دفعت الأحداث التي شهدتها الأسواق المالية مؤخراً، بالعديد من الخبراء والبنوك الى إصدار تحذيرات من المؤشرات التي تظهر على أن الأسواق تقترب من "لحظة مينسكي"، وذلك مع ارتفاع مستويات الديون في الأسواق ترافقاً مع الارتفاع الكبير والسريع في نسب الفائدة ونسب التضخم.

وترتعد أسواق المال من "لحظة مينسكي" أو Minsky moment، وهي لحظة الانهيار المفاجئ الكبير والمدوي لقيم الأصول ولأسواق المال والائتمان، كنهاية لمرحلة طويلة من الازدهار.

الاقتصادات تزرع بذور تدميرها

وتستند "لحظة مينسكي" إلى فكرة أن الأسواق والاقتصادات المستقرة، تزرع بنفسها بذور تدميرها، إذ أن فترات الازدهار الطويلة تشجع على المخاطرة والمضاربة، وعلى الاعتقاد أن أسعار الأصول ستستمر بالارتفاع.

أخبار ذات صلة

انهيار مصرف كريدي سويس يثير قلق عالم الرياضة
الذهب يعزز مكاسبه مع اقتراب نهاية دورة التشديد النقدي

ففي ظل إنخفاض أسعار الفائدة، تتزايد شهية المضاربين، على تمويل عمليات المضاربة الجديدة في البورصات من خلال الاقتراض المتزايد، حتى تصل اللحظة التي ترتفع فيها الفائدة، وتتوقف أسعار الأصول عن الإرتفاع، عندها يصبح المضاربون متورطين في ديون وغير قادرين على سداد أقساطها، وبالتالي يضطرون إلى البدء في بيع أصولهم. ويدفع زيادة المعروض من الأصول، الأسعار نحو المزيد من الانخفاض، ويؤدي إلى عمليات بيع هائلة ومن ثم انهيار في الأسعار والأسواق.

من وراء لحظة مينسكي؟

ومصطلح "لحظة مينسكي" وضعه الاقتصادي الأميركي بول ماكلوي، مدير شركة بيمكو المالية في عام 1998، لوصف الأزمة المالية الروسية، وذلك كرد اعتبار للاقتصادي الأميركي هايمن مينسكي الذي حذر من اقتراب وقوع كارثة مالية، بسبب رفع القيود المالية التي كانت مفروضة في الثمانينيات، ولكنه توفي عام 1996 دون أن تنال أفكاره أي قدر من الاهتمام.

أزمة العام 2008
شكلت الأزمة المالية العالمية عام 2008، آخر مرة تم الإعلان خلالها عن "لحظة مينسكي"، والتي جاءت بعد فترة طويلة من المضاربة، وزيادة نسبة الديون في القطاع المصرفي، وأدت في النهاية إلى عمليات بيع ضخمة في الأصول، لتغطية الديون ومعدلات كبيرة من التخلف عن السداد.

ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم، هل ما حدث انطلاقاً من أزمة بنك سيلكون فالي الأميركي، وصولاً إلى أزمة كريدي سويس السويسري، يعني حقا أن هناك "لحظة مينسكي" أخرى تلوح في الأفق؟

يقول المدير التنفيذي لشركة "انترماركت استراتيجي" أشرف العايدي، في حديث لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "لحظة مينسكي" هي المرحلة التي يكون فيها المستثمرون مجبرين على بيع أصولهم وممتلاكاتهم، لتسديد القروض الملزمين على دفعها، وهذا تحديداً ما حصل في حالة بنك سيلكون فالي الذي وضع سيولة كبيرة في السندات الأميركية، واضطر لبيعها بخسارة، بهدف الحصول على السيولة النقدية، مشيراً إلى أن هذا الوضع لا ينطبق على جميع المصارف، ومن هنا فإن العايدي لا يعتقد أن النظام المالي قريب من لحظة مينسكي.

أخبار ذات صلة

لاغارد: منطقة اليورو تواجه "مخاطر جديدة" بعد أزمات البنوك
البتكوين.. هل تصل لمستويات 100 ألف دولار في 2023؟

أين يجب أن تركز الأسواق اليوم؟
ويرى العايدي أن ما يجب أن تركز عليه الأسواق حالياً، هو الهبوط الآتي في "القرض المالي"، مشيراً إلى أننا سنشهد هبوطاً ملحوظاً في القروض، التي تمنحها البنوك وحتى البنوك الكبيرة، مثل جيه بي مورغان وويلز فارغو وبنك أوف أميركا، وذلك بسبب المنافسة التي تشكلها صنادق الاستثمار على المصارف.
ويشرح العايدي أن صناديق الاستثمار التي تتخصص في أدوات مالية آمنة، مثل السندات الحكومية، وسندات الشركات ذات المخاطرة المنخفضة، تدفع أسعار فائدة مرتفعة وأعلى من تلك التي تدفعها المصارف، ولذلك فإن المستثمرين من مؤسسات وشركات مالية وصناديق تحوط وحتى أفراد، سيضعون أموالهم في صنادق الاستثمار للاستفادة من الفوائد المرتفعة، وبالتالي فإن النتيجة ستتمثل في هبوط الودائع الجديدة لدى البنوك الكبيرة، لصالح صناديق الاستثمار.
ويضيف العايدي أن التباطؤ في السيولة الجديدة في البنوك، سيجبرها على تخفيض قروضها، فانخفاض السيولة يقابله انخفاض في القروض.

أخبار ذات صلة

نيوفيجن: البنوك المركزية فشلت حتى الآن في مهمتها الرئيسية
موديز تستبعد تكرار أزمة كريدي سويس بالبنوك الأوروبية الكبرى

أزمة سياسية عسكرية

من جهته لا يرى الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة في حديث لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن عناصر لحظة مينسكي متوافرة في الأسواق المالية راهناً، "فصحيح أن الأوضاع العالمية صعبة، لكنها ناتجة عن أمور عدة ليست فقط مصرفية"، مشيراً إلى أن نظرية مينسكي ترتكز على أن النظام المصرفي المالي تشوبه مشاكل، خصوصاً قضية الديون التي تنعكس على الأسواق وتحدث انهياراً.
ويرى حبيقة أن الأزمة التي يعاني منها العالم اليوم هي سياسية عسكرية، تنعكس مشاكل في الاقتصاد، وبالتالي فإن الوضع الاقتصادي العالمي الصعب، أساسه الحرب الروسية الأوكرانية والتوتر بين جبهتين كبيرتين، هما الصين وروسيا من جهة وأميركا وحلفائها من جهة أخرى، مشيراً إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية، فرضت زيادة الفوائد لمحاربة التضخم، ما يعني أن المشكلة ليست أزمة ديون كما تقول نظرية مينسكي.
وبحسب حبيقة لن تكون هناك انهيارات في البورصات والمصارف، ولكن ذلك لا يعني أن الأمور تسير كما يرام، فالوضع الاقتصادي العام متوتر والأمور تتطلب عناية، بدء من وقف الحرب، متوقعاً حدوث تعثر في النمو.