كل شهر يمر على تداولنا بمنصّات التواصل الاجتماعي يفرض علينا كمستخدمين شكلا جديدا من سلوكيات التصفّح. فمرة نذهب الى منصّة معينة لجاذبيتها بعرض المحتوى المصوّر ومرة نختار منصة بعينها لوضوحها في تمرير المحتوى المكتوب ومرة نتمسّك بمنصة أخرى لجمعها الصورة والمضمون المُختصر في آن معًا ومرات عديدة نهلل لمنصة جديدة ناشئة لعلها تقدم جديدا وأسلوبا تقنيا آخر في عرض المحتوى.

هذه الانتقائية سرعان ما انتفت في ظل حالة التكرار الحاصلة عبر كل المنصات، حيث طغت ثقافة الطُرق السهلة والقصيرة على سلوك تصفح المستخدمين، فجاء المحتوى المصور في طليعة الخيارات ما انعكس بدوره انتشارًا سلبيًا لهذا المحتوى جاعلا من التكرار سببًا بدأ يدفع برواد السوشييل ميديا إلى غربلة منصّات التواصل على أجهزتهم وهواتفهم الذكية نظرا لمرور ذات المحتوى المصور على كل المنصات قاطعًا الطريق على أي مضمون جديد وتفاعلي غير منسوخ أو مقتبس أو حتّى مركّب على مقطع موسيقي أو فكرة نجحت بركوب موجة الترند!

والترند هذا، بات مسؤولا عن إحباط حماسة المؤثرين لإنتاج المحتوى الجيد والمختلف لانحصار عامل المنافسة في سرعة تقليد "المحتوى-المصدر" فيضيع وقتهم ووقتنا بتصفّح محتويات تحمل ذات المحتوى الموسيقي وذات السيناريو ولكن بوجوه مختلفة تحاول مجاراة الزمن عوض العمل على محتوى جديد وتطويعه بالتالي بحسب ميزات كل منصّة.

يهدف المؤثرون من هذا الانتشار المكرر شهرة سريعة، لكن الأمر قد لا يحمل ذات النتائج السارة بالنسبة لمنصات التواصل الاجتماعي التي تتوقع أحدث دراسات الاعلام وعلوم الاتصال أن تتناقص وتتراجع الواحدة تلو الأخرى في حال التأخر بتشديد المعايير والقواعد لنشر المحتوى وأبرز التحديات الملقاة على عاتق القيّمين على تلك المنصات وضع حدّ نهائي لخاصيات نسخ المحتويات ما سيعمل على عقلنة سلوك المؤثرين وذهابهم بالتالي الى الاجتهاد باتجاه التفكير بمحتويات ومضامين أكثر متانة لن يكون بالسهل اقناع المستخدمين بقوتها إلا باحترام روحية كل منصة رقمية.

ينظر كثيرون الى الجهد المُنتظر من المؤثرين على أنه مخالف تمامًا لقناعة الفضاء الافتراضي الحر والمفتوح والسهل غير أن القاعدة الأساسية التي لا يمكن إغفالها بأن تلك المنصات وُجدت أصلا للناس وأهوائهم واختياراتهم ما يوجد اليوم واكثر من أي وقت مضى شرطا قاسيًا يتمثل بضرورة احترام المؤثرين أهواء مستخدمي كل المنصات الموجودة على الخارطة الرقمية من أجل البقاء فيها مُجتمعة.

بذلك، يعود مفهوم التخطيط بعد غياب ليُفرد ورش العصف الذهني بحثا عن المحتوى الجديد والمُختلف والمشجّع على التقليد السوي والإيجابي وهذه الخطوة تشاركية أسهم ملل جماهير السوشييل ميديا باعادة الاعتبار لها أصلا ويطالب بها بإلحاح القطاع التسويقي والإعلاني الذي لا يستطيع الصمود تحت رحمة المحتوى الرقمي المُكرر .

مسؤولية المنصات والمعنيين بالتسويق لا تلغي مسؤوليات كليات الإعلام في عالمنا، فهي تضطلع بأدوار لا تقل أهمية في هذا المجال لأنها مطالبة أمام هذا الطوفان الرقمي الفوضوي بعودة التشدد في المواد الأساسية للتخصص وأبرزها تطوير المهارات الإبداعية في صناعة المحتوى لتخريج أجيال جديدة واعية قادرة على النقد وجاهزة لإحداث تغيير في المشهد الرقمي خلال مدى زمني يواكب "مرحلة الخطر الشديد" على بعض المنصات الرقمية.