بشكل واضح، بزغ اتجاه عديد من المصارف المركزية حول العالم نحو إصدار عملات رقمية، الأمر الذي من شأنه أن يحدث ثورة في السياسة النقدية، من منطلق عدة دوافع أساسية؛ في مقدمتها السماح بقدر أكبر من الشمول المالي، إضافة إلى الوقاية من عمليات الاحتيال والجريمة، وكذلك تمكين المعاملات الدولية الفورية.

وليست المصارف المركزية العربية بعيدة عن هذا الاتجاه، حسب ما أعلنه صندوق النقد العربي، إذ ذكر أن 76 بالمئة من تلك المصارف تدرس فرص إصدار عملات رقمية.

ويتوقع الصندوق أنه في غضون السنوات الثلاث المقبلة سيتمكن مصرفان عربيان من إصدار عملاتهما الرقمية.

صندوق النقد الدولي، في تقرير له شهر أكتوبر الماضي، تطرق إلى تشجيع مسألة إطلاق البنوك المركزية عملاتها الرقمية الخاصة، في خطٍ متوازٍ مع تطوير تقنيات الدفع وتحسينها وتسهيل المدفوعات وعمليات التحويل عبر الحدود، لتكون أرخص وأكثر سرعة وشمولية وشفافية..

فكيف يمكن للبنوك المركزية الاستفادة من ذلك؟ وما هي أبرز التحديات؟

مسايرة الموقف

يقول رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن البنوك المركزية وجدت أن العملات الرقمية بدأت تسحب جزءاً كبيراً من أرصدتها، لا سيما في ظل نسبة الأرباح العالية، والتي تتوازى في الوقت نفسه مع نسبة مخاطر عالية، تجعل من "حدث أو تطور بسيط" يمثل دفعة قوية لها أو يتسبب في انخفاض كبير، ومن ثم بدأت تطرح فكرة تطوير البنوك عملات رقمية خاصة بها على نطاق أوسع.

ويشدد على أن ذلك يتيح للبنوك المركزية الحفاظ على العملاء داخل المحفظة الخاصة بالبنوك، بنفس فكرة صناديق الاستثمار الخاصة بالمصارف.

ويشير الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه إلى أن إصدار البنوك المركزية عملات رقمية من شأنه وضع الأمور كافة "تحت السيطرة" على خلاف العملات المشفرة الحالية التي لا تتوافر بيانات حولها وتحظى بدرجة كبيرة من التشفير فيما يخص المعاملات، بما يعزز مخاطر استخدامها في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وغير ذلك.

مخاطر

وفي السياق، يرى أستاذ التمويل والاستثمار بالقاهرة، الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة، أن العملات الرقمية مخاطرها أعلى من أسواق المال وأي مخاطر أخرى، وبخلاف تلك المخاطر فهي تعتبر "استثماراً غير آمن لكثير من المستثمرين، لا سيما في الأسواق الناشئة"، وبالتالي فإن تبعية تلك العملات لمجموعة من الدول عبر بنوكها المركزية أمر يمكن من خلاله السيطرة على تلك العملات وتنظيمها.

ويوضح، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه يمكن أيضاً لمجموعة من الدول ضمن نطاق إقليمي واحد إصدار عملة رقمية واحدة فيما بينها، تخضع لإشراف البنوك المركزية؛ من أجل تسهيل التبادل التجاري بين تلك الدول.

ويصف بدرة العملات الرقمية الحالية بأنها "تمثل مشكلة بالنسبة للاقتصاد العالمي"، مستدلاً بالخسائر التي مني بها المستثمرون في وقت سابق بعد فرار مؤسس إحدى شركات العملات بملياري دولار.

أخبار ذات صلة

العملات المشفرة تثير الجدل بالمغرب.. "قرار حاسم" يلوح بالأفق
كم خسر أغنى أثرياء العالم في أسبوع؟

منافسة محدودة

لكن في الجهة المقابلة، يعتقد المحلل الاقتصادي والرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات في لندن، طارق الرفاعي، أن "كثيراً من الدول ستلجأ إلى إصدار عملات رقمية رسمية خاصة بها من قبل الهيئات الحكومية أو البنوك المركزية، تكون خاضعة للرقابة الرسمية، لكن تلك العملات لن تنافس العملات الحالية لعدة أسباب مختلفة".

لشرح تلك الأسباب يضرب المحلل الاقتصادي، بـ"الصين" مثالاً على ذلك، موضحاً أن المستثمر في بلد ما قد لا تكون لديه ثقة في حكومته أو البنك المركزي، وبالتالي يخشى الأفراد على ثرواتهم وعلى قدرتهم على حركة أموالهم خارج البلاد في وقت الحاجة لذلك، وبالتالي يتجه إلى العملات غير الخاضعة لرقابة أو سيطرة الحكومة". 

ويختتم الرفاعي حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" بالإشارة إلى أن أي حكومة تطرح عملة رقمية ستحمل أهدافاً خاصة للاستفادة من مزايا تلك العملات وتقنية بلوك تشين للتعاملات الرقمية المالية التي لها استخدامات كثيرة في المستقبل.