العلاقة بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كانت -ومنذ عقود- مميزة وقائمة على الرابطة الدينية والأخوّة العربية والتراث الاجتماعي المشترك. ولكن هناك مقوّم آخر للعلاقة بين الدولتين، وهو الأمن الوطني لكل منهما. وهذا المقوّم صار أكثر أهمية بسبب التحوّلات الإقليمية والعالمية.

إن موضوع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة بات فعلا بعد أن كان تنظيراً وحديثاً. وصارت الرسالة الأميركية لدول المنطقة هي: إن عليكم الاعتناء بأمور أمنكم من دون الاعتماد على أمريكا للتدخل.

طبعا لا يزال أمن منطقة الخليج العربي مطلباً للأمن القومي الأمريكي، ولكن –فقط- في الحالات القصوى التي تمثل تهديداً وجودياً لدول المنطقة. والموقف الأميركي في سوريا يمثل أول تطبيقات سياسة الانسحاب الأميركي. فمع أن واشنطن كان بإمكانها التدخل القوي في بداية الثورة السورية، فإنها اختارت البقاء بعيداً.

فالرؤية الأميركية نحو سوريا تلخصت في أمرين: الأول: هو أن الوضع في سوريا مهما ساء لا يهدد الأمن القومي لبلاد العم سام. وثانياً: وضع سوريا يهدد دول المنطقة ولكنه لا يهددها وجودياً. والنتيجة كانت قرار عدم التدخل.

ولكن العنوان الأبرز للانسحاب الأميركي هو التطوّر السريع للعلاقات الأميركية- الإيرانية. فبعد 35 سنة من العداء الحاد بين الدولتين نجدهما الآن يتقاربان.

والأمر أبعد من الاتفاق النووي وأخطر. فالولايات المتحدة تطلب من دول المنطقة -بطرق مباشرة وغير مباشرة- ضرورة إشراك طهران في حل قضايا المنطقة. والرؤية الأميركية للمنطقة باتت قائمة على ضرورة وجود توازن قوى بين دولها، وهذا يعني -من منظور واشنطن– الاعتراف بحق إيران في التدخل في شؤون العرب.

وللأسف، فإن الدول العربية الكبرى غير قادرة –أو غير راغبة– في التعاون معاً لتكوين حلف بغرض ملء فراغ الانسحاب الأمريكي أو موازنة الحضور الإيراني. فالعراق ساحة نفوذ إيرانية، ولا يتوقع أن يتغير هذا في المستقبل المنظور. سوريا خرجت من المعادلة العربية تماماً. ومصر –الدولة الأكثر قدرة على دعم أي توازن ضد إيران– مشغولة بأوضاعها الاقتصادية والأمنية، وغير قادرة على لعب أدوار إقليمية كبرى.

ما يؤسف بدرجة أكبر هو أن مجلس التعاون الخليجي لن يكون أداة فاعلة لتحقيق توازن إزاء إيران. فدول المجلس لديها رؤى مختلفة وأحياناً متضادة لما يحقق الأمن الوطني.

ولعل أوضح تجليات هذا الاختلاف هو في الموقف من إيران. وفي الأسابيع القليلة الماضية شهدنا بعض المواقف التي تعكس هذا الاختلاف.

إن الأمن الأقليمي لمنطقة الخليح العربي في حاجة إلى إعادة هندسة كاملة بعد الانسحاب الأميركي. ولا بد من تأسيس معادلة إقليمية أمنية جديدة تتعامل مع متغيّر بهذا الحجم والخطورة.

فلا يمكن تحقيق استقرار إقليمي في منطقة الخليج ما لم يتحقق توازن قوى مستقر. ولكن الدور العربي غائب، ودول مجلس التعاون لا تعمل معاً بشكل يمكن أن يحقق نتيجة حاسمة وبعيدة المدى.

والدولتان الوحيدتان القادرتان على إعادة هندسة الأمن الإقليمي، في ظل غياب عربي وخليجي، هما: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

إن متانة العلاقة وعمق التعاون بينهما سيكونان الأرضية التي تحقق لشعوب المنطقة السلام الضروري.