يمضي الاقتصاد المغربي بخطوات مُتزنة نحو الحفاظ على معدلات نمو مستقرة خلال المرحلة المقبلة، وتقليص الآثار السلبية الناتجة من تداعيات التوترات الجيوسياسية والاضطرابات واسعة المدى عالمياً والمستمرة منذ العام 2020، اعتمادًا على عدد من المقومات ونقاط القوة التي تدعمه، في مقدمتها المقومات الطبيعية وإيرادات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج.

وبعد أن أظهر الاقتصاد المغربي مرونة في مواجهة التحديات، حث صندوق النقد الدولي، على "عودة بنك المغرب إلى مشاريع التحرير التدريجي لسعر الصرف" التي كان قد بدأها البنك في العام 2016.

واعتبر رئيس بعثة صندوق النقد الدولي بالمغرب، روبرترو كارداريلي، أن الظروف ملائمة لعودة بنك المغرب إلى ذلك المسار، مستنداً في هذا السياق إلى أن استهداف التضخم أصبح يخضع لمتغيرات زمنية تستدعي توفير مجموعة من الأدوات على المديين القريب والمتوسط، بحسب ما نقلته تقارير محلية.

  • من المتوقع أن ينتعش النمو الاقتصادي في المغرب إلى 3.2 بالمئة مقابل 2.9 بالمئة سجلها العام الماضي، بحسب وكالة الإحصاء المغربية.
  • تفترض التوقعات تحسن الطلب الخارجي على السلع المغربية، وانخفاض محصول الحبوب عن المتوسط بسبب الجفاف.
  • صندوق النقد يتوقع أن يرتفع النمو الاقتصادي في المغرب تدريجيا إلى حوالي 3.5 بالمئة على المدى المتوسط بفضل الطلب المحلي القوي وارتفاع الصادرات والاستثمارات.

خبراء واقتصاديون أكدوا في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على صعوبة الاتجاه نحو خيار التعويم الكلي في ضوء المعطيات ومؤشرات المنظومة الاقتصادية المغربية في المرحلة الحالية.

أضاف الخبراء أن الاتجاه إلى تلك الخطوة حاليًا سوف يؤدي إلى مخاطر اقتصادية كبيرة بداية من فقد قوي في قيمة العملة بالإضافة إلى معدلات تضخم غير مسبوقة، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن المضي في برنامج تحرير العملة بصورة تدريجية يناسب معطيات المرحلة الحالية للاقتصاد المغربي، في سبيل الانتقال من نظام صرف ثابت إلى نظام مرن.

أخبار ذات صلة

التضخم السنوي في المغرب يسجل أدنى مستوى منذ أكتوبر 2021
صندوق النقد يحث بنك المغرب على تحديد هدف للتضخم

اشتراطات لابد من توافرها

قال الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:

  • البنك المركزي المغربي يمضي بخطوات ثابتة نحو تعويم كلي للعملة الوطنية المغربية، لكن على مرحلة سوف تستغرق ما بين 10 : 15 عاماً.
  • بداية من بين عامي 2018 و2019 وجدنا أن المغرب في معضلة تعويم جزئي، ومن ثم الانتقال من نظام صرف ثابت للدرهم إلى نظام صرف مرن 2.5 بالمئة صعودًا وهبوطًا، واليوم نحن في مرحلة 5 بالمئة صعودًا وهبوطاً، بمعنى أنه لا يمكن للدرهم المغربي أن يفقد من قيمته أكثر من 5 بالمئة ولا يمكن أن يربح من قيمته أكثر من 5 بالمئة.
  • في ضوء ما نرى في محيطنا الإقليمي، نريد أن نخطو خطوات محسوبة لتجنب المشاكل التي وقعت بها دول مثل تونس أو تركيا أو مصر على أقل تقدير.

كما أشار إلى أن الفترة الحالية تشهد ضغطاً كبيراً من قبل مؤسسات دولية، خاصة صندوق النقد الدولي الذي يريد دفع المغرب إلى تعويم كلي، إلا أن السلطات النقدية ترفض هذا الأمر جملة وتفصيلاً وتريد أن تتبعه بصورة تدريجية.

وأكد الاقتصادي المغربي أنه يتعين توافر مجموعة من الشروط، من أجل الاتجاه نحو تعويم كامل، على النحو التالي:

  • توافر احتياطي من العملة الصعبة لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً.. بينما في الفترة الحالية يتوفر ما بين 30 مليار و36 مليار دولار.
  • ضرورة توفر مؤشرات اقتصادية مهمة مثل معدلات نمو لا تقل عن 4 أو 5 بالمئة.
  • ألا يتجاوز عجز الموازنة 3 أو 4 بالمئة، ومعدلات تضخم ما بين 1 و2 بالمئة، في حين أن الأعوام الأخيرة تشهد ما بين 5 أو 6 بالمئة.
  • بالإضافة إلى تقليص العجز التجاري عن طريق تشجيع الصادرات المغربية، لاسيما وأن الصادرات اليوم لا تغطي إلا 60 بالمئة من واردتنا، وبالتالي يجب دعمها للوصول إلى 70 و80 بالمئة من تغطية حجم الواردات.

وأشار إلى أنه في حالة توافر هذه الاشتراطات مجتمعة "يمكننا الذهاب إلى تعويم كلي للدرهم بدون مخاطر"، عكس الإقدام الحالي على تلك الخطوة بالمرحلة الحالية ومعطياتها والذي سوف يؤدي إلى مخاطر كبيرة وفقدان قيمة العملة وتضخم غير مسبوق للمملكة المغربية، مردفاً: لذلك نحن على اتفاق مع مؤسسات دولية ونمضي خطوات محسوبة في اتجاه الانتقال من نظام صرف ثابت إلى مرن ثم بنهاية المطاف إلى التعويم الكلي للدرهم المغربي.

أخبار ذات صلة

كيف تأثرت اقتصادات البلدان النامية بالحرب في أوكرانيا؟
وزيرة السياحة المغربية:‭ ‬انتعاش القطاع السياحي فاق التوقعات

التضخم

انخفض التضخم السنوي في المغرب إلى 6.1 بالمئة في 2023، من 6.6 بالمئة في 2022، وسط توقعات من جانب بنك المغرب المركزي بمزيد من التراجع إلى 2.4 بالمئة، مع انخفاض أسعار السلع المستوردة وزيادة الاستقرار في أسواق المواد الغذائية.

فيما سجلت معدلات التضخم أدنى مستوى منذ 26 شهراً في ينايرالماضي، وبلغت 2.3 بالمئة على أساس سنوي.

  • حث صندوق النقد الدولي، بنك المغرب المركزي، الأربعاء، على تحديد هدف للتضخم مع انحسار الضغوط التي تسهم في رفع أسعار السلع والمواد الغذائية.
  • وقال الصندوق في بيان "مع استمرار انخفاض التضخم، يتعين على بنك المغرب أن يستأنف انتقاله إلى إطار وضع هدف للتضخم".

التعويم الكلي مستبعد

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي المغربي، هشام بن فضول، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن فكرة تعويم العملة الوطنية المغربية غير مطروحة الآن، خاصة في ضوء موقف البنك المركزي الواضح بأنه لا يمكن تعويم الدرهم تعويماً كلياً وذلك لعدة أسباب، أهمها يتعلق بمعدلات التضخم "الخطيرة" التي مر بها المغرب، إذ يعد من الدول التي سجلت أرقام تضخم كبيرة وصلت إلى 8 بالمئة في إحدى الفترات، لذلك الوقت غير مناسب من أجل التعويم.

وتابع: على الرغم من محاولات صندوق النقد إقناع المركزي المغربي بتعويم الدرهم ولو جزئيًا، تعتبر المسألة غير مطروحة، فيما يبقى الأمر قرارًا سياديًا للمملكة المغربية، مردفاً: "نحن لن نخاطر بالقدرة الشرائية للمواطنين المغاربة من أجل صندوق النقد الدولي".

وأكد الخبير الاقتصادي المغربي على تميز العلاقة بين صندوق النقد الدولي والمملكة المغربية والدليل الخط الائتماني والسيولة التي استفاد منها المغرب بحوالي 5 مليار دولار، دون شروط مسبقة.

ويشار إلى أنه في العام الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على خط ائتمان مرن للمغرب قيمته نحو خمسة مليارات دولار على مدى عامين.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن الأسعار ومعدلات التضخم تشهد تراجعاً بنسبة ما وصولًا إلى أسعار مقبولة سواء أسعار المواد الغذائية أو المصنعة، في محاولات للوصول إلى مستويات تضخم مناسبة.

وترك البنك المركزي سعر الفائدة القياسي دون تغيير عند 3 بالمئة خلال الاجتماع الأخير لمجلس إدارته في ديسمبر، وهو الموقف الذي قال صندوق النقد إنه مناسب.

أخبار ذات صلة

عائدات السياحة في المغرب تتجاوز 10 مليارات دولار في عام 2023
ارتفاع البطالة في المغرب إلى 13% خلال عام 2023

تأثيرات خطيرة

وبدوره، أوضح الخبير الاقتصادي المغربي، على الغنبوري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن المغرب بالفعل كان قد بدأ عملية تعويم للدرهم بشكل تدريجي، لتتوقف هذه العملية بعد جائحة كورونا وتأثيرها القوي على الاقتصاد المغربي بالإضافة إلي ظهور معدلات تضخم مرتفعة، حيث بلغت اكثر من 6 بالمئة العام الماضي كمعدلات غير مسبوقة في المغرب.

أضاف: اليوم هناك توصية صادرة عن صندوق النقد الدولي تدعو المغرب إلى استئناف تعويم الدرهم وذلك بعد تراجع التضخم بشكل كبير علي مستوى الاقتصاد المغربي، ولكن هذه التوصية لم يعطها طابع الإلزام والتنفيذ الفوري بل هي توصية للمغرب في ضوء تحسن المؤشرات الاقتصادية وتراجع التضخم ومن ثم استئناف عملية التعويم.

وأوضح الغنبوري أن المغرب اليوم ليس على استعداد كاف لاستئناف تعويم الدرهم بسبب حالة عدم اليقين الاقتصادي علي المستوي العالمي والمستمرة في ظل استمرار الصراعات الجيوسياسية العالمية وتأثيرها على الأسواق ومنها المغرب خاصة فيما يتعلق بالطاقة والمحروقات.

فضلا عن تأثيرات قوية للجفاف أيضاً علي الاقتصاد المغربي ومعدلات التضخم، لذلك لا يمكن المجازفة لاتخاذ هذا المسار لتعويم الدرهم، لما له من مخاطر قوية علي الاقتصاد المغربي والعملة وبما سيؤثر على الأداء الاقتصادي والقدرة الشرائية للمواطنين المغاربة.