على الرغم من صمود الاقتصاد الروسي ومرونته في مواجهة العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها الدول الغربية لتكثيف الضغط على موسكو ودفعها لإعادة النظر في حربها ضد أوكرانيا، غير أن الشقوق بدأت بالظهور في منظومة الاقتصاد الروسي بعد مرور عام على الأزمة الأوكرانية.

وتزداد التوقعات باتساع هذه الشقوق في الأشهر المقبلة، بحسب خبراء اقتصاد، استندوا في توقعاتهم إلى إعلان الحكومة الروسية عن عجز في الميزانية بنحو 23.5 مليار دولار في يناير الماضي مع ارتفاع الإنفاق 59 بالمئة على أساس سنوي وتراجع الإيرادات بنسبة 35 بالمئة.

وأوضح الخبراء في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الأزمة الأوكرانية تركت أثراً اقتصادياً استراتيجياً دولياً وأثراً ضخماً على الطاقة في العالم، مشيرين إلى أن روسيا حتى الآن ربحت حرب الطاقة مع الغرب، إلا أن أزمة الطاقة التي بدأت أوروبية تحولت بفعل الحرب إلى أزمة طاقة عالمية، مع تحول اتجاه صادرات الطاقة الروسية من الغرب إلى الشرق، أي من الاتحاد الأوروبي والدول الغربية إلى منطقة حوض المحيط الباسيفيكي.

وفي حين توقعت جهات ومؤسسات دولية عدة انهيار الروبل وانكماش الاقتصاد الروسي بين 10 و20 بالمئة، انكمش الاقتصاد 2.1 بالمئة في 2022 مقارنة بنمو 5.6 بالمئة على أساس سنوي عام 2021، بحسب هيئة الإحصاء الاتحادية الروسية، التي أرجعت الانكماش إلى "تداعيات قرار إرسال عشرات الآلاف من الجنود إلى أوكرانيا في فبراير 2022".

أخبار ذات صلة

المقترح الصيني.. كيف ردت أوكرانيا وروسيا والغرب؟
رسائل وتصعيد.. كيف أحيا العالم ذكرى حرب أوكرانيا؟

9 حزم من العقوبات

فرضت الدول الغربية مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، تسع حزم عقوبات متشددة على روسيا، شملت أكثر من ستة آلاف عقوبة في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والبنكية والعسكرية والعلمية، فضلاً عن فرض حد أقصى لسعر برميل النفط الخام الروسي المنقول بحراً عند 60 دولاراً، وفرض سقف سعر على المشتقات النفطية الروسية بواقع 100 دولار للبرميل للمنتجات الأعلى سعراً مثل وقود الديزل والبنزين في حين تحددت قيمة المنتجات الأقل جودة عند 45 دولاراً للبرميل.

بدء ظهور الشقوق في منظومة الاقتصاد الروسي

الخبير الاقتصادي علي حمودي يقول في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا قبل عام، ردت الدول الغربية بفرض عقوبات غير مسبوقة من أجل معاقبة موسكو وتكثيف الضغط على الرئيس فلاديمير بوتين، بهدف توجيه ضربة اقتصادية شديدة تدفعه لأن يعيد النظر في حربه، ونتيجة لذلك ضعف الاقتصاد الروسي، لكنه بالمقابل أظهر مرونة مدهشة".

وأضاف أنه مع انخفاض الطلب على النفط الروسي في أوروبا، أعادت موسكو توجيه صادراتها النفطية إلى آسيا، كما نجا البنك المركزي في البلاد من أزمة العملة بضوابط صارمة على رأس المال ورفع أسعار الفائدة، ودعم الإنفاق العسكري القطاع الصناعي، بينما أدى التدافع لاستبدال المعدات والتكنولوجيا الغربية إلى زيادة الاستثمار".

لكن حمودي يشير إلى أن الشقوق بدأت بالظهور في منظومة الاقتصاد الروسي على الرغم من مرونته، وربما تتسع هذه الشقوق خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، إذ قطع الاتحاد الأوروبي - الذي أنفق أكثر من 100 مليار دولار على الوقود الأحفوري الروسي في عام 2021 - خطوات كبيرة في التخلص التدريجي من عمليات الشراء، كما أن الاتحاد الأوروبي الذي قلل بشكل كبير من اعتماده على الغاز الطبيعي الروسي العام الماضي، حظر رسميا معظم واردات النفط الخام الروسي عن طريق البحر في ديسمبر الماضي، وسن حظراً مشابهاً على المنتجات النفطية المكررة هذا الشهر، وهذه الإجراءات تؤدي بالفعل إلى إجهاد الموارد المالية لروسيا".

أخبار ذات صلة

عام الحزن والتحدي.. كيف يرى الروس الحرب؟
12 بندا.. تفاصيل المقترح الصيني للسلام في أوكرانيا

انتهاء عصر "أرباح روسيا الضخمة"

ومع إعلان الحكومة الروسية عن عجز في الميزانية بنحو 1.761 مليار روبل (23.5 مليار دولار) في يناير الماضي وارتفاع الإنفاق بنسبة 59 بالمئة على أساس سنوي وتراجع الإيرادات بنسبة 35 بالمئة، يمكن القول بأن عصر الأرباح الضخمة لروسيا من سوق النفط والغاز قد انتهى على الأقل بالنسبة للمستقبل المنظور، طبقاً لحمودي الذي أكد "أن مراهنة روسيا على أن الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم ستدعمها على حساب تجارتها مع الولايات المتحدة لم تتحقق، لأن المصالح هي التي تتكلم بالنهاية والصين لن تضحي بنحو 550 مليا دولار سنوياً من تجارتها مع الولايات المتحدة  من أجل عيون بوتين الزرقاء".

أزمة الطاقة.. بدأت أوروبية وأصبحت عالمية

 من جانبه، يشرح خبير النفط العالمي الدكتور ممدوح سلامة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية أن "نزاع أوكرانيا ترك أثراً اقتصادياً استراتيجياً وأثراً ضخماً على الطاقة في العالم، فروسيا حتى الآن ربحت حرب الطاقة مع الغرب، لكن أزمة الطاقة التي بدأت كأزمة أوروبية قد تحولت بفعل أزمة أوكرانيا إلى أزمة طاقة عالمية مع تحول اتجاه صادرات الطاقة الروسية من الغرب إلى الشرق أي من الاتحاد الأوروبي والدول الغربية إلى منطقة حوض المحيط الباسيفيكي".

ويضيف خبير النفط العالمي: "من الناحية الاستراتيجية، فإن أزمة أوكرانيا قد عجلت في بروز "البترويوان" الصيني كعنصر نفطي أساسي في العالم على حساب "البترودولار" الأميركي، كما عجلت في بروز الروبل الروسي والروبية الهندية كعملتين نفطيتين، فالعقوبات الغربية غير المسبوقة والحظر المفروض على صادرات النفط الروسي ومشتقاته وسقف السعر المفروض عليهما جميعها فشلت في التأثير على اقتصاد روسيا أو إيراداتها من صادرات الطاقة أو حجم الصادرات والدليل على ذلك أن صادرات روسيا من النفط ومشتقاته في يناير الماضي بلغت 8.2 مليون برميل أي أعلى مما مانت عليه قبل النزاع الأوكراني وأعلى من المعدل الذي وصلته في عام 2022 ألا وهو 7.8 مليون برميل في اليوم".

توقعات بعودة أوروبا لشراء الغاز الروسي

 أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فيوضح سلامة أن نزاع أوكرانيا كلف ما يزيد عن تريليوني دولار، منها 800 مليار دولار كدعم لفواتير الطاقة لشعوب الدول الأوروبية ودعم مالي ومعدات عسكرية ترساها أوروبا إلى أوكرانيا، إضافة إلى دعم لقطاعات اقتصادية صناعية في الاتحاد الأوروبي لتشجيع الشركات التي غادرت الاتحاد الأوروبي بسبب غلاء أسعار الطاقة إلى دول أسعار الطاقة فيها أقل".

وتوقع خبير النفط العالمي أن يعود الاتحاد الأوروبي خلال أقل من عامين إلى شراء النفط الروسي الرخيص، لأن اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي بني منذ السبعينات على الغاز الروسي الرخيص وبالتالي حتى تعيد الدول الأوربية بناء اقتصادها يتوجب عليها استيراد الغاز الروسي الذي هو يعد سعره اقل بكثير من سعر الغاز السائل.

أخبار ذات صلة

روسيا وأوكرانيا.. محطات ومعارك
في ذكرى الحرب.. أميركا تفرض عقوبات ورسوم جديدة على روسيا

انكماش طفيف

من جهته، يلفت رائد الخضر رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة "Equiti" إلى أن معهد التمويل الدولي توقع في مارس الماضي أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 15 بالمئة بحلول نهاية العام 2022 ومع ذلك يبدو أن الاقتصاد الروسي تقلص خلال العام الماضي بنسبة أقل بكثير، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد الروسي انتعاشاً طفيفاً بنسبة 0.3 بالمئة في عام 2023.

وفي غضون أيام من الحرب، شهد البنك المركزي الروسي تجميد أصول أجنبية بقيمة 300 مليار دولار، وفي الأسابيع والأشهر التالية تحركت الحكومات الغربية لمنع كل الاستثمارات الأجنبية، وتم فصل ثلاثة أرباع القطاع المالي الروسي عن شبكة مدفوعات SWIFT، ومنع الصادرات من المكونات عالية التقنية، فضلاً عن توقف الرحلات الجوية والشحن وخدمات الصيانة والتأمين إلى روسيا، وفقاً للخضر.

كيف تعامل البنك المركزي الروسي مع التحديات؟

يجيب الخضر على هذا التساؤل يقوله: " من خلال ضوابط رأس المال والارتفاعات الشديدة في أسعار الفائدة تجنب البنك المركزي الروسي أزمة مالية كارثية في ربيع عام 2022، علاوة على ذلك ستوفر الاحتياطيات المالية المتبقية للحكومة وسادة لبعض الوقت في المستقبل، إذ شهد البنك المركزي عقوبات غير مسبوقة من خلال تجميد الولايات المتحدة وأوروبا أصوله الموجودة في الأراضي الأميركية بهدف منعه من استخدام احتياطياته الأجنبية لدعم الروبل، كما مُنعت العديد من البنوك الروسية من الانضمام إلى نظام سويفت".

وفي غضون ذلك، عاقبت وزارة الخزانة الأميركية بنكين روسيين كبيرين وحظرت تداول الأوراق المالية الصادرة في روسيا، وأدى ذلك إلى انخفاض قيمة الروبل إلى مستوى قياسي مقابل الدولار قبل أن تبدأ العملة في التعافي مرة أخرى وتراجع المركزي الروسي تدريجياً عن الزيادة الطارئة لسعر الفائدة بمقدار 20 بالمئة التي أقرها في فبراير 2022 بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، وأبقى على أسعار الفائدة ثابتة عند مستوى 7.5 بالمئة منذ خفضها آخر مرة في سبتمبر الماضي، بعد أن أنهى دورة خفض الفائدة التي استمرت لأشهربحسب ما قاله رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة Equiti.