رغم استقالة 3 من وزراء حكومتها التي لم تُكمل شهرين لأسباب مختلفة وتبدو سياسية، إلا أن الخبراء أكدوا لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الإطاحة برئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس، أصبحت في حكم الأمر المنتهي وسيكون سببها الأول برنامجها الاقتصادي الذي فشل مبكرا جدا.

  • ليز تراس تولت رئاسة الحكومة البريطانية في 6 سبتمبر الماضي، وهي آخر رئيسة وزراء في عهد الملكة الراحلة إليزبيث الثانية التي توفيت في 8 من الشهر ذاته.
  • والأربعاء استقالت وزيرة الداخلية، سويلا برايفرمان، من حكومة تراس، لأسباب عزتها الوزيرة المستقيلة أنها شخصية تتلق بمخالفة فنية للقواعد، ومخاوف جدية إزاء التزام الحكومة باحترام الالتزامات التي تعهدت بها للناخبين خلال الانتخابات الأخيرة.
  • في 14 أكتوبر الجاري أقالت تراس وزير المالية كواسي كوارتنغ، عقب أزمة متعلقة بتراجعها عن الموازنة المصغرة وقرارات خفض الضرائب.
  • في 7 أكتوبر الجاري قررت تراس إقالة وزير السياسة التجارية كونور بيرنز، إثر ادعاءات بارتكابه "سلوكا جسيما غير لائق".

أخبار ذات صلة

3 استقالات في شهر.. هل بات رحيل تراس وشيكا؟
الوزيرة المستقيلة توجه "ضربة مبطنة" لتراس.. والأزمات تتوالى

نسف برنامج تراس الاقتصادي

المحلل الاقتصادي في جريدة فايننشال تايمز البريطانية، أنور القاسم، قال إنه من الواضح تماما أن البرنامج الاقتصادي لـ ليز تراس قد نُسف من أساسه بالكامل، بمعنى آخر فالميزانية المصغرة التي طرحتها وتسلمت السلطة بناءً عليها، تقوم على خفض الضرائب على الفقراء والأغنياء وتمويل العجز عبر الاقتراض، كل هذه البنود نسفت بالكامل من جانب وزير الخزانة الجديد جيرمي هانت.

القاسم قال في حديثه من لندن لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن ليز تراس بذلك لم يعد لديها برنامج اقتصادي ولا سياسي، وأنها استنفذت كل الخيارات وربما تكون صاحبة أقصر فترة في منصب رئيس الوزراء بتاريخ بريطانيا.

وأشار إلى أن كل التحليلات السياسية والاقتصادية في البلاد تؤكد أن تراس أعطت عجلة القيادة لوزير الخزانة الجديد الذي تحدث عن خطته بشكل واسع، وألغى كل القرارات التي تم اتخاذها، وبالتالي أصبحت الحكومة أقرب إلى فكر وزير الخزانة السابق والمرشح لرئاسة الوزراء ريشي سوناك الذي نافس تراس بقوة قبل وصولها للمنصب.

وأوضح أنه في ظل هذا الوضع فقد انتهى المبرر الذي وصلت به تراس للحكم والمتمثل في الأساس بحل مشاكل الاقتصاد وتخفيض الضرائب وغيره من بنود، وهناك بالفعل أكثر من 100 مشرع وعضو بحزب المحافظين قدموا لرئيس الحزب وثيقة لإقالة رئيسة الوزراء فورا أو حجب الثقة عنها، ولكن رئيس الحزب طالب بإعطاء وزير الخزانة الجديد فرصة لتهدأ الأسواق.

صحيفة تسخر من ليز تراس بفيديو مباشر على يوتيوب

وأشار إلى أن الفرصة تتمثل في أن وزير الخزانة سيقدم ميزانية متوسطة بدلا من الميزانية المصغرة التي قدمتها تراس وألغيت، الميزانية الجديدة تفرض مزيدا من الضرائب مع تقديم دعم فواتير الطاقة لمساعدة الناس على تجاوز الشتاء.

وتساءل القاسم: "هل هذا هدأ الأسواق؟ حتى الآن الأسواق لم تهدأ، والجنيه الاسترليني انخفض بشكل كبير، وبالتالي فالجميع ينتظر حتى نهاية هذا الشهر لرؤية ما إذا كانت الخطة الجديدة لرئيسة الوزراء ستهدئ الأسواق ومخاوف السياسيين والاقتصاديين والشعب، وهذا مشكوك في حدوثه".

واستطرد أن البنك المركزي البريطاني حاليا يقود عمليات كبيرة لبيع وشراء السندات، ففي حالات الاضطرابات تلجأ الدول لثلاث وسائل لتعزيز الاقتصاد، والتضخم في بريطانيا الآن تخطى 10 بالمئة، وهي النسبة الأعلى منذ 40 عاما، فالبنك لجأ أولا لتشديد السياسة النقدية وألغى القروض العقارية وهو ما ينذر بأزمة عقارية كبيرة في بريطانيا، والعقارات أحد أعمدة الاقتصاد البريطاني.

القاسم قال إن البنك المركزي البريطاني لجأ أيضا إلى رفع الفائدة 7 مرات ومن المرجح أن يرفعها ليصل إلى المرة العاشرة، مما يزيد من الأسعار والتكلفة والأعباء على الاقتصاد البريطاني ولكنه خيار لا تراجع عنه حتى وأن كان مُرا.

والخطوة الثالثة التي لجأ لها بنك إنجلترا بحسب القاسم هي بيع السندات لجمع النقود وتوفيرها للشركات لتيسير أعمالها، ولكن نظرا لسوء الوضع لجأ البنك المركزي لسياسة مناقضة وهي شراء السندات مرة أخرى خشية من توغل البنوك البريطانية بشراء سندات المعاشات والشركات الصغرى مما ينتج عنه اضطرابات في البلاد.

وشدد على أنه نظرا لكل ذلك فمسألة رحيل تراس عن منصب رئيسة الحكومة باتت مسألة منتهية ولا نقاش فيها، والمنتظر حاليا هو إلى أي وقت ستستطيع أن تصمد.

نقص الخبرة فاقم أزمة الاقتصاد

قال الأكاديمي المتخصص في الشأن البريطاني محمد أبو العينين، "في تقديري أن الجانب الاقتصادي له دور أساسي في هذه الاستقالات، ولكن الأزمة أكبر وأبعد منه، تتمثل في وجود أزمة قيادة وأزمة داخل حزب المحافظين ناتجة عن وجود حالة انقسام واستقطاب ما بين كتلة متمسكة بالميراث التقليدي لحزب المحافظين، وكتلة أخرى ترى أنه يجب أن يكون هناك تغير في سياسات الحزب ومراعاة اعتبارات أخرى سياسية".

أبو العينين تحدث من لندن لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلا إن هذا الانقسام داخل الحزب تجلى في الدعم الذي حصل عليه ريشي سوناك وحالة الانقسام ما بين مؤيدي ليز تراس، ولكن في الحقيقة إن تراس ارتكبت مجموعة من الأخطاء لأنها ناقصة التأهيل وبحسب المراقبين لا تتوافر لديها الخبرة التي تؤهلها لموقع رئاسة الوزراء.

أخبار ذات صلة

في مواجهة المعارضة.. هل ستنجو تراس بمركبها؟
من جديد.. التضخم السنوي في بريطانيا فوق 10 بالمئة

وأكد أن نقص خبرة ليز تراس لم يمكنها من القيام بعمل توافق بين الأقطاب المتقسمة والمتصارعة داخل حزب المحافظين، ولجأت في تشكيل الحكومة للخيار الأسهل وهو تعيبن الوزراء من التيار المؤيد لها ولم تتبع سياسة المصالحة داخل الحزب، مما عجل بانفجار الأوضاع مبكرا.

وشدد على أن عدم التوافق الكبير على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من الأسباب التي تحاصر تراس أيضا، بالإضافة إلى حدوث استنزاف للمرحلة التي بقي فيها حزب المحافظين في السلطة وسياساته التي أثرت على مستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطن البريطاني.

"وبالتالي فأن كل هذه الأسباب تواكبت مع بعضها البعض ونتج عنها تعمق الأزمة الاقتصادية وتردي الأوضاع بالبلاد وغلاء المعيشة بشكل غير مسبوق وانهيار عملة بريطانيا (الجنيه الاسترليني)، ومن ثم فالأزمة لها أبعاد سياسية نتج عنها سوء الوضع الاقتصادي مما عجل بتوجيه الضربة القاضية لـ ليز تراس" بحسب ما قال الأكاديمي المتخصص في الشأن البريطاني محمد أبو العينين.

وقال إنه في تقديره يعتبر أن ليز تراس باتت بالفعل خارج الحكم، وأن الوقت فات عليها لتجري أي تعديلات لإنقاذ برنامجها الاقتصادي أو إنقاذ نفسها.

بريطانيا.. ليز تراس تعترف بارتكاب أخطاء متعلقة بالاقتصاد