"خد قرضك الآن ولا تبدأ في سداده إلا بداية العام المقبل"، "اشتري منزلك ونحن نتكلف بكل شيء".. يكفي أن تقوم بجولة قصيرة بشوارع العاصمة المغربية الرباط حتى تصادفك لافتات تشجعك على الاقتراض ونسب فوائد صغيرة بالخط العريض تحض المارة على اقتناء السكن أو سيارة أو حتى السفر في العطل.

وكشفت دراسة حديثة أن المغاربة يلجؤون إلى الاقتراض لتجهيز السكن وشراء السيارات ودراسة الأبناء وشراء أضحية عيد الأضحى، ويرافق هذه الديون عادة عدد من المشاكل المجتمعية.

وحسب أرقام الدراسة، التي أنجزتها الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلكين، فإن أسرة من بين ثلاث أسر تضطر إلى الاقتراض لتلبية حاجياتها الشهرية، من مختلف الأنواع سواء الإستهلاكية أو العقارية.

المصدر نفسه أضاف أن 52 بالمئة من المقترضين لديهم قرض واحد، و34.7 بالمئة لديهم قرضان، بينما هناك نسبة ضئيلة لديها ثلاثة قروض وأكثر.

والسبب، حسب ناشري هذه الدراسة، في تنوع القروض يرجع بالأساس إلى التسهيلات التي تقوم بها شركات القروض لتشجيع المغاربة على الاقتراض، ودفعهم للشراء وقد تكون أحيانا أشياء غير ضرورية تثقل كاهل الأسر.

عن أسباب اتجاه المغاربة إلى الاقتراض، سجلت الدراسة أن ربع المقترضين قصدوا المؤسسات البنكية للحصول على قرض لشراء سيارة و19 بالمئة حصلوا على قرض لاقتناء تجهيزات منزلية، فيما حصل 17 بالمئة من عينة الدراسة على قرض لتمويل دراسة أطفالهم.

وأضاف معدو الدراسة إن ثلث المقترضين يستعملون قروضا جديدة من أجل سداد قروض سابقة، ويدخلون في متاهة من الديون.

أرقام مُتوقعة

تعليقا على الأرقام التي جاءت بها هذه الدراسة، قال خالد أشيبان، باحث في الاقتصاد والمالية ونائب رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذه الأرقام ليست مفاجئة، وذلك بالنظر لأجور عامة المغاربة، لا سيما الموظفين الذين يحصلون على القروض بسهولة".

وأضاف أشيبان "أجور الموظفين مجمدة منذ عام 2011، لكن كلفة العيش تعرف ارتفاعا مستمرا. والطبقة المتوسطة هي المعنية أكثر بهذه الدراسة، لأنها تلجأ أكثر من غيرها للقروض، وتخسر أموالا كثيرة على أشياء كان من المفروض أن تتوفر لها بالمجان مقابل الضرائب التي تدفعها."

وتابع: "الموظفون المغاربة يضطرون للدفع من أجل تلقي تعليم جيد لأبنائهم، ولضمان التطبيب لأسرهم، ولشراء سيارة بسبب ضعف النقل العمومي. وما يعمق أزمة الطبقة المتوسطة هو بعض المصاريف الجانبية كالدروس الخصوصية للأبناء وهواياتهم، أو الرغبة في الترفيه عن النفس من خلال السفر داخل أو خارج المغرب؛ هذه مصاريف كبيرة ليست في متناول معظم الأسر. وهذا ما يفسر لجوء أغلبها للاقتراض".

أخبار ذات صلة

المغرب.. الطبقة الوسطى صمام أمان النموذج التنموي الجديد
العين تأكل قبل البطن.. "نهم" رمضان يزيد الاستهلاك في المغرب
الثورة الاجتماعية في المغرب .. خطوة بارزة نحو "تطويق الفقر"
المغرب.. "صراع الوظيفة" مستمر بين المعلمين ووزارتهم

 كيف نتجنب الاقتراض؟

نبهت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلكين بالمغرب، من خلال نفس الدراسة المواطنين المغاربة من مخاطر الاقتراض، خصوصا في المناسبات الاجتماعية، التي تستغلها المؤسسات المالية لجذب المزيد من الزبناء، وأوصتهم بمراجعة بنود العقد قبل توقيعه.

وفي نفس السياق، دعت الدراسة الشركات المتخصصة في قروض الاستهلاك إلى حماية زبائنها، الذين يرون في القروض وسيلة للحصول على "الاعتراف الاجتماعي"، وفق تعبيرها.

من جانبه، يقول إدريس خدري، وهو أستاذ التعليم العالي والخبير في إنفاق الأسر: "هناك أنواع من الديون، منها ما هو جيد ومفيد للأسرة، وهي التي تمكن من تحقيق أهداف واضحة، ويتم تسديدها في آجالها."

ودعا خدري إلى تفادي ما يسمى "لولبية الديون" أي الخروج من دين والدخول في آخر، مضيفا أن كل أسرة يجب أن تحدد ميزانية واضحة لكل المصاريف بما في ذلك التغذية والنقل والرياضة والادخار والاستثمار، وذلك لتجنب الوقوع في الشراء الاندفاعي الذي قد يوقع بالموظف في شباك الديون.

في السياق ذاته، حث الخبير في الإنفاق، على ضرورة التواصل داخل الأسرة بكل ما يتعلق بالمال والمصاريف، داعيا الأزواج إلى "الشفافية المالية" حتى تكون ميزانياتهم واضحة، وذلك لتحقيق الاكتفاء والتعامل بذكاء مع المال المتوفر.

عدم الانفاق للإبهار

تدفع الإعلانات ومواقع التواصل الاجتماعي عددا كبيرا من المغاربة إلى الاستهلاك المفرط، خصوصا شريحة الشباب، فما إن يستلم الواحد منهم وظيفة، ويرى الأرقام تغيرت داخل حسابه البنكي، حتى يسابق خطاه للاقتراض، لتحقيق أحلام رسمها، بامتلاك سيارة فارهة، أو السفر إلى الخارج، واقتناء الغالي والنفيس من كماليات لتحقيق نوع من الترف الزائف في محاولة لإبهار الغير.

يقول الخبير في علم النفس عثمان زيمو، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "يجب أن يكون الشباب حذرين جدا في التعامل مع المال، وتجنب الوقوع في فخ الديون غير المدروسة والتي لا طائل منها".

وأضاف زيمو: "يأتي البحث عن المال وامتلاكه من تصور الإنسان للثروة، التي تعني بالنسبة له إحساسا بالأمان وبالقوة. وهذا ما يدفع العديد إلى شراء الماركات والسيارات الفارهة، وذلك لإثارة إعجاب الآخرين وإخبار المجتمع بأن لهم مكانة مرموقة تمكنهم من اقتناء كل هذه الأشياء باهضة الثمن. وهنا الخطأ الكبير الذي يقع فيه الكثير من الشباب؛ فينفقون أكثر من دخلهم، ويضطرون إلى الاقتراض للحفاظ على هذه الصورة".

وحذر الخبير النفسي من الانسياق وراء الأوهام التي تبيعها الماركات وبعض البنوك ومؤسسات القروض.

وقال: "هناك خبراء في مجال التسويق هدفهم بيع الأوهام والأحلام للمستهلكين ودفعهم للاقتناء أكثر. وهناك دائما موديلات جديدة للهواتف والسيارات تطرحها الشركات في الأسواق، وتدفع المشتري للإحساس بأن ما يملكه قديم، وأنه يجب أن يساير روح العصر، وهنا يكمن الخطر." داعيا الموظفين إلى الإنفاق حسب دخلهم وعدم مقارنة مستوى عيشهم بالاخرين".