تُفكر لوهلة.. لقد تقبل المرء حقيقة عيشه اليوم في عالم رأسمالي قاسي قيمه بُنيت على تعزيز الاستهلاك والتبعية والمادية المتطرفة، ويعي تماما حقيقة العيش في زمن العبودية، فلطالما يشتكي العُمال والموظفون من الظروف الصعبة والحقوق المتآكلة من طرف هذه الشركات.

وإن أردنا التحدث بخصوصية عن قطاع الأزياء، أصبح مؤخرا يثير القلق والريبة بالرسائل التي يدعمها بشكل خفي ومرعب بقصد أو دون قصد، سواء بدعايات ترويجية تتعدى على الطفولة.. أو بوضعيات عارضي الأزياء بوجوههم المتعبة وأجسادهم المنحنية وهيئاتهم المرهقة. وكل ذلك يتم لتعزيز صور مظلمة في وعي المجتمعات ولأسباب أخرى كثيرة.

حتى حين تنظر للصورة الأكبر، تدرك أن العالم أصبحت إنسانيته مشروطة ومعاييره مزدوجة وجل ما يكترث له هو "المال".

لكن، وبالرغم من كل التحفظات السابقة، لا تتوقف الشركات إلى هذا الحد، بل تُبهرك بأفكارها المظلمة أكثر وأكثر، مثل ما حدث حين أطلت علينا زارا بعرض للأكفان نكأ جروح الناس وأثار ذهولهم وسط ما يحدث من مآس.

فاليوم، يعيش العالم على وقع فاجعة إنسانية في وقت حساس جدا، تقف البشرية على شفا الجحيم تُراقب يوميا نزيفا لا يتوقف.

لكن، من بين كل الأفكار المُتاحة، من بين كل الطرق المتوفرة في الحياة من بين كل الرسائل التي وُجدت على الأرض تختار الشركات أن تكون مثيرة للجدل في هذا الوقت وبشكل مشمئز تختار أن تروج للدمار والأكفان، لعالم وحشي لا يحترم ذاته أو الآخر؟

في هذا العالم يمكن للشركات أن تختار في النهاية سياسيا ودينيا وقيميا الطرف الذي تدعمه، ويمكن لهذه الشركات أن لا توافق طرف ما بالرأي يمكنها أن لا تدعمهم، أن تختلف معهم فكريا وسياسيا، لكن لا يمكن التقليل من إنسانيتهم ولا حتى التلويح بذلك عن غير قصد أو بقصد. لا يمكن.

على الشركات أن لا تتحدث، حتى بدعاياتها الترويجية. لا يمكن لأقطاب تعزز رأسمالية ومادية واستهلاكية المجتمعات أن يكون لها رأي.

حتى وإن لم تتفق. يمكن اختيار "الصمت" على الأقل، كأضعف الإيمان، لأنه من المفترض أن يبقى على الأقل هامشا إنسانيا طفيفا يشعرهم بالخجل.

في الواقع، من يقبل أن يعيش في عالم لا يحترم موت الإنسان.. فاجعة الإنسان.. جحيم الإنسان؟

كل يوم يبهرك هذا العالم.. في ضياعه وظلامه.. يبهرك بإصراره على التخلي عن إنسانيته وقيمه.

إلى أين يريد أن يصل هذا العالم؟ لا فكرة لدي

أي هامش وحشي.. وأي قيم متداعية يحملها في قلبه؟ لا فكرة لدي أيضا.

أي صورة يريد تعزيزها؟ وأي مجتمعات يستمتع بتدميرها أكثر؟ ولماذا؟

أعجز عن استيعاب ذلك.

بالنسبة لي.. لا التلويح ولا التصريح أمر مقبول أبدا.

ولا مجرد فكرة الاستهانة بإنسانية الإنسان وقيمته.

هذا غير مقبول.. أبدا.. تماما!