تتصاعد من جديد قضية الصلاحيات الدستورية في الولايات المتحدة مع دخول المحكمة العليا على خط النزاع حول قرارات جمركية أثارت جدلاً واسعاً. وتجد البلاد نفسها أمام اختبار حساس يمس التوازن التاريخي بين سلطات الرئيس والكونغرس في إدارة الملفات الاقتصادية الكبرى.

يتحوّل الجدل هذه المرة إلى ما هو أبعد من الأرقام والإجراءات الضريبية، ليطرح أسئلة جوهرية حول حدود النفوذ التنفيذي في مواجهة التشريعي. فالمحكمة التي تنظر في نزاع حول رسوم بعينها، يتمحور قرارها المرتقب حول تفسير أوسع لمفهوم "الطوارئ" ودوره في إعادة صياغة صلاحيات مالية قائمة منذ عقود.

تنعكس هذه التطورات على أجواء الأسواق والسياسة معاً، في ظل ترقب داخلي وخارجي لقرار قد يرسم ملامح المرحلة المقبلة. فالحكم المنتظر لا يحمل تداعيات اقتصادية فحسب، بل قد يعيد تشكيل قواعد اللعبة بين السلطات في قلب النظام الأميركي.

أخبار ذات صلة

كيف تتأثر "الخزانة الأميركية" حال إقرار إلغاء رسوم ترامب؟
ترامب يوقع مرسوما يخفض الرسوم على السيارات اليابانية إلى 15%

في هذا السياق، يشير تقرير لـ "وول ستريت جورنال" إلى أن المحكمة العليا وافقت على النظر في استئناف الرئيس ترامب على حكم محكمة أدنى درجة ضد رسومه الجمركية، لكن "قد يتجاوز قرارها مجرد الرسوم التي فرضها ترامب في أبريل".

بحسب التقرير، فإذا أيدت المحكمة ترامب، فقد يمنح ذلك الرئيس سلطات مالية واسعة كانت لفترة طويلة من اختصاص الكونغرس. وقد يُمكّن الرئيس، بمجرد التذرع بحالة طوارئ ذات طابع أجنبي، من تبرير أي إجراء ضريبي تقريبًا ردًا على ذلك: ليس فقط الرسوم الجمركية، بل أيضًا ضرائب أخرى.

يدّعي مسؤولو ترامب في المحكمة، وفي العلن، أن الرسوم الجمركية المذكورة مُستهدفة ومؤقتة. وكتب مستشار ترامب التجاري، بيتر نافارو، مؤخرًا: "هذه الرسوم الجمركية بعيدة كل البعد عن كونها دائمة، بل إنها تنتهي بانتهاء حالة الطوارئ".

لكن هذا ليس ما يتصوره ترامب نفسه، ولا بقية الإدارة. فقد صرّح ترامب بأن الرسوم الجمركية قد تحل محل ضرائب الدخل ، لتصبح المصدر الرئيسي لإيرادات وزارة الخزانة، كما كانت قبل عام 1913.

في الأسبوع الماضي، توقع مكتب الميزانية التابع له أن الرسوم الجمركية ستُحصّل 3.9 تريليون دولار، أي ما يعادل 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، خلال العقد المقبل. وهذا يبدو ثابتًا بلا شك.

أخبار ذات صلة

ترامب يتوعد برسوم جمركية "كبيرة" على أشباه الموصلات
لماذا لم تُضعِف رسوم ترامب من قوة مراكز التصدير الآسيوية؟

شخصية ترامب

يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • "الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشخصيته وسياساته، ليس بحاجة إلى المحكمة العليا لفرض الرسوم الجمركية التي يرغب بها".
  • القانون الأميركي يمنحه الحق بفرض بعض الرسوم بشكل أحادي من دون الرجوع إلى الكونغرس، وهو ما سبق أن قام به مراراً خلال فترة رئاسته، سواء تجاه الصين أو دول أخرى.
  • لكن في حال رفضت المحكمة العليا طلب إلغاء هذه الرسوم الجمركية، وفاز ترامب بهذا الملف، فإن ذلك سيمنحه دفعاً معنوياً كبيراً، ويعزز موقعه بيدٍ عليا في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والمالية.
  • عندها سيكون قادراً على تنفيذ أجندته المالية التي يسعى إليها، وفرض توجهاته الجمهورية دون الحاجة إلى انتظار موافقات إضافية.

أجندة ترامب التجارية

في السياق، يشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنه:

  • عندما كشف الرئيس ترامب عن قائمته الأولية من التعرفات الجمركية العقابية في أبريل، صاغ الإعلان باعتباره لحظة حاسمة في حرب تجارية عالمية ناشئة، ووصفه بأنه "اليوم الذي استعادت فيه أميركا مصيرها".
  • بعد خمسة أشهر، قد تكون مناورته في خطر، بعد أن وافقت المحكمة العليا يوم الثلاثاء على النظر في قضية تطعن في قانونية تصرفات ترامب.
  • تواجه إدارته الآن احتمال فقدان أداة قوية في صميم استراتيجيته لولاية ثانية، وهي أداة سمحت للرئيس بفرض تنازلات على الشركات والحلفاء والخصوم.
  • تتعلق القضية نفسها باستغلال ترامب غير التقليدي لقانون طوارئ اقتصادية يعود تاريخه إلى عقود لفرض رسوم جمركية حول العالم، على الرغم من أن القانون لا يسمح للرئيس صراحةً بفرض ضرائب على الواردات.
  • وقد أصدرت محاكم متعددة أحكامًا ضد الإدارة، مما دفعها إلى الاستئناف أمام قضاة الولايات المتحدة على أمل أن يوافقوا على تفسير السيد ترامب الموسّع لصلاحياته.

يضيف التقرير: بالنسبة لترامب، الذي فرض رسومًا جمركية سعيًا لزيادة الإيرادات وزيادة التصنيع والضغط على الدول لإبرام صفقات مواتية، فإن أي قرار بشأن صلاحياته التجارية قد يكون ذا عواقب وخيمة. وتُعدّ القدرة على فرض رسوم جمركية غير مقيدة أمرًا جوهريًا لرئاسته، إذ تُمثّل أداةً للترغيب والترهيب في آنٍ واحد لتحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.

أخبار ذات صلة

حرب الرسوم تشتعل.. هل تنجر أوروبا وراء واشنطن؟
كيف تعيد الصين رسم خريطة تجارتها العالمية؟

صلاحيات الرئيس الأميركي

يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • "بالنظر الوضع الحالي من الناحية الدستورية والقانونية في الولايات المتحدة، فالدستور الأميركي يمنح الكونغرس صلاحية تنظيم التجارة الخارجية وفرض الرسوم الجمركية."
  • "على مدى العقود الماضية، قام الكونغرس بتفويض جزء من هذه الصلاحيات إلى الرئيس بموجب عدة قوانين، مثل قانون التجارة لعام 1974، وغيرها من المواد القانونية التي تسمح للرؤساء بفرض رسوم جمركية واسعة دون الرجوع المباشر إلى الكونغرس."
  • "رغم أن هذا الأمر ظل قائمًا محليًا ودستوريًا، فإن موافقة المحكمة العليا على موقف الرئيس ترامب ستُكرّس أن هذه الرسوم تدخل ضمن التفويض الممنوح له، وهو ما لا يمنحه صلاحيات جديدة، بل يوسع ويثبت تفسير الصلاحيات القائمة بموجب القوانين الحالية."

ويتابع صليبي موضحًا: "عمليًا، سيكون بمقدور ترامب - في حال جاء القرار لصالحه - الاستمرار في فرض هذه الرسوم الجمركية أو حتى توسيعها استنادًا إلى مواد قانونية قائمة، من دون الحاجة لموافقة الكونغرس في كل مرة يجري فيها تعديل أو توسيع لهذه التعرفات."

ويشير إلى أنه "من الناحية الدستورية، لا أرى أن هناك نقلًا لصلاحيات مالية جديدة إلى الرئيس، بل تثبيتًا وتفسيرًا أوسع لما منحه الكونغرس سابقًا."

ويختتم صليبي بالقول: "المحكمة العليا لا تُشرّع قوانين جديدة، بل تفسّر مدى اتساع أو تقييد الصلاحيات الممنوحة للرئيس من قبل الكونغرس، وبالتالي إذا وافقت المحكمة، فسيكون ذلك من باب التفسير القضائي، لا منحه صلاحيات إضافية."

راي داليو .. سياسات ترامب ستعيد أميركا 90 عاما للوراء