وجه وباء كورونا ضربة موجعة للاقتصاد في مختلف دول العالم، لكن تحويلات المغتربين المغاربة صوب بلدهم الأم لم تتراجع، بل زادت بشكل ملحوظ، فعززت مساهمتها في اقتصاد المملكة، باعتبارها ثاني مصدر للنقد الأجنبي في البلاد.

وانتبهت عدة مؤسسات مالية، محلية ودولية، إلى تنامي هذه التحويلات خلال السنتين الأخيرتين بالخصوص، مما دفع مدير البنك المركزي، في وقت سابق، إلى التساؤل حول سخاء المغاربة المغتربين.

توقعات بنمو التحويلات

في تقرير جديد، يتوقع البنك الدولي أن تقفز تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج إلى 90 مليار درهم، بنهاية السنة الجارية.

وتنطلق هذه التوقعات من الأرقام التي تسجلها هذه التحويلات من شهر إلى آخر، منذ نوفمبر 2020 إلى غاية الآن، مسجلة نموا يتراوح ما بين 43 و47 في المائة.

وأفاد مكتب الصرف (رسمي تابع لوزارة المالية)، أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت قيمتها حتى نهاية أكتوبر، حوالي 79.66 مليار درهم (نحو 7.9 مليار دولار) مقابل 55.59 مليار درهم (نحو 5.5 مليار دولار)، في الفترة ذاتها من السنة الماضية.

كما سجل المكتب، في نشرته الخاصة بالمؤشرات الشهرية للتجارة الخارجية لشهر أكتوبر، أن هذه التحويلات ارتفعت بنسبة 43.3 في المئة أي بما يعادل 24.07 مليار درهم.

أرقام مشجعة

في قراءته لهذه التوقعات بشأن تحويلات المغتربين نحو المغرب، يرى المحلل الاقتصادي المغربي المقيم بفرنسا، كمال الزين، أن هذه "الأرقام جد مهمة، خصوصا إذا قورِنت بتحويلات مغتربين آخرين ينتمون لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أو بتحويلات المغتربين من أصول دول أمريكيا اللاتينية".

وأوضح كمال الزين، في حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أن الأمر يعود بشكل أساسي إلى تضامن المغتربين المغاربة أو "الجالية المقيمة بالخارج مع عائلاتها وأسرها من أجل مواجهة جائحة كورونا وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، خصوصا مع ما عرفه العالم من تضخم والتي أثر على الأسعار في المملكة".

وبحسب الباحث، فإن استمرار هذه التحويلات يعود أيضا إلى "صمود القدرة الشرائية في بلاد المهجر، لأن إجراءات الرعاية الاجتماعية في دول أوروبية ساهمت بشكل كبير في أن يواجه المغتربون آثار كورونا، مما جنبهم تضرر قدرتهم الشرائية".

وأشار كمال الزين، إلى "عامل العمل عن بعد، إذ فضل العديد من المغتربين قضاء هذه الفترة في المغرب والعمل من الوطن الأم، فكانت الحاجة إلى كل هذه التحويلات المالية".

سلوك تقليدي وعاطفي

هذه التحويلات صدمت المسؤولين على المؤسسات المالية في المغرب، مما دفع والي بنك المغرب (مدير البنك المركزي) إلى إنجاز دراسة حول الظاهرة.

يقول الباحث في علم الاجتماع، حسن أشرواو "بغض النظر على الحسابات المالية والاقتصادية المعقلنة، فإنه يمكن تفسير هذا الفعل بأنه فعل تقليدي وعاطفيا".

أخبار ذات صلة

الاقتصاد المغربي يتعافى تدريجيا من "انتكاسة" كورونا

وأوضح أشرواو في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه على المستوى التقليدي فقد "تكرّست التحويلات تاريخيا، وارتبطت بأسباب هجرة المغاربة العمال في القرن الماضي إلى الدول الأوربية بشكل خاص للعمل من أجل إعالة أسرهم وعائلاتهم القاطنة بالمغرب، فبقي هذا الفعل مستمرا مع الأجيال التي نشأت هناك، فيتكرر تحث تأثير ظروف معينة، ومنها جائحة كورونا".

أما فيما يتعلق بالمستوى العاطفي، فكون هذا السلوك يرتبط بمؤسسة الأسرة التي تتدخل لتغرس قيمها ومعاييرها في أبنائها وفق مرجعية عاطفية، "لذلك نقلت الأسر المغربية عادة التضامن إلى أبنائها بكل يسر، وجعلت اقتصادها المنزلي مبنيا على هذا الفعل التضامني"، بحسب الباحث.

أخبار ذات صلة

المغرب يراهن على تحقيق "السيادة الطاقية" من خلال مستقبل أخضر

ويعتقد الباحث في علم الاجتماع أن "هذه التحويلات تسير في الغالب في ثلاثة اتجاهات؛ إما استهلاكية مرتبطة بالحاجيات اليومية للأسر، أو تحويلات استعجالية مرتبطة بحل أزمات معينة، أو تحويلات استثمارية".

انتعاش

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة عبد الملك السعدي بطنجة، عبد الرحمن الصديقي، إن الاستثمار من المجالات التي تفسر ارتفاع تحويلات مغاربة الخارج نحو المملكة، خصوصا أننا "نعرف جيدا بأن مغاربة العالم أصبح الكثير منهم يشكلون طبقات وسطى ومستثمرة في بلد الإقامة، وليس كما كان الحال مع الجيل الأول والثاني".

وتابع الصديقي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن العديد من المغتربين المغاربة "أصبحوا يُحولون الأموال للبلد قصد الاستثمار في العقار والإنتاج".

أخبار ذات صلة

المغرب يسعى لاستثمارات بطاقة الرياح بقيمة 1.6 مليار دولار

ويذهب أستاذ الاقتصاد إلى أن الاقتصاد المغربي سيستفيد من هذه التحويلات، سواء كانت من أجل الاستهلاك أو الاستثمار؛ ففي كلتا الحالتين يكون ارتفاع في الطلب العام الذي يعمل بدوره على رفع العرض وتوفير مناصب للشغل".

ويضيف الباحث "التحويلات التي تكون بالعملة الصعبة ترفع من احتياطات البلد من العملات التي تُؤمّن مشترياتها من الخارج، فنحن نعرف ضغط فاتورة الطاقة والصحة وسلع التجهيز والاستثمار التي يحتاجها المغرب في هذه المرحلة"، يسجل نفس المصدر.