل التقلبات الكبيرة والضبابية التي تشهدها الأسواق حاليًا. وبالتالي، مصلحة المستثمر تكمن في استمرار الإفصاح ربع السنوي لأنه يوفر وضوحًا مستمرًا حول أداء الشركات.
  • أما بالنسبة للشركات، فإن التحول إلى الإفصاح نصف السنوي يقلل من الأعباء والتكاليف المترتبة عليها، ويمنح إداراتها مساحة ومرونة أكبر للتخطيط والعمل بعيدًا عن ضغط النتائج قصيرة الأجل. وهذا يعزز توجه التفكير على المدى المتوسط والطويل بدلًا من حصر التركيز في نتائج فصلية محدودة، وهو ما نراه مثلًا في الصين حيث الشركات تفكر لعقود طويلة وليس فقط لأشهر قليلة.

ويضيف أن المسألة في النهاية تحمل أبعاداً متناقضة؛ فبينما الشركات تفضل الإفصاح نصف السنوي لتقليل الضغوط والتكاليف، يبقى المستثمر والهيئات الرقابية أكثر ارتياحاً مع الإفصاح الفصلي الذي يعزز الشفافية. ومن هنا، فإن أي مقترح من الرئيس ترامب في هذا المجال لا بد أن يثير جدلاً واسعاً.

الشركات العائلية.. إمبراطوريات تتحكم بالعالم