دفعت الحرب في أوكرانيا وتأثيرها الفادح على أسواق الطاقة، الدول الكبرى إلى اللجوء لاحتياطي النفط الاستراتيجي لمواجهة ارتفاع الأسعار واضطرابات الإمدادات حاليًّا، وسط مخاوف مِن انخفاضه مع مضي العقوبات الاقتصادية ضد روسيا ثاني أكبر مصدّر للنفط في العالم لتطال قطاع الطاقة الحيوي.

مؤخرًا، قررت وكالة الطاقة الدولية سحب 120 مليون برميل جديد من احتياطي النفط الاستراتيجي، الأمر الذي قُوبل بصدى دولي واسع، باعتباره الأكبر في تاريخها بالتزامن مع تشديد الحصار على موسكو لدفعها لوقف حربها في أوكرانيا.

وتتكفل الولايات المتحدة بسحب نصف الكمية المُقررة من احتياطها الاستراتيجي، في حين تتوزّع باقي الكمية على 19 دولة عضو في الوكالة، أبرزها اليابان بحصة تبلغ 15 مليون برميل، وفرنسا وألمانيا بأكثر من 6 ملايين برميل لكُلّ منهما، وبريطانيا بنحو 4.4 ملايين برميل، وتركيا بـ3.06 ملايين برميل.

ويرى مراقبون ومُحلّلون لقطاع الطاقة أنّ هذا السّحب يأتي كورقة ضغط مؤقتة في يد 31 دولة الأعضاء بالوكالة، لضبط الأسعار على المدى القصير وتخفيف الضغط الذي شهدته الأسواق في الأسابيع الأخيرة.

السحب الأضخم

قال مدير أبحاث الاقتصاد الكلي العالمي بالمعهد الوطني البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، كورادو ماكشياريلي، في حديث خاص لـ"اقتصاد سكاي"، إنه قبيل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كان لدى أعضاء وكالة الطاقة الدولية 1.5 مليار برميل في الاحتياطيات العامة، ونحو 575 مليون برميل مخزونات لدى الشركات بموجب التزامات الصناعة.

أوروبا.. سباق مع الزمن لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية

وأشار ماكشياريلي إلى أنه نتيجة لذلك، فإن الإجراءات الجماعية لوكالة الطاقة الدولية لهذا العام البالغة 62.7 ملايين برميل المتفق عليها في بداية مارس الماضي، والـ120 مليون برميل الحالية، تمثل 9 في المائة من إجمالي احتياطيات الطوارئ، وفقًا لمصادر رسمية.

وأضاف الخبير الاقتصادي في أحد أعرق المؤسسات البحثية في المملكة المتحدة، أن هذا السحب لا يزال هو أكبر إصدار لنفط الطوارئ في تاريخ وكالة الطاقة الدولية، لكن من الواضح أنّه إجراء مؤقت يهدف فقط إلى تخفيف بعض الضغط الذي شهدته الأسواق في الأسابيع الأخيرة.

وتابع: "إنه لا يلغي مسؤولية إيجاد بدائل للإمداد الروسي، فضلًا عن تعديل الطلب نحو مصادر الطاقة المتجددة على المدى الطويل".

وبشأن كون احتياطيات النفط ورقة ضغط بيد الولايات المتحدة وأوروبا، قال ماكشياريلي إنه بالنظر للاتحاد الأوروبي، فلن نستطيع قول ذلك في ضوء ضرورة إيجاد بدائل حال حظر النفط الروسي، وتكثيف العمل نحو الطاقة المتجددة.

الاحتياطي الأميركي

اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن، أن قرار وكالة الطاقة الدولية يُسهم في توسيع العرض لشركات النفط والغاز، و"الآن عليهم خفض الأسعار للمستهلكين".

وقال بايدن، في تغريدة عبر "تويتر": "لقد أعلنت الأسبوع الماضي عن أكبر تحرير على الإطلاق من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، واليوم ينضم إلينا بقية العالم، حيث يطلق 240 مليون برميل من النفط إجمالًا".

أخبار ذات صلة

النفط الروسي يشعل الأجواء.. بايدن يضغط والهند على موقفها
كيف تستفيد إسرائيل من خطة أوروبا للتخلي عن الطاقة الروسية؟

وتمثل هذه الخطوة المرة الثالثة في ستة أشهر التي يلجأ فيها بايدن إلى مخزون النفط الخام الأميركي.

وتحتفظ الولايات المتحدة بأكبر احتياطي استراتيجي من النفط في العالم بمخازن تحت الأرض، وتستخدمه كورقة سريعة للتعامل في أحداث الطوارئ.

وحسب بيانات رسمية لمكتب إدارة الطاقة الأحفورية والكربون في وزارة الطاقة الأميركية، اطلع عليها "اقتصاد سكاي"، فإن حجم الاحتياطي الاستراتيجي انخفض ليصل إلى نحو 564.6 ملايين برميل، وفق النشرة الدورية التي صدرت مطلع أبريل الجاري.

كان ديسمبر من عام 2009، هو الأعلى على الإطلاق في احتياطي البترول الاستراتيجي الأميركي بواقع 726.6 ملايين برميل.

وعكفت السلطات الأميركية على تخزين النفط الخام في 61 كهفًا صخريًّا هائلًا حُفرت تحت سطح الأرض، بمواقع "بريان ماوند"، و"بيغ هيل"، و"ويست هاكوبري"، و"بايو شوكتو".

وأشارت وزارة الطاقة الأميركية إلى إمكانية ضخ نحو 4.4 ملايين برميل يوميًّا من الاحتياطي الاستراتيجي إلى المراكز الكبرى، في حين يستغرق وصول النفط للسوق الأميركية 13 يومًا فحسب من صدور قرار رئاسي.

زيادة مطلوبة بالإنتاج

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس، إدوارد غاردنر، إنه "بينما سيُساعد استخدام الاحتياطي في ضبط الأسعار على المدى القصير، يتعين زيادة في الإنتاج العالمي لإحداث انخفاض مستمر في الأسعار".

وتراجع سعر خام برنت، المعيار العالمي لأسعار النفط، إلى 100.8 دولارات للبرميل اليوم، بعدما حلق إلى مستوى 139 دولارًا للبرميل في مارس الماضي، متأثرًا ببداية الحرب في أوكرانيا وفرض عقوبات على موسكو.

وأيّد ذلك الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لـ"اقتصاد سكاي"، بأن السحب من الاحتياطي النفطي لن يفيد تلك الدول كثيرًا، لأنّ الهدف الأساسي لهذا الاحتياطي هو التعامل به في وقت الأزمات حال انقطاع الإمدادات بسبب الحرب أو أزمة، لكن بالنظر للوضع الراهن فالحرب في أوكرانيا وليست في روسيا.

وقال الرفاعي إن الاستقدام من هذا الاحتياطي حاليًّا، كورقة سياسية لفرض حظر اقتصادي على موسكو، سياسة خاطئة وستطال تداعياته على الدول نفسها.

وأضاف: "هذه التأثيرات مؤقتة، ولن نرى سياسة مستدامة في استخدام الاحتياطي النفطي، لأننا عند الدخول في أزمة طاقة حقيقية فكيف نتعامل وقد استخدمنا الاحتياطي في وقت ليس مناسبًا".