تحولت ظاهرة تغير المناخ في السنوات الماضية إلى قضية عالمية، تسعى جميع الدول إلى معالجتها وابتكار الحلول لها قبل فوات الأوان.

ورغم الجهود الدولية المبذولة للحفاظ على البيئة والتوقف عن إيذاء كوكب الأرض، نجد أنّ العالم لا يزال بحاجة إلى القيام بمزيد من الإجراءات، وسط مؤشرات مناخية مقلقة، تمثلت ببلوغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مستويات مرتفعة جداً.

أخبار ذات صلة

50 شركة طاقة عملاقة تتعهد بخفض الانبعاثات في COP28
COP28.. التزامات جديدة لتوسيع الاستثمارات في المناخ والصحة

وتعد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، من أبرز الغازات الدفيئة التي تتسبب بمعاناة العالم من مشكلة الاحتباس الحراري، التي تؤدي بالتالي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، ما يتسبب بدوره في حدوث كوارث بيئية متعددة.

ومع التحدي الملح المتمثل في خفض انبعاثات الكربون لإنقاذ الأرض، من المهم الإدراك أن هذه الخطوة لا ترتبط فقط باعتماد العالم على الطاقات النظيفة، والمواد الأولية المدوّرة والصديقة للبيئة، حيث أن التأثير البيئي للكربون، مرتبط أيضاً بوجباتنا الغذائية، فقسمٌ كبيرٌ من الأغذية التي نتناولها كل يوم، تترك آثاراً كربونية يدفع فاتورتها كوكب الأرض مزيداً من الاحترار والتلوث.

أخبار ذات صلة

أكثر من 120 دولة توقع إعلان COP28 بشأن المناخ والصحة
بابا الفاتيكان يدعو COP28 لتحقيق انفراجة بشأن تغير المناخ

أكبر بصمة كربونية في عالم الغذاء

تُظهر مختلف الأبحاث والدراسات أن الإنتاج الغذائي في العالم، مسؤول عن حوالي 15 إلى 25 بالمئة من انبعاثات الغازات الدفيئة، معظمها انبعاثات كربونية، فاستناداً إلى القياسات العلمية المعتمدة، يعد لحم البقر صاحب أكبر بصمة كربونية ضمن الصناعات الغذائية، فكل كيلوغرام من منتجات اللحوم النهائية، ينبعث منها 99 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون.

وبحسب الأمم المتحدة فإن الغذاء يمر بعدة خطوات من نمو ومعالجة ونقل، وتوزيع وتحضير واستهلاك وصولاً إلى التخلص منه في بعض الأحيان، حيث أن كل خطوة من هذه الخطوات، تولد غازات دفيئة تحبس حرارة الشمس وتساهم في تغير المناخ،  كما أن أكثر من ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي يسببها الإنسان ترتبط بالغذاء، ولذلك يتم قياس كيف يؤثر كل كيلوغرام من الطعام على المناخ، من حيث كثافة الانبعاثات التي يولدها في كافة المراحل التي يمر بها.

وتأتي الشوكولاتة الداكنة كصاحبة ثاني أكبر بصمة كربونية ضمن الصناعات الغذائية، حيث أن كل كيلوغرام منها، ينتج عنه 47 كيلوغراماً من انبعاثاث ثاني أكسيد الكربون، في حين أن كل كيلوغرام من المنتجات النهائية للحوم الأغنام والضأن، تتسبب بانبعاث 40 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون، أما كل ليتر من حليب الأبقار، فينتج عن عملية تصنيعه 33 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون، لتحتل القهوة المرتبة الخامسة كصاحبة أكبر بصمة كربونية ضمن الصناعات الغذائية، فكل كيلوغرام من منتجات القهوة ينبعث منها 29 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون.

أخبار ذات صلة

مؤتمر استثنائي في مرحلة فارقة.. إنجازات مُبكرة لـ COP28
البنك الدولي سيتولى إدارة صندوق الخسائر والأضرار المناخية

مصادر الغازات الدفيئة المرتبطة بالغذاء

وتشرح الخبيرة في شؤون البيئة، فيفي كلاّب، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه لفهم كيفية مساهمة المواد الغذائية المختلفة في تلوث البيئة، يجب أن ندرك أن عملية إنتاج الأطعمة، تتطلب موارد كبيرة من الأراضي والطاقة والمياه، حيث أن استخدام جميع هذه الموارد، تنتج عنها ملوثات قد تكون غير مرئية بالنسبة للمستهلكين، ولكنها تتسبب بالفعل بانبعاثات مضرة للبيئة، مشيرة إلى أن الجزء الأكبر من الغازات الدفيئة المرتبطة بالغذاء تأتي من:

- استخدام الأراضي

- عمليات سحب مياه

- أكسيد النيتروز من الأسمدة المستخدمة في إنتاج المحاصيل

- الميثان الناتج عن عملية الهضم لدى الماشية

-  ثاني أكسيد الكربون الناتج عن قطع الغابات لتوسيع الأراضي الزراعية

- حرق مخلفات المحاصيل واستخدام الوقود في المزارع

- تبريد ونقل المواد الغذائية

- إنتاج الورق والألمنيوم للتغليف

- إدارة مخلفات الطعام

أخبار ذات صلة

كيف انطلقت قمة المناخ "COP28" بانتصار مبكر في يومها الأول؟
البحرين تطلق استراتيجية للوصول إلى الحياد الكربوني في 2060

"البرغر" يرفع نسبة الضرر البيئي

وبحسب كلاّب فإن لحم البقر يعتبر وبشكل ساحق، المصدر الأعلى لانبعاث الغازات الدفيئة المتعلقة بالمنتجات الغذائية، وذلك كون إنتاج لحوم الأبقار، يتطلب موارد كثيفة للغاية من الحقول الكبيرة والمياه والطاقة، إضافة إلى أن الأبقار تُصدر أيضاً غاز الميثان أثناء عملياتها الهضمية، وهذا الغاز يلعب دوراً في رفع مستويات الاحترار، وتشكيل ظاهرة الاحتباس الحراري.

وأشارت إلى أن تضاعف الطلب على اللحوم الحمراء، بواقع ثلاث مرات خلال السنوات الخمسين الماضية، ساهم أيضاً في رفع نسبة الضرر البيئي، الذي تسببه لحوم الأبقار بدعم من مبيعات "البرغر" التي باتت تفوق الخمسين مليار شطيرة كل عام، في حين تشير توقعات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، إلى أن الطلب العالمي على اللحوم الذي بلغ حجمه 337 مليون طن في عام 2022، سيتضاعف بحلول عام 2050.

أخبار ذات صلة

تمويل المناخ وأدوات التنفيذ.. آمال عريضة على COP28
الإمارات ستسهم بـ100 مليون دولار في صندوق كوارث المناخ

البصمة الكربونية للشوكولاتة

أما عن سبب حلول الشوكولاتة الداكنة كصاحبة ثاني أكبر بصمة كربونية ضمن الصناعات الغذائية، فتقول كلاّب، إن معظم انبعاثات الشوكولاتة تأتي من التغييرات التي تحدثها عملية إزالة الغابات، لصالح هذا المنتج، فالشوكولاتة تنتج من الكاكاو، ومع تزايد الطلب العالمي على الشوكولاتة، لجأ العديد من الشركات، إلى إزالة الغابات المطيرة التي تمتص الكربون من الجو بكميات كبيرة جداً، لاستبدالها بأشجار الكاكاو، وهذا ما أفقد بعض دول العالم غطائها الحرجي، وقلل من قدرة الأرض على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، لافتة إلى أن منتجي الشوكولاتة لا يترددون غالباً من تطهير مناطق من الغابات المطيرة ما يغير في التوازن البيئي.

وأشارت كلاّب إلى أنه على غرار لوم الأبقار والشوكولاتة، فإن لحم الضأن والقهوة والرز، والجبن والألبان والقريدس والأسماك والدواجن، جميعها صناعات غذائية تمتلك بصمة كربونية عالية، وجميعها من الأطعمة الأكثر استهلاكاً في العالم، مشددة على أن المنتجات الحيوانية بشكل عام، هي أكثر كثافة في الانبعاثات مقارنة بالأطعمة النباتية، ولذلك نتوصل إلى نتيجة، مفادها أن ما نأكله يحدث فرقاً على صعيد البيئة.

أخبار ذات صلة

موضوعات هامة تلفت الأنظار خلال مؤتمر "COP28"
رحلة تاريخية.. طائرة من لندن إلى نيويورك وقودها "زيت الطهي"

خفض اثبعاثات كربون الأطعمة

من جهته يقول المحلل البيئي، زياد عبود، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه لا يمكن إنكار أن بعض الممارسات المستخدمة لإنتاج الأطعمة، هي ممارسات تخريبية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بصناعة الشوكولاتة والبن، التي بسببها يتم القضاء على الآف الهيكتارات من الأشجار، ولكن من الظلم أيضاً الطلب من المستهلكين إزالة عناصر غذائية من نظامهم الغذائي، بهدف الحد من استهلاك الأطعمة ذات البصمة الكربونية المرتفعة، مشيراً إلى أن الحل الأمثل لتخفيض مستوى اثبعاثات الكربون الصادرة عن الأطعمة، يكون من خلال خطوات متعددة، أولها تقليل اعتمادنا على الأطعمة مرتفعة الانبعاثات الكربونية، ثانياً تخفيف هدر الطعام، وثالثاً البحث عن المنتجات التي تحترم مفهوم الاستدامة.

ويشرح عبود أن الاعتدال في عاداتنا الغذائية، هو بالضبط ما نحتاجه لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الغذاء، وهو ما يعني تناول لحوم حمراء أقل، وأطعمة ذات أصل نباتي أكثر، واختيار الأطعمة الموسمية التي تحترم الدورة البيئية، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تقدر نسبة تبديد الأسر للطعام على مستوى العالم، بـ 11 بالمئة من إجمالي الغذاء المتاح للاستهلاك، حيث أن معالجة مشكلة هدر الطعام، تؤدي بشكل مباشر إلى تخفيض مستويات إنتاج الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، كما تؤدي إلى عدم تبديد المياه والطاقة.

وأشار عبود إلى أن هناك حاجة لدفع منتجي الأغذية لاعتماد الممارسات التي تحترم البيئة، وهذا الأمر يمكن أن يتم عن طريق حث المستهلكين على توجيه ميزانياتهم الشرائية، لمنتجات الأطعمة التي تحترم المعايير البيئية المستدامة، فمثلاً بدأ الكثير من مصنعي الشوكولاتة في العالم، برفض شراء حبوب الكاكاو من مزارعين، قاموا بقطع أشجار الغابات لزراعة أشجار الكاكاو، في خطوة يسعى من خلالها المصنعون إلى إرضاء المستهلكين الذين يبحثون عن منتجات غذائية، تعتمد على مصادر مستدامة، لافتاً إلى أن معرفة الأطعمة المستدامة من الناحية البيئية، يمكن أن يكون أمراً مربكاً بالنسبة للمستهلكين حالياً، ولكن هذا الواقع قد يتغير، مع لجوء الصناعات الغذائية إلى وضع ملصقات على منتجاتها، تكشف حجم البصمة الكربونية التي تتسبب بها، ومعلومات أخرى متعلقة بمصادر وكيفية انتاج هذه الأطعمة.