قفز التضخم في منطقة اليورو إلى مستوى قياسي جديد وسيصل قريبا إلى خانة العشرات، وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى سلسلة من الزيادات الكبيرة في معدلات الفائدة حتى في الوقت الذي بات فيه الوقوع في براثن ركود مؤلم أمرا مؤكدا على نحو متزايد.

وقفزت أسعار المستهلكين أكثر مما كان متوقعا في أغسطس مدفوعة بارتفاع أسعار الغاز فضلا عن جفاف مدمر، وهناك ارتفاعات أخرى متوقعة، مما يزيد من معاناة الأسر والشركات لأن التضخم ببساطة يلتهم احتياطياتها النقدية.

وهذا التزامن بين الأسعار المرتفعة والنمو المنخفض، والذي يشار إليه غالبا بالركود التضخمي، لا يترك للبنك المركزي الأوروبي سوى خيارات مؤلمة من شأنها أن تزيد من معاناة سكان منطقة اليورو البالغ عددهم 340 مليون نسمة.

أخبار ذات صلة

التضخم يفترس منطقة اليورو بمستويات "غير مسبوقة" في أغسطس
اقتصاد تركيا يفوق التوقعات بنمو 7.6 بالمئة في الربع الثاني

ومما يزيد من صعوبة الموقف بالنسبة للبنك، أن إجراءات التحفيز وتيسير السياسة النقدية التي قد يتخذها لن تؤدي إلا إلى زيادة التضخم وإلحاق الضرر في نهاية المطاف بمصداقيته، مما يهدد أسس تفويضه في مكافحة التضخم.

لكن تشديد السياسة النقدية سيبطئ النمو أكثر، مما يفضي إلى زيادة شبه مؤكدة في وتيرة التراجع الاقتصادي من بداية موسم التدفئة في أكتوبر.

أخبار ذات صلة

للشهر الخامس.. رفع الفائدة يطفئ من بريق الذهب
4 أسباب تضع اليورو على شفا الهاوية

وفي نهاية المطاف، سيختار صانعو السياسة في المركزي الأوروبي مكافحة التضخم ليرفعوا على الأرجح، وفي مسعى لكبح جماحه، معدلات الفائدة في كل اجتماع متبق هذا العام، مما يرفع تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات والأسر، حتى في ظل شح الموارد المالية بالفعل.

بل إن أرقام التضخم اليوم ستقوي الحجة من أجل رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة بدرجة كبيرة للغاية بواقع 75 نقطة أساس الأسبوع المقبل، وسيتعين على أصحاب نهج التيسير النقدي أن يخوضوا معركة شاقة لخفض الرفع إلى 50 نقطة أساس، وهي وتيرة لا تزال كبيرة.

تسارع التضخم

وتسارع التضخم في 19 دولة تشترك في العملة الأوروبية الموحدة إلى 9.1 في المئة في أغسطس من 8.9 في المئة في الشهر السابق عليه وتجاوز التوقعات مرة أخرى مع زيادة ضغوط الأسعار.

وقال كريستوف ويل، الخبير الاقتصادي في "كومرتس بنك": "من المرجح أن يقفز معدل التضخم في سبتمبر... وبالتالي، فإن الضغط على البنك المركزي الأوروبي لمواصلة رفع أسعار الفائدة بدرجة كبيرة من المرجح أن يظل مرتفعا".

أخبار ذات صلة

هل يرفع المركزي الأوروبي الفائدة بـ 75 نقطة أساس في سبتمبر؟
باول يؤكد مواصلة رفع الفائدة الأميركية رغم الآلام الاقتصادية

وفي حين أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية والطاقة لم يكن مفاجئا، فإن القفزة في تكاليف الخدمات والتضخم البالغ خمسة بالمئة في أسعار السلع الصناعية غير المرتبطة بالطاقة من الواضح أنها ستقلق صانعي السياسة في المركزي الأوروبي.

وسيثير قلقهم أيضا الارتفاع المستمر في الأسعار في قطاعات أخرى ذات صلة، مما يشير إلى أن التكاليف المرتفعة تمتد الآن إلى الاقتصاد بأكمله، من خلال ما يسمى بتأثيرات "الجولة الثانية".

وباستثناء الغذاء والوقود، تسارع التضخم إلى 5.5 بالمئة من 5.1 في المئة بينما ارتفع مقياس أضيق، يستثني أيضا الكحول والتبغ، إلى 4.3 في المئة من أربعة بالمئة.

وقالت مجموعة الخدمات المالية "نورديا" في مذكرة "نتوقع الآن أن يرفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة 75 نقطة أساس الأسبوع المقبل".

ركود اقتصادي؟

وفي ظل ما سبق، فإن تجنب الانكماش أمر يزداد صعوبة فيما يبدو مع انخفاض المعنويات الاقتصادية أكثر من المتوقع هذا الشهر، مما يسلط الضوء على مخاوف النمو.

وستجبر تكاليف الطاقة المرتفعة الأسر على توجيه إنفاقها نحو فاتورة التدفئة، مما يترك موارد أقل لأوجه الإنفاق الأخرى، وخاصة الخدمات.

كما ستتأثر الصناعة بشدة، إذ من المحتمل أن تقلص القطاعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة الإنتاج. وسيؤدي ذلك لاحقا إلى شح المعروض، مما يزيد من التضخم.

أخبار ذات صلة

تراجع ثقة المستهلكين في بريطانيا لأدنى مستوى منذ عام 1974
التضخم في بريطانيا يبلغ قمة جديدة فوق 10 بالمئة في يوليو

وقال ريكاردو مارسيلي فابياني، من أوكسفورد إيكونوميكس "ارتفاع التضخم سيزيد من الضغط على الطلب، مما يؤدي إلى انخفاض النمو ودفع منطقة اليورو إلى الركود هذا الشتاء".

ويمكن أن يساعد وضع حد أقصى لأسعار الطاقة، مثلما يفكر الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي في مهمته، لكن التضخم مرتفع بشدة بالفعل وهو كذلك منذ فترة، لذلك لن يتمتع صانعو السياسة برفاهية تجنب العاصفة.

توجهات تشديد السياسة النقدية تربك الأسواق