مع تطور الذكاء الاصطناعي وزيادة قدراته، كان من المفترض أن تصبح تكاليفه أقل من أي وقت مضى. ولكن ما يحدث اليوم مختلف تماماً، فالشركات الناشئة والصغيرة التي تشتري تقنيات الذكاء الاصطناعي، من شركات التكنولوجيا العمالقة، بهدف تطوير تطبيقات وخدمات خاصة بها، تجد نفسها أمام فواتير متزايدة تفوق كل التوقعات.

ويعود السبب في ذلك، إلى أن النماذج الحديثة من الذكاء الاصطناعي، أصبحت تقوم بعملية تفكير أعمق قبل الإجابة، فهي لا تكتفي بالرد السريع، بل تعيد التحقق من المعلومات وتبحث عن بيانات إضافية، وأحياناً تكتب برامج صغيرة لحل المشكلات، وكل خطوة من هذه الخطوات تستهلك "Tokens" أو ما يسمى بـ "الوحدات الأساسية للذكاء الاصطناعي".

ما هي الوحدة الأساسية للذكاء الاصطناعي أو الـ Token؟

الوحدة الأساسية للذكاء الاصطناعي أو الـToken  هي بمثابة "عملة" يدفعها النظام مقابل كل خطوة أو فكرة ينفّذها، فكل مهمة يقوم بها الذكاء الاصطناعي، سواء كانت كتابة جملة أو تلخيص نص، أو حل مسألة ما تحتاج إلى عدد معين من الـ Tokens.

وكلما كانت المهمة أكبر وأصعب، كلما زاد عدد الـ Tokens التي يحتاجها النظام للقيام بالمهمة المطلوبة، ما ينعكس ارتفاعاً في التكاليف.

عدد الـ Tokens مقابل كل مهمة

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، واطّلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن الكميات المطلوبة من الـ Tokens أو "الوحدات الأساسية للذكاء الاصطناعي"، التي تحتاجها البرامج والأنظمة الذكية لإتمام مهامها، تتوزع على الشكل الآتي:

  • للأسئلة والأجوبة البسيطة مع روبوت الدردشة: من 50 إلى 500 وحدة
  • لتلخيص مستند قصير: من 200 إلى 6000 وحدة
  • للحصول على مساعدة أساسية في كتابة الأكواد: من 500 إلى 2000 وحدة
  • لكتابة أكواد معقدة: من 20000 إلى أكثر من 100000 وحدة
  • لتحليل مستند قانوني: من 75000 إلى أكثر من 250000 وحدة
  • لتنفيذ مهام متعددة عبر وكيل ذكي: من 100000 إلى أكثر من مليون وحدة

أخبار ذات صلة

تقرير عالمي: الطاقة النووية تسجل طفرة تاريخية في الإنتاج
شركة ASML تستثمر 1.3 مليار يورو في ميسترال للذكاء الاصطناعي

ورغم أن سعر "الوحدة الأساسية للذكاء الاصطناعي"، انخفض بشكل كبير مقارنة مع السابق، إلا أن عدد الوحدات اللازمة لإنجاز المهام يرتفع بشكل مطّرد، فبرامج الذكاء الاصطناعي تنفذ سلسلة طويلة من الإجراءات قبل تقديم اجوبتها للمستخدم، وعملية الاستدلال هذه قد تستغرق دقائق أو حتى ساعات، وتدفع البرنامج لتشغيل الاستعلامات للتحقق من الإجابات، أو حتى للبحث عبر الإنترنت لجمع معلومات إضافية، وذلك قبل العودة بإجابة قد لا تتجاوز جملة واحدة.

نسبة تراجع أسعار الـ Tokens

وتُظهر البيانات أن سعر "الوحدة الأساسية للذكاء الاصطناعي" في البرامج "متوسطة الذكاء"، تراجع سعرها بنحو 9 أضعاف على صعيد سنوي، بينما انخفضت أسعار الوحدات المخصصة للنماذج الأكثر ذكاءً بنحو 900 ضعف، في حين يقول كوتييه، مهندس الذكاء الاصطناعي السابق والباحث الحالي في Epoch AI، وهي منظمة بحثية غير ربحية حصلت على تمويل من OpenAI ، إنه من المؤكد أن تكلفة "الاستدلال" تنخفض بمعدل عشرة أضعاف سنوياً.

تساؤلات تنتظر الحل

وبينما يقدم الذكاء الاصطناعي حلولاً مذهلة ويجعل أسواق العمل أكثر فعالية، فإن استمرار ارتفاع تكاليف استخدامه يطرح تساؤلات مهمة حول ما إذا كانت الشركات الصغيرة والناشئة ستتمكن من الاستفادة من هذه التكنولوجيا والمحافظة على أرباحها دون أن تثقلها التكاليف، وكيف يمكن التعامل مع استهلاك أنظمة الذكاء الاصطناعي المتزايد للـ Tokens، والذي يقف وراء الارتفاع المتواصل في كلفة خدماته.

لماذا أصبحت الفاتورة أغلى؟

ويقول مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن البيانات الاحصائية تؤكد انخفاض اسعار الـ Tokens بشكل دراماتيكي خلال السنوات الماضية، حيث انخفض السعر من ما يقارب الـ 0.03 دولار لكل ألف Tokens قبل سنوات قليلة، إلى أقل من 0.00003 دولار لكل ألف Tokens اليوم، ولكن هذا السعر ليس ثابتاً، لأنه قد يرتفع أو ينخفض بحسب نموذج الذكاء الاصطناعي المستخدم، مشيراً إلى أن المفارقة الكبرى تكمن في أن المهام التي تنفذها أنظمة الذكاء الاصطناعي، أصبحت أكثر تعقيداً بشكل لم يكن متوقعاً، فالأسئلة التي كانت تحتاج قبل عامين مثلاً إلى بضع مئات من الـ Tokens أصبحت اليوم تستلزم آلافاً وربما مئات الآلاف، لأن نماذج الذكاء الاصطناعي لا تكتفي بتوليد الإجابة السطحية، بل تدخل في عمليات تحقق واسعة النطاق، وهذه النقلة النوعية هي ما جعلت تكلفة تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي أغلى من السابق.

أخبار ذات صلة

طحنون بن زايد: K2 Think يعزز إسهام الإمارات في الـ AI عالميا
هل كرّست أميركا احتكار غوغل للبحث عبر الإنترنت؟
اختراق العقل.. الذكاء الاصطناعي يحلل النفسية عبر الصوت
بين الصين وأميركا.. كيف نتجنب أسوأ سيناريوهات الـ AI؟

أرقام صادمة

ويشرح سعد الدين، أنه إذا افترضنا أن سعر الألف Token في أحد نماذج الذكاء الاصطناعي يبلغ 0.002 دولار، فإن تكلفة مهمة تحليل مستند قانوني واحد قد تصل إلى 500 دولار أو أكثر، وهو رقم صادم بالنسبة لشركة ناشئة تريد بناء تطبيق قانوني يعتمد على الذكاء الاصطناعي، مشدداً على أن حلّ هذه المشكلة لا يكون في انتظار انخفاض أسعار الـ Tokens أكثر، بل في إعادة هندسة طريقة عمل نماذج الذكاء الاصطناعي، واستخدام تقنيات مثل Inference Compression أي "ضغط الاستدلال" التي تجعل البرامج قادرة على إنجاز المهمة بعدد Tokens أقل، أو حتى استخدام استراتيجيات هجينة تجمع بين الذكاء الاصطناعي الضخم والخوارزميات التقليدية الأرخص لإنجاز المهمة.

مرحلة انتقالية

ويعتبر سعد الدين، أن ارتفاع الفاتورة ليس إشارة إلى فشل الذكاء الاصطناعي، بل إلى أن السوق يمر بمرحلة انتقالية، لافتاً إلى أن الشركات الكبرى مثل أوبن أي آي وأنثروبيك، ستضطر عاجلاً أو آجلاً إلى تطوير نماذج اقتصادية جديدة تراعي قدرة الشركات الصغيرة على الاستفادة، وإلا سنكون أمام احتكار يقتصر على اللاعبين الكبار فقط.

مئات الدولارات لعملية واحدة

بدوره يقول الصحفي الاقتصادي والتقني عماد جانبيه، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن العالم يشهد تحولاً في طبيعة استخدام الذكاء الاصطناعي، فاليوم لم يعد المستخدم يكتفي بسؤال قصير وجواب سريع، بل يطلب من النظام مهام أشبه بمستشار شخصي أو فريق عمل رقمي، وهذه المهام تتطلب ملايين الـ Tokens في بعض الحالات، وهو ما يفسّر تضخم الفواتير، فمثلاً، في حالة "الوكيل الذكي" أو الـ AI Agent المكلّف بتنفيذ سلسلة مهام مترابطة، يمكن أن يصل الاستهلاك بسهولة إلى ما بين 100 ألف ومليون Tokens، ما يعني أن الكلفة قد ترتفع إلى مئات الدولارات لعملية واحدة فقط.

حلول على ثلاثة مستويات

وبحسب جانبيه فإن حلول استمرار ارتفاع كلفة الذكاء الاصطناعي، تنقسم الى 3 مستويات، هي على الشكل الآتي:

تحسين البنية التحتية للنماذج: هناك أبحاث جارية حول استخدام تقنيات مثل "Sparse Attention" و"Mixture of Experts" لتقليل استهلاك الـ Tokens من دون التأثير على جودة النتائج، وهذه الطرق يمكن أن تخفض استهلاك الـ Tokens بنسبة تصل إلى 70 في المئة.

ابتكار نماذج متخصصة أصغر حجماً: بدلاً من الاعتماد على نموذج عملاق عام، يمكن تطوير نماذج صغيرة (Small Models) مخصصة لمهام معينة مثل التلخيص أو استخراج البيانات القانونية، وهذه النماذج قد تقلل الاستهلاك بنسبة 70-80 في المئة.

أخبار ذات صلة

أكبر تغيير منذ سنوات.. هل تكشف أبل النقاب عن "iPhone Air"؟
لمنافسة لينكد إن.. منصة توظيف جديدة بالذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي الذاتي التحسين (Self-Optimizing AI): هناك أبحاث حالية حول نماذج قادرة على إدارة استهلاكها بنفسها، أي أن تحدد داخلياً متى يجب أن تفكر عميقاً ومتى يكفي التفكير السريع، وهذا النوع من التوازن قد يخفض التكاليف بشكل جذري خلال السنوات المقبلة.

على خطى الحوسبة السحابية

ويلفت جانبيه إلى أن الذكاء الاصطناعي في طور إعادة تعريف نفسه، تماماً كما حصل مع الحوسبة السحابية قبل عقد من الزمن، معتبراً أن الأسعار سترتفع مؤقتاً بسبب الإقبال الكبير والاستعمال المفرط، ولكن مع دخول تقنيات ضغط البيانات والنماذج المتخصصة، إضافة إلى عامل المنافسة الشرسة بين الشركات الكبرى والناشئة، سنشهد تراجعاً تدريجياً في فاتورة الذكاء الاصطناعي، علماً أن جزءاً كبيراً من الكلفة المرتفعة يعود أيضاً لحجم الطاقة الهائل الذي تتطلبه هذه النماذج لتشغيلها.

"أنثروبيك" للذكاء الاصطناعي تفرض قيودا على الشركات الصينية