في عالم سريع التغير، تدرك الشركات بشكل متزايد أهمية الاستدامة والمسؤولية البيئية، وهي باتت اليوم أكثر وعياً بتأثير أعمالها على الكوكب، ولذلك نرى أنها تقوم باتخاذ تدابير، تهدف إلى تقليل البصمة الكربونية لمنتجاتها، بما يساهم في بناء عالم أكثر استدامة.

وأصبح مفهوم "تقليل البصمة الكربونية" خطوة حاسمة وضرورية، لخفض مستوى الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ومحاربة ظاهرة "الاحتباس الحراري" التي تتسبب بارتفاع درجة حرارة الأرض إلى مستويات قياسية، وتحول أجزاء واسعة من الأرض إلى مناطق غير صالحة للعيش.

حجم انبعاثات الكربون من شريحة الهاتف

ورغم صغر حجمها تعتبر شرائح الـ SIM لخطوط الهواتف، مصدراً رئيسياً لانبعاثات الكربون في العالم.

فبحسب شركة "ستاتيستا" للأبحاث ودراسات السوق، ينبعث من عملية إنتاج شريحة SIM التقليدية، ما يعادل 229 غراماً من ثاني أكسيد الكربون، وذلك خلال جميع مراحل دورة حياتها، التي تبدأ من الإنتاج والنقل، وصولاً إلى الأجهزة ونهاية عمرها الافتراضي، في حين أن شريحة الـ eSIM المتطورة ينبعث منها فقط 123 جراماً من ثاني أكسيد الكربون.

أخبار ذات صلة

مؤتمر استثنائي في مرحلة فارقة.. إنجازات مُبكرة لـ COP28
كيف انطلقت قمة المناخ "COP28" بانتصار مبكر في يومها الأول؟

وتظهر بيانات الأبحاث التي قام بها فريق المحللين العالمي التابع لشركة ABI Research للدراسات، أن العالم شهد شحن نحو 4.45 مليار شريحة SIM خلال عام 2022، وهذا يعني أن صناعة شرائح خطوط الهواتف، يمكن أن تكون مسؤولة عن نحو أكثر من مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً.

وعلى مدار ثلاثة وثلاثين عاماً، حاول مصنعو شرائح الـ SIM إدخال ممارسات صديقة للبيئة في صناعتهم، وصولاً إلى طرح تقنية الـ eSIM التي تمكنت من خفض انبعاثات الكربون بنسبة 46 بالمئة، مقارنة ببطاقات SIM التقليدية، كونها لا تتطلب الكمية نفسها من البلاستيك ومواد التغليف، فتقنية الـ eSIM تعتمد على الشرائح تم دمجها في الهاتف ويتم تشغيلها رقمياً من قبل مشغلي الاتصالات، وهي غير ملموسة من قبل حاملي الهواتف.

حلول صديقة للبيئة

رغم التقدم الذي حققته تقنية الـ eSIM، إلا أن هذا الاجراء لم يكن كافياً، فهذه التقنية لم تحقق الانتشار المطلوب، رغم مرور أكثر من 5 سنوات على طرحها على الصعيد التجاري، إذ يفضل الكثير من المستخدمين الإبقاء على خيار شرائح الـ SIM التقليدية الملموسة، وهذا ما دفع بشركات الاتصالات للبحث عن حل جديد تمثل باللجوء إلى خيار شرائح الـ SIM الخضراء الصديقة للبيئة والملموسة.

ويكشف مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن شركات الاتصالات تعمل ومنذ تطويرها لأول شريحة SIM في العالم في عام 1991، على تقليص حجم هذه الشرائح إلى أن وصلت اليوم إلى قياس متناهي الصغر، ولكن ورغم أن حجم شريحة الـ SIM قد تقلص بمرور الوقت، إلا أن هذه الصناعة لا تزال تساهم في النفايات العالمية، والملوثات وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة كبيرة، معتبراً أن المشكلة الرئيسية في شرائح الـ SIM التقليدية، هي أنها وحتى الساعة لا تزال تأتي مرفقة ببطاقة بلاستيكية بحجم بطاقة الائتمان، إذ يتم التخلص فوراً من هذه البطاقة عند نزع شريحة الـ SIM منها، ما يتسبب بظهور أطنان من نفايات البلاستيك كل عام.

أخبار ذات صلة

تمويل المناخ وأدوات التنفيذ.. آمال عريضة على COP28
ساعات لانطلاق "COP28".. نقطة فارقة في تاريخ التغير المناخي

ما هي الشرائح الهاتفية الخضراء؟

ويقول سعد الدين إن الشرائح الهاتفية الخضراء، هي شرائح SIM تم إنتاجها من خلال مواد معاد تدويرها، وهي تستهلك كمية أقل من البلاستيك والأوراق، ما يمنحها بصمة كربونية أقل، فهي مصنوعة من المواد المستخرجة من النفايات الإلكترونية، بما لا يؤثر على جودة ونوعية الإرسال فيها، حيث أن هذه الشرائح قادرة على دعم أحدث معايير الاتصالات في العالم، لافتاً إلى أن هيكل البطاقة التي تحمل شريحة الـ SIM الخضراء، يتم صنعه من ورق البلاستيك المعاد تدويره، وهو يأتي بحجم أصغر بكثير من البطاقة البلاستيكية المرفقة بخطوط الـ SIM التقليدية، ما يقلل من كمية البلاستيك المستخدمة بنسبة تتراوح بين 50 و 75 بالمئة، ويسمح بتوفير أطنان من النفايات ويؤدي بالتالي إلى تخفيض البصمة الكربونية لشرائح الـ SIM.

ويشرح سعد الدين أن مميزات الشرائح الهاتفية الخضراء بالنسبة للبيئة، هي أنها تستخدم مواد أقل خلال التصنيع، وتقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتقلل من النفايات البلاستيكية، كما أنها تخفض من التكاليف اللوجستية، فعندما يكون هيكل بطاقة الهاتف أصغر حجماً وأخف وزناً يصبح أرخص في النقل. وأكد أن هناك استحالة بتحديد النسبة الدقيقة للبصمة الكربونية، الناتجة عن مجمل الشرائح الهاتفية الخضراء، وذلك بسبب اختلاف تصاميم وأحجام وأساليب إنتاج هذه الشرائح بين شركة وأخرى، ولكن ما تجمع عليه الآراء العلمية هو أن الأسلوب المعتمد في تصنيع الشرائح الهاتفية الخضراء، يساعد في خفض انبعاثات الكربون، بنسبة تتراوح بين 25 و35 بالمئة مقارنة ببطاقات SIM التقليدية.

من جهته يقول مهندس الاتصالات محمد الحركة، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن التأثير البيئي لبطاقة الـ SIM الفردية الصغيرة، قد يبدو غير مهم بالنسبة للمستهلكين، ولكن عند الحديث عن أكثر من 4 مليارات شريحة يتم صنعها سنوياً، يصبح تأثير هذه الشرائح هائلاً على البيئة، فعملية تصنيع بطاقات الـ SIM وتوزيعها على العملاء، تتطلب مواد خام وطاقة ومواد كيميائية وورقاً وبلاستيك، ما يسهم بإصدار الملوثات وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير، وهذا الحجم من الملوثات مرشح للارتفاع، مع توقعات بازدياد الطلب على شرائح الـ SIM في المستقبل، التي سيتوسع انتشارها في السوق، نظراً للحاجة إلى دمجها في العديد من الأجهزة التي نستخدمها يومياً كجزء من إنترنت الأشياء.

أخبار ذات صلة

لماذا أصبحت الصناعة الأميركية أقل كفاءة؟ وهل يمكن إنقاذها؟
الطهي النظيف.. أداة فاعلة لتقليل الانبعاثات وكبح تغير المناخ

ما سبب عدم شعبية eSIM؟

وبحسب الحركة فإنه مع توقعات بزيادة الطلب على شرائح الـ SIM، وعدم شعبية وبطء نمو خيار الـ eSIM، كانت هناك حاجة لتحرك الشركات نحو خيار الشرائح الهاتفية الخضراء، فصحيح أن خيار الـ eSIM، يبقى أفضل من الناحية البيئية، ومن ناحية تخفيض الانبعاثات، ولكن لا يمكن إجبار المستهلكين على اللجوء إلى هذا الخيار، فهؤلاء يفضلون التعامل بشكل ملموس مع خطوط الهاتف، إذ أن مبيعات الهواتف التي تعتمد تقنية الـ eSIM لا تتجاوز 300 مليون وحدة سنوياً في أفضل الأحوال، مقارنة بأكثر من 4 مليارات خط SIM تقليدي يتم إنتاجه سنوياً، وهذا ما دفع بشركات الاتصالات للتفكير بالشرائح الخضراء، وهي خيار "ملموس" بالنسبة للمستهلكين وأكثر مراعاة للبيئة واستدامة للكوكب.

ويرى الحركة أن إعادة تصميم الشركات لحزمة شرائح SIM، وتقليص كميات البلاستيك المستخدمة في تصنيعها، دون المساس بالجودة، هي بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح، وأتت نتيجة استفادة الشركات من التقدم في التصميم والتصنيع والتكنولوجيا، لافتاً إلى أن الشرائح الهاتفية الخضراء ستكون مجرد خياراً واحداً ضمن مبادرات خضراء عدة، ستقدمها شركات الاتصالات في السنوات القليلة المقبلة، بهدف الوصول إلى بصمة كربونية أقل، نظراً للعواقب البيئية المرتبطة بها، إذ تتسبب انبعاثات الكربون المفرطة في الاحتباس الحراري، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، وحدوث أحداث مناخية متطرفة.

أشكال وأنواع مختلفة للتلوث تؤثر سلبا على البيئة وصحة الإنسان