تعتبر صيانة السيارات أمراً ضرورياً يساهم في الحفاظ على حالة المركبة، فالصيانة بشكل عام، تساعد على تحسين أداء السيارة، وتجعلها قادرة على توفير استجابة أفضل عند القيادة.

ويعلم مالكو السيارات تماماً، أن صيانة مركباتهم هي خطوة مهمة تمنحها دورة حياة أطول، إلا أن هؤلاء باتوا يواجهون مشكلة، تتعلق بالارتفاع المستمر لكلفة هذه العملية، حيث تظهر البيانات أن فواتير صيانة السيارات في العالم، أصبحت أكثر كلفة في السنوات الأخيرة، وذلك بنوعيها الوقائي والتصحيحي.

فسواء كان الأمر يتعلقّ بعملية صيانة وقائية، تشمل تغيير الزيت والفلاتر والفرامل والبطارية، أم بعملية صيانة تصحيحية، تشمل إصلاح أعطال واستبدال أجزاء تالفة، فإن مالكي السيارات، بات عليهم دفع فاتورة أكبر في كل مرة يزورون فيها الميكانيكي، وهذا الارتفاع في الكلفة، ناتج عن عدة عوامل، منها الزيادة في وزن المركبات والمواد الجديدة المستخدمة في التصنيع، إضافة إلى ندرة الفنيين الموهوبين.

التضخم الأعلى منذ 48 عاماً

وبحسب مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة، فإن أسعار صيانة وإصلاح المركبات، أصبحت أعلى بنسبة تقارب الـ 1100 بالمئة في عام 2023 مقارنة بعام 1968، وبمعنى آخر، يشير معدل التغيير هذا، إلى أن فاتورة صيانة السيارة، التي كانت تبلغ 500 دولار في عام 1968، ستُكلّف 5991.56 دولاراً في عام 2023، وذلك للقيام بالإصلاحات ذاتها، حيث شهدت صيانة السيارات معدل تضخم في الأسعار، بلغ 4.62 بالمئة سنوياً منذ ذلك الحين، ولكن في عام 2023 وحده بلغ معدل تضخم أسعار صيانة المركبات وإصلاحها، 11.53 وهي أعلى نسبة يتم تسجيلها منذ قرابة الـ 48 عاماً.

أخبار ذات صلة

هل تلاقي السيارات الصينية مصير "هواوي"؟
أي مستقبل ينتظر سيارات الهيدروجين؟

ارتفاع غير مرتبط بسوق معينة

وتوقع مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة، استمرار ارتفاع فاتورة صيانة المركبات خلال 2024، لتصعد بنسبة 3.17 بالمئة مقارنة بعام 2023، وهذا الارتفاع المستمر بكلفة صيانة السيارات غير مرتبط بسوق معينة بل يشمل مختلف أسواق العالم ولو بنسب متفاوتة، حيث أظهر تحليل لشركة Intelligent Motoring الرائدة في مجال توفير حلول ما بعد البيع للسيارات، إلى أن تكلفة إصلاحات المركبات في بريطانيا، ارتفعت بنسبة 40 بالمئة من عام 2018 إلى عام 2022، وهو ما كان له تأثير كبير على سائقي السيارات وفاقم الضغوط المالية عليهم.

وزن السيارة يزيد تكاليف الصيانة

ووفقاً لتقرير لشبكة CNBC، ثمة مجموعة من العوامل، التي تدفع تكاليف صيانة وإصلاح السيارات إلى تسجيل هذا الارتفاع الحاد، من بينها ارتفاع وزن السيارات الجديدة، واستخدام مواد وطرق تصنيع جديدة، فضلاً عن العامل المرتبط بنقص الفنيين المهرة، إضافة إلى ارتفاع أسعار قطع الغيار.

وتشير البيانات التي رصدها تقرير CNBC إلى أن السيارات أصبحت أثقل بنسبة 33 بالمئة، في العام 2022 مقارنة بعام 1985، وهذا الارتفاع في الوزن يزيد من خطورة الحوادث عند ارتفاع سرعة السيارة، فثقل وزن المركبة يوسع من نطاق تداعيات أضرار الحادث عند حدوثه، ما يجعل من عملية إصلاح الأعطال مكلفة بشكل أكبر.

أخبار ذات صلة

لماذا لا يمكن للعالم أن يعمل بدون الوقود الأحفوري؟
مبيعات السيارات تدعم صادرات اليابان في يناير لتفوق التوقعات

لماذا أصبحت فواتير إصلاح السيارات أكثر كلفة؟

ويقول الخبير في بيع وشراء السيارات محمد عيتاني، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مالكي السيارات، باتوا مضطرين لإنفاق أموال أكثر من المعتاد، عند اصطحاب سياراتهم لدى الميكانيكي، فإصلاح السيارة في الوقت الحالي، أصبح أكثر تكلفة بنسبة 20 بالمئة عما كان عليه في عام 2020، وذلك بسبب العوامل التالية:

أنظمة أكثر تعقيداً

باتت السيارات الجديدة مليئة بأجهزة الاستشعار والتكنولوجيا، التي تحمي وتدلل السائقين، ولكن هذه الميزات ترفع أيضاً من تكلفة الإصلاحات بعد وقوع الحوادث، فالبنية الرقمية الحديثة، التي تحتويها السيارات الجديدة معقدة للغاية، وقد تصعب إعادتها إلى حالتها الطبيعية عند التعرّض لحادث دون استبدال أجهزة الاستشعار، وإنفاق مبلغ كبير عليها، مع الإشارة إلى أن تزويد السيارات الحديثة بتقنيات متطورة، يزيد من احتمال حدوث الأعطال الإلكترونية المعقدة، والمكلفة دون التعرّض لحادث، وهذا أيضاً يساهم في رفع قيمة فواتير إصلاح السيارات.

المواد وطرق التصنيع الجديدة

تحظى المواد خفيفة الوزن مثل الألومنيوم، بشعبية متزايدة في عالم صناعة السيارات، ولكن هذه المواد قد تكون هشة وتتطلب الاستبدال عند التعرض لحادث طفيف، فصحيح أن السيارات باتت تحتوي على أجزاء أقل، بفضل أساليب التصنيع الجديدة، لكن الأجزاء الموجودة فيها ضخمة، وأكثر تكلفة لاستبدالها، وعلى سبيل المثال، قد يكون من الصعب أو المستحيل إصلاح المواد الجديدة المصممة للتفتت عند وقوع حادث، حيث يجب استبدالها وهذا ما تنتج عنه تكلفة مالية مرتفعة مقارنة بعملية استبدال الأجزاء في السابق.

تكاليف قطع الغيار

إحدى العوامل الرئيسية التي غذت ارتفاع كلفة فواتير إصلاح السيارات، في السنوات الثلاث الأخيرة، كانت مشكلات سلاسل التوريد بسبب وباء كوفيد-19 والتضخم العالمي، فأسعار قطع الغيار مثل المصابيح الأمامية والخلفية، والصفائح المعدنية، والأبواب وأغطية المحركات وغيرها الكثير من الأجزاء التي تحتاجها السيارات، ارتفعت بنسبة تتراوح بين 10 إلى 20 في المئة، في أي مكان في العالم.

أخبار ذات صلة

الخسارة حتمية.. لماذا لا ينصح الخبراء بشراء سيارة جديدة؟
ما العقبات التي تعترض طريق السيارات الكهربائية في لبنان؟

عامل الوقت

إصلاح السيارات الجديدة بات يستغرق وقتاً أطول من السابق، نظراً للتعقيدات التي تحتويها هذه السيارات، وهو ما يتطلب وقتاً وجهداً وعملاً أكبر من الفنيين والميكانيكيين المتخصصين، ما يؤدي إلى ارتفاع كلفة الصيانة، فمع احتساب الوقت الطويل الذي أمضاه الميكانيكي في عملية الإصلاح تصبح الفاتورة أكبر.

كلفة العمالة

مشكلة ارتفاع أسعار صيانة السيارات، لا تتعلق بوقت الإصلاح فقط، إذ هناك أيضاً نقص في فنيي السيارات، فالمركبات الحديثة مجهزة بأنظمة ومكونات معقدة، تتطلب معرفة ومهارات متخصصة لإصلاحها وصيانتها، وفي الوقت نفسه، فإن المواهب في إصلاح السيارات نادرة، وهذا ما أدى إلى ارتفاع متوسط أجور العاملين في هذا المجال، حيث جاءت معظم الزيادات بين عامي 2022 و2023.

مخاطر استمرار ارتفاع أسعار الصيانة

ويضيف عيتاني في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صانعي السيارات، يدركون أن هناك ارتفاعاً كبيراً في تكاليف إصلاح السيارات، وهم يعملون على معالجة هذا الوضع، الذي قد يحتاج لعدة سنوات حتى يتمكنوا من حله، مشيراً إلى أن فاتورة صيانة السيارات يجب أن تكون ميسورة التكلفة، وإلا فإننا سنشهد عدداً أقل من مبيعات المركبات، وهو ما سينعكس سلباً على الصناعة بأكملها.

وشدد عيتاني على أن ارتفاع تكاليف إصلاح السيارات الحديثة بسبب التقنيات التكنولوجية المتطورة التي باتت تحتويها، تقابله في الناحية الأخرى فوائد كبيرة مقارنة بالسيارات القديمة، فالسيارات الجديدة يمكنها امتصاص الصدمات وحماية الركاب بشكل أكبر من السابق، لافتاً إلى أن صانعي السيارات، باتوا يركزون على حماية الأشخاص الموجودين داخل المركبة، وتوفير أقصى درجات الراحة والرفاهية والأمان لهم، خصوصاً أنه في عصرنا الحديث والمتطور، أصبحت الراحة والرفاهية هي الأهم بالنسبة للإنسان.