يعمل الأردن على تنمية وتعزيز البيئة الاستثمارية، من خلال استراتيجيات وإجراءات متصلة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتذليل الصعوبات التي يواجهها المستثمر، لا سيما عبر تطوير المنظومة التشريعية، وإطلاق مبادرات جديدة ، ضمن جهود الدولة الرامية لمواجهة التحديات الاقتصادية الواسعة.

آخر تلك الإجراءات الإعلان عن منصة خاصة تحمل اسم "استثمر" تستهدف بشكل أساسي مساعدة الراغبين في الاستثمار من الأردنيين في الخارج، طبقاً لما أعلنته وزيرة الاستثمار الأردنية، خلود السقاف، والتي ذكرت مطلع الأسبوع، خلال مشاركتها  في المؤتمر الثامن لرجال الأعمال والمستثمرين الأردنيين في الخارج المنعقد في العاصمة عمّان، أن:

  • الحكومة انتهت من الإطار التشريعي لمراجعة استراتيجية الاستثمار في البلاد، مع إطلاق منصة خاصة تحمل اسم "استثمر" لمساعدة الراغبين في الاستثمار من الأردنيين في الخارج.
  • المنصة (استثمر) تضم 21 فرصة استثمارية بقيمة مليار دينار (حوالي 1.41 مليار دولار).
  • هذه الفرص ذات جدوى اقتصادية تتناسب مع متطلبات المرحلة.
  • أهم القطاعات الجاذبة للاستثمار (السياحة والأدوية والأسمدة).

ويصل عدد الأردنيين في الخارج إلى ما يقارب المليوني مغترب، متواجدون في 70 دولة حول العالم، النسبة الأكبر منهم في دول الخليج بواقع 75 بالمئة، طبقاً لإحصاءات العام 2022.

وارتفعت تحويلات المغتربين الأردنيين، في العام الماضي، بنسبة 1.5 بالمئة، مُسجلة 3.4 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي.

أخبار ذات صلة

بهذه القيمة.. العجز المالي للأردن يتراجع في 5 أشهر
لهيب الحرارة يضرب دولا عربية.. فيديو لموجة غبار تجتاح الأردن

منصة جديدة

تأتي المنصة الجديدة ضمن جهود الدولة لتشجيع الاستثمارات، باعتبارها الرافعة الأولى للنمو، بالاستناد إلى الفرص الاستثمارية الواسعة التي تتيحها المملكة، وفي ضوء ما تزخر به من إمكانات تؤهلها لجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية، سواء من قبل المغتربين الأردنيين والاستثمارات الأجنبية المباشرة كذلك.

ويُشار هنا إلى رؤية التحديث الاقتصادي، التي أطلقتها المملكة العام الماضي، والتي تستهدف جذب 41 مليار دينار من الاستثمارات الأجنبية والمحلية خلال العشرة أعوام المقبلة.

ويواجه الأردن عديداً من التحديات والمشكلات المزمنة على طريق جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشر، سواء تلك المرتبطة بالعوامل والمؤشرات الداخلية، وتلك المتعلقة بتداعيات الأوضاع الإقليمية والدولية وأزمات مثل جائحة كورونا وانعكاساتها وكذلك الحرب في أوكرانيا.

رهان على الإجراءات الحكومية

من جانبه، يقول رئيس مركز الدستور للدراسات الاقتصادية، عوني الداوود، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن هنالك عديداً من الإجراءات التي اتخذها الأردن لمواجهة التحديات الاقتصادية، بدأت منذ جائحة كورونا تحديداً، وبتوجيهات ملكية سامية كان هناك توجيه واضح للحكومة بالتحوط في مواجهة تحديات الأمن الغذائي وأمن الطاقة، وقد حقق الأردن نجاحات حقيقية في هذا الأمر، وتحديداً في ملف الأمن الغذائي من خلال التخزين والتحوط بشراء كميات كبيرة من القمح والشعير والغذاء الأساسي.

ويضيف: "ثم استطاع الأردن أن يواجه -وبشهادة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي- تداعيات الحرب في أوكرانيا، من خلال سياسة مالية ونقدية حصيفتين (..)"، لافتاً إلى عددٍ من المؤشرات الاقتصادية التي تؤكد ذلك، من بينها معدلات التضخم بالبلاد والتي هي من أقل النسب في المنطقة، حول الثلاثة بالمئة (خلال النصف الأول من هذا العام)، علاوة على حجم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، بما يفوق الـ 17 مليار دولار. كما يشير في الوقت نفسه إلى تحقيق الأردن تصنيف ائتماني متقدم.

كانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، قد ثبتت في مايو الماضي التصنيف الافتراضي طويل الأجل لمُصدر العملات الأجنبية في الأردن عند "BB-" مع نظرة مستقبلية "مستقرة".

 وتبعاً لتلك المؤشرات يعتقد الداوود بأن المملكة تسير في الطريق الصحيح بالنسبة للإصلاحات المالية والنقدية"، موضحاً أن الأردن خطى خطوة تالية، بأنه بتوجيهات ملكية من خلال إطلاق رؤى الإصلاح الثلاثة (التخطيط السياسي والاقتصادي والإداري)، وبشكل خاص ما رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني، في يونيو من العام 2022، والتي كانت واضحة وتقوم على ركيزتين أساسيتين: (أولاً: رفع معدلات النمو حتى 2033 إلى معدل 5.8 بالمئة.. ثانياً: خلق حوالي مليون وظيفة خلال العقد المقبل).

أخبار ذات صلة

مصر والأردن تبحثان مضاعفة قدرات خط الربط الكهربائي
بعد جدل.. برلمان الأردن يقر مشروع قانون الجرائم الإلكترونية

والأساس لتحقيق الركيزتين كان لابد من جذب الاستثمارات، ومن هنا كان الاعتماد والتركيز على ملف الاستثمار بالبلاد، طبقاً لرئيس مركز الدستور للدراسات الاقتصادية، والذي ينوه بإطلاق الأردن في هذا الصدد قانون الاستثمار الجديد الجاذب للبيئة الاستثمارية، وبما يتضمن من البنود المحفزة على الاستثمار في البلاد، علاوة على أن هناك استثمارات حالياً نجحت المملكة في جذبها في العقبة الاقتصادية الخاصة والمدن الصناعية والحرة كافة، وكذلك ارتفعت الصادرات أخيراً بأرقام قياسية تماماً، كما أن القطاع الصناعي تحديداً نجح في تجاوز أرقام قياسية في التصدير، علاوة على السياحة التي حققت أرقام مرتفعة أيضاً.  

كما يشير الداوود إلى الخطوات التي اتخذتها المملكة في الفترات الماضية بالتوجه نحو المشاريع الكبرى من خلال المحاور والتكتلات الإقليمية.

  • بحسب دائرة الإحصاءات العامة، ارتفع حجم الصادرات الأردنية بنسبة 4 بالمئة خلال الثلث الأول من العام الجاري، إلى 2.68 مليار دينار (3.77 مليار دولار).
  • بالنسبة لقطاع السياحة، تشير بيانات المركزي الأردني، إلى ارتفاع إيرادات القطاع خلال الخمسة أشهر الأولى من العام بنسبة 68.4 بالمئة، ليصل إلى نحو 2.03 مليار دنيار (حوالي 2.8 مليار دولار).

وبموازاة ذلك، يتحدث الداوود، عن عدد من التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني، وأهمها البطالة والفقر، وهي التحديات التي "ليس من سبيل للتغلب عليها سوى بالعمل جدياً نحو جذب الاستثمارات".

وتشير أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي الأردني، قبيل أيام، إلى:

  • تراجع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الأول بنسبة 30.5 بالمئة، مقارنة بالربع الأول من العام الماضي.
  • وصل تدفق الاستثمار الأجنبي خلال الربع الأول إلى 200 مليون دينار، مقارنة بـ 288 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وكانت وزيرة الاستثمار الأردنية، خلود السقاف، قد ذكرت في تصريحات لها الأسبوع الماضي، على هامش مرور عام على إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي والقانون الخاص بالاستثمار أقر حديثاً، أن "الاستثمار يحتاج لوقت". ودعت إلى "عدم جلد الذات"، مؤكدة أن المملكة تتمتع بمزايا عدة منها الموقع الجغرافي والأمن.

أدوات اقتصادية واستراتيجيات جديدة

من جانبه، فإن الخبير الاقتصادي الأردني حسام عايش، يقول في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن جذب الاستثمارات الخارجية من السياسات الاستراتيجية للحكومة الأردنية، وبسبب نقص المدخرات الوطنية والحاجة إلى إدخال أدوات اقتصادية جديدة واستراتيجيات وتقنيات جديدة وتوسيع آفاق العملية الاستثمارية وبالتالي إثراء القطاعات الاقتصادية بمزيد من الاستثمارات النوعية.

كل تلك الأمور في صلب أهداف الدولة الأردنية ولهذه الغاية تم إعداد قانون البيئة الاستثمارية وتطوير عديد من الأنظمة والسياسات وتقديم الحوافز والإعفاءات، ومساواة المستثمر الأجنبي بالمحلي، كما تم وضع خطوط أو أدوات تقاضي واضحة المرجعيات في حال وجود أي نزاعات، إضافة إلى اختصار الكثير من الوقت وبالتالي تقليل انتظار إنجاز المعاملة لأي مشروع استثماري بهدف جذب الاستثمارات.

وبالنظر إلى أن الاستثمارات أصبحت أكثر حساسية تجاه الأوضاع الاقتصادية ومؤشرات الاقتصاد الكلي والاستقرار السياسي والمنطقة الإقليمية المحيطة وطبيعة ونوعية الثقافة الاستثمارية والعائد مقابل المخاطرة والسياسات المتبعة في الدول فيما يخص حماية الاستثمارات، وجميعها من المحددات لأية عملية استثمارية، بالتالي فإن الحكومة الأردنية تسعى بقدر ما يمكن أن تحسن مؤشراتها الدولية المختلفة.

لكن على الجانب الآخر، يشير عايش إلى عدم استقرار حجم الاستثمارات الأجنبية في الأردن خلال السنوات الأخيرة؛ لأسباب مختلفة، بعضها اقتصادي داخلي وبعضها إقليمي وبعضها تأثراً بأزمات عالمية مثل جائحة كورونا (..).

وذكرت ورقة بحثية صادرة عن منتدى الاستراتيجيات الأردني، مطلع الشهر الجاري، تحت عنوان "اقتصاديات الاستثمار المحلي والاستثمار الأجنبي المباشر: الدروس المستفادة للأردن"، أن:

  • الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد "استقرت عند مستوى ما دون المليار دولار سنوياً خلال الأعوام الأربعة (من 2018-2021)، لتعاود الارتفاع في العام 2022 وتبلغ حوالي 1.13 مليار دولار، وفقا للأرقام الصادرة عن الأونكتاد".
  • شكلت الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى الأردن بالمتوسط ما نسبته 2.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2016-2022، في حين بلغت خلال الفترة 2010-2015 بالمتوسط ما نسبته 5.3 بالمئة.
  • من 2016 إلى 2021، استقطب الأردن عدداً محدوداً من المشاريع الجديدة الناتجة عن الاستثمار الأجنبي المباشر، بواقع 107 مشاريع أجنبية فقط، مقارنة مع بلدان إقليمية وعالمية استقطبت المئات وحتى الآلاف من المشاريع الأجنبية، مثل مصر (701) مشروعاً، والمغرب (553) مشروعاً، على سبيل المثال، طبقاً للورقة المنشورة.

وفي هذا السياق، ومع عدم استقرار تدفقات الاستثمارات المباشرة، يلفت عايش إلى أن النموذج الاقتصادي الأردني يستند في نموه وحركته إلى أمرين:

  • الأول: المديونية العالية والمستمرة، والتي قد تفوق الـ 115 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي.
  • الثاني: الضرائب والرسوم، حيث العبء الضريبي على الفرد الأردني يتجاوز 26 بالمئة (وبعض الدراسات والتقديرات تقول إنه يصل إلى 30 بالمئة).

ويضيف: الضرائب في الداخل والديون في الخارج كلها لسد عجز الموازنة والوفاء بفوائد هذه المديونية التي تقدر للعام 2023 بحوالي 1.6 مليار دينار، وهذا مستوى مرتفع من هذه المديونية.. موازنة التمويل الملحقة بالموازنة العامة للعام الجاري تكشف عن أن المديونية سوف ترتفع في العام بحوالي 2.3 مليار دينار تقريباً لسد العجز.

وتشير أحدث البيانات الصادرة عن وزارة المالية الأردنية، فيما يتصل بالدين الحكومي، إلى أن:

  • رصيد "الدين الخارجي" في الأردن بلغ حوالي 17.535 مليار دينار، أو ما نسبته 50.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لشهر مايو 2023، مقابل 16.488 مليار دينار في نهاية عام 2022.
  • "خدمة الدين الخارجي" خلال شهر مايو الماضي بلغت نحو 72.5 مليون دينار، في حين بلغت تمديدات الأقساط الخارجية حوالي 194.9 مليون دينار.
  • رصيد "الدين الداخلي" في نفس الفترة بلغ حوالي 13.551 مليار دينار، أو ما نسبته 39.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر، مقابل 14.178 مليار دينار في نهاية عام 2022 .

وانخفض العجز المالي في الموازنة العامة للحكومة الأردنية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بحوالي 489.5 مليون دينار (691.5 مليون دولار)، مقابل عجز مالي بلغ حوالي 561.6 مليون دينار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

أخبار ذات صلة

تراجع قيمة واردات الأردن من النفط ومشتقاته 5.4% بنهاية مايو
ما الذي ينقص الدول العربية للمنافسة في "الذكاء الاصطناعي"؟

مراجعة السياسات الاقتصادية

ويعتقد عايش بأن هذا النموذج الذي يتبعه الأردن يحتاج إلى مراجعة وتطوير وتغيير في كثير من ركائزه، لجهة التحول من نموذج يركز على الاستهلاك للحصول على العائد وعلى الإنفاق الجاري على تمويل عمليات لا مردود لها (الرواتب والأجور ونفقات استثمارية بقيمة 1.6 مليار دينار، تكاد تكون راكدة أو تقليدية ولا تحدث أثراً في النمو الاقتصادي).

ويُحدد الخبير الاقتصادي الأردني لدى حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عدداً من الأولويات التي تدعم الأردن في جذب الاستثمارات الخارجية، من بينها:

  • الأوضاع الاقتصادية في الأردن يفترض أن تكون أكثر تطوراً، ونفقات الموازنة يفترض أن تكون أكثر تدقيقاً وأن ترتبط بالأهداف والنتائج.
  • النفقات الاستثمارية يفترض مراجعتها بالكامل.. عندما نتحدث عن 1.6 مليار دينار فهي تفوق كل المساعدات التي تصل الأردن. وبالتالي فإن دورها يفترض أن يكون استراتيجيا في إحداث عملية اقتصادية مختلفة عن ما يتم حتى الآن.
  • لابد من تحرير الاقتصاد الأردني من كثير من الاحتكارات وسطوة بعض المتنفذين هنا أو هناك على قطاعات رئيسية.
  • يفترض أن تتغير الآليات التي يتم بموجبها توزيع عائد النمو الاقتصادي واستثماره.
  • لابد أيضاً أن تكون لدينا مراجعة مستمرة للعملية الاقتصادية بكل أركانها، بما في ذلك رؤية التحديث الاقتصادي (..).