يتجه لبنان بخطى ثابتة نحو تكرار سيناريو الانهيار الاقتصادي الفنزويلي، فيما يتعلق بقيمة العملة المحلية ومستويات التضخم غير المسبوقة.

وما يساهم في سلوك لبنان هذا المسار، يعود للقرارات التي تتخذها الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي، ففي الوقت الذي كانت فيه الليرة تسجل انهياراً جديداً، لتلامس مستوى 90 ألف ليرة للدولار الواحد في السوق السوداء، تفاجأت الأسواق بإعلان الحكومة أنها وافقت وبناءً على طلب من وزير المالية، على رفع سعر الدولار الجمركي من 15 ألف ليرة لبنانية إلى 45 ألف ليرة.

ويهدف هذا القرار الذي سينعكس مزيداً من التضخم بالأسعار ومزيداً من طباعة العملة اللبنانية، إلى زيادة إيرادات الخزينة لدفع المساعدات الاجتماعية لموظفي القطاع العام وزيادة مخصصات بدل النقل الخاص بهؤلاء.

أخبار ذات صلة

حتى الموت في لبنان صار مكلفا.. وبالدولار
لبنان على شفير الانفجار.. حرائق في المصارف وبورصة في المتاجر

على خطى فنزويلا

هذا المسار من الحلول الذي تعتمده الدولة اللبنانية، مشابه تماماً للطريقة التي اعتمدتها فنزويلا خلال أزمتها الاقتصادية، عندما بدأت بطباعة عملتها "البوليفار"، لتمويل زيادة الحد الأدنى للأجور ما أدى إلى تعميق انهيار البوليفار إلى مستويات تاريخية أمام العملات الأجنبية، ودفع أغلب الأسواق والمتاجر لعرض منتجاتها بالدولار الأميركي بدلاً من البوليفار، إذ أصبح الدولار الأميركي العملة الفعلية في البلاد.

يتكرر هذا السيناريو تحديداً اليوم في لبنان مع دخول قرار تسعير السلع في المحال التجارية بالدولار الأميركي حيز التنفيذ رسمياً، إثر عدم قدرة المتاجر على الاستمرار بالتسعير بالعملة اللبنانية، التي تتغير قيمتها بين ساعة وأخرى، تحت ضغط مضاربي السوق السوداء الذين باتوا يتحكمون في السوق بسبب الحجم الضخم للكتلة النقدية بالعملة اللبنانية المتوافرة في الأسواق، والتي وصلت إلى 97.08 تريليون ليرة لبنانية مع نهاية العام 2022.

وفي وقت كان يحاول فيه العديد من الخبراء الاقتصاديين، عدم إعطاء أرقام للمستويات التي يمكن أن تصل إليها الليرة اللبنانية، لعدم استغلال هذه التوقعات من المضاربين في السوق السوداء، إلا أن الخطوات التي تستمر الحكومة اللبنانية باتخاذها، والتي تظهر أنها تساهم عن قصد بأخذ الأمور إلى الانهيار، دفعت بهؤلاء إلى دق جرس الإنذار والتنبيه من أن تغذية التضخم ستكون نتائجه كارثية على العملة اللبنانية.

تأثيرات رفع الدولار الجمركي

هذا الرأي أكد عليه الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي الذي قال في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن لبنان يسير على طريق الانهيار الكبير، فالحكومة اللبنانية لم تتفهم حتى الساعة أن التصحيحات التي تقوم بها من خلال ضخ مزيد من العملة الوطنية من دون أن يقابلها دولارات في المقلب الآخر، تتسبب بانهيار إضافي لسعر صرف الليرة، مشيراً إلى أن رفع الدولار الجمركي من 15 إلى 45 ألف ليرة، يعني أن الغلاء سيبدأ بأسعار بعض المنتجات الغذائية والأجهزة الكهربائية والخلوية والسيارات والدراجات وكافة السلع المستوردة، كما سينعكس ذلك بأسعار الخدمات، لافتا إلى أن السوق ومن جراء هذا القرار، ستحتاج لمزيد من الأموال بالعملة المحلية حيث سيقوم المركزي بطباعة وضخ المزيد من الليرة اللبنانية لتلبية الطلب وتمويل نفقات الدولة.

ويرى يشوعي أن الكتلة النقدية الكبيرة بالليرة اللبنانية الموجودة في السوق حالياً، قد يصل حجمها الى 200 تريليون ليرة، مع إصرار الحكومة على الهروب إلى الأمام وضخ المزيد منها في السوق، ومن هنا لم يستبعد يشوعي وفي حال استمرار هذا النهج أن نصل إلى وقت نسمع فيه أن كل دولار أميركي، بات يساوي مليون ليرة لبنانية، في وقت تكبر فيه الفجوة بين الكتلتين النقديتين بالليرة والدولار .

أخبار ذات صلة

الاحتجاجات تتأجج مجددا.. انهيار الليرة اللبنانية ينذر بالخطر
الدولار يواصل جرف الليرة اللبنانية إلى قاع غير مسبوق!

ويؤكد يشوعي أن تصحيحات الأجور بالليرة لن تجدي نفعاً ولن توصل إلى أي مكان، مشيراً إلى أن التصحيح يكون بالليرة وبالدولار، وذلك من خلال محاسبة المسؤولين عن فقدان وتبخر عشرات مليارات الدولارات العائدة للبنانيين والتي كانت مودعة في المصارف، واسترداد ما يمكن استرداده منها.

وبحسب يشوعي فإنه لا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة، إذ أن لبنان يعاني من عدم استقرار حاد، متوقعاً أن نصل فيه إلى وقت يرفض فيه المواطنون التعامل بالليرة، في وقت يتجه فيه لبنان بشكل أكبر إلى الدولرة، ولكن من دون عملة كافية بالدولار، وهذا ما سيتسبب بانفجار اجتماعي.

طباعة العملة تدعم التدهور

أظهرت الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي اللبناني أن مؤشر تضخُّم الأسعار سجل زيادة نسبتها 121.99 في المئة خلال عام 2022، وذلك نتيجة إرتفاع أسعار المواد الغذائية والماء والكهرباء والمحروقات وأسعار التعليم والاتصالات، حيث يؤكد الخبراء أن أي خطوة من مصرف لبنان لوقف التدهور الحاصل لسعر العملة اللبنانية، وفي حال لم يترافق مع التوقف عن طبع العملة، ستكون نتائجه الإيجابية آنية ولا تتعدى الأيام المعدودة، فطباعة العملة بالشكل الحاصل لن ينعكس إلا مزيداً من التدهور.

ويقول رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان بشارة الأسمر في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الاتحاد رافض لقرار رفع الدولار الجمركي إلى 45 ألف ليرة، فهو صدر بشكل مفاجئ وتم من دون التشاور مع الاتحاد أو مع الهئيات الاقتصادية، مشيراً إلى أن رفع الدولار الجمركي لتمويل المساعدات المالية، التي ستقدم لموظفي القطاع العام خطوة ستنعكس ارتفاعاً في أسعار السلع، ما يعني أن الموظف سيدفع الزيادة التي حصل عليها من جيبه، خصوصاً أن لبنان بلد يستورد أغلب احتياجاته.

أخبار ذات صلة

الدولار يوسّع نفوذه.. هل بدأ لبنان بالتخلي طوعاً عن عملته؟
قرار من مصرف لبنان يُفقد الليرة 90 بالمئة من قيمتها رسميا

وتخوف الأسمر من أن يكون قرار رفع الدولار الجمركي إلى 45 ألف مقدمة لرفع دولار الـ TVA إلى 45 ألف ليرة أيضاً من 15 ألف ليرة حالياً، وهو ما ستكون تداعياته كارثية، ويزيد من الهموم والقهر في المجتمع، لافتاً إلى أن تضاعف سعر الدولار الجمركي ثلاث مرات، سيتبعه ارتفاع في أسعار العديد من السلع وحتى بعض المواد الغذائية.

وبحسب الأسمر فإن الحكومات التي توالت على لبنان منذ عام 2019 لم تقم بأي خطوة مدروسة، وهي لم تقم حتى اليوم بأي مشروع إنقاذي، بل أنها تقوم بحل الأمور بطريقة عشوائية، مشيراً إلى أن الاتحاد العمالي العام سيجتمع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومع وزير المالية ومع الهيئات الاقتصادية، لمحاولة فهم ما يحصل ومن ثم اتخاذ الموقف المناسب والذي سيكون رافضاً لما حصل.

وختم الأسمر حديثه بالقول إن الوضع في لبنان يتدحرج وقد يؤدي الى كوارث اجتماعية.