تخوض حكومة حزب المحافظين بزعامة ريشي سوناك في بريطانيا معركة مكافحة الهجرة حتى الحدود القصوى. غير أن هذه الهمّة التي يطرب لها جمهور اليمين واليمين والمتطرف لا تغير كثيراً من مؤشرات الامتعاض من الحزب الحاكم لدى كتلة الناخبين. ولا يبدو أن نجاح سوناك في تمرير قانون اللجوء المثير الجدل سيقلب توقعات استطلاعات الرأي في المدى المنظور.

ولمسألة مكافحة الهجرة مكانة خاصة لدى التيارات اليمينية في أوروبا ولدى حزب المحافظين في المملكة المتحدة.

ولئن قامت حملات الأحزاب البريطانية الداعية إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي على الزعم بأن الانفصال عن "أوروبا" يؤدي آليا إلى التخلّص من عبء الهجرة والمهاجرين، ولئن ما زال يعوّل على هذا الشعار الشعبوي لجذب أصوات الناخبين، فإن حالة هروب إلى الإمام تمارسها الحكومة الحالية إلى درجة ابتكار فكرة "النفي" إلى رواندا المناقضة تماما لتاريخ بريطانيا في مسائل الحقوق والحريات والقانون.

ويتيح القانون الجديد المثير للجدل، والذي تمّ التصويت على آخر تعديلات له في 18 يوليو للمملكة المتحدة احتجاز وإبعاد الأشخاص الذين دخلوا البلاد في انتهاك لمراقبة الهجرة.

ووفقا لهذا القانون الذي بشّرت به وزارة الداخلية البريطانية في مايو الماضي، فلن يتمكن الذين يدخلون المملكة المتحدة "بشكل غير قانوني"، من الاستئناف أو الطعن في محاولات إبعادهم، ولن يكون لهم الحق في العودة أو التسوية أو الجنسية بمجرد إبعادهم من البلاد.

وقد يجوز إجراء مقارنة جدلية بين توق حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل إلى الانقلاب على القوانين الإسرائيلية، وجعلها طيعة خاضعة لقرار الحكومة، وما ترمي إليه حكومة سوناك في بريطانيا.

وبغضّ النظر عن اختلاف الموضوعين وتباين السياقين، غير أن المسّ بقانون " حجّة المعقولية" في إسرائيل لا يختلف في الجوهر عما تقوم به لندن من مراجعة لقوانين المملكة التي كانت مرجعاً دوليا قامت عليها سمعة البلد لجهة عراقة نموذجه الديمقراطي واحترامه لحقوق الإنسان والحريات من جهة، وتمتع القضاء باستقلالية وترسانة من القوانين التي لطالما كانت رادعة للحكومة ولوزارة الداخلية بالذات.

بكلمة أخرى فإن حكومة سوناك لا تكافح الهجرة بتشديد التدابير الرقابية الرادعة أو باتفاقات مع دول المصدر والعبور (على ما تفعل إيطاليا مثلا)، بل تكافح لبّ القانون البريطاني مع ما يمكن أن يفرضه الأمر من سوابق قد تغيّر من طبيعة النظام السياسي نفسه في المملكة المتحدة.

ولئن تحذّر المعارضة الإسرائيلية وقطاعات داخل الجيش ومؤسسات الأمن مما تغيره تعديلات نتنياهو من طبيعة البلد وسمعته الدولية، فإن قطاعات واسعة مدنية وسياسية وحقوقية، بما في ذلك محاكم بريطانيا، سعت لمكافحة التحوّل ومنع المملكة من التصرف مع اللاجئين على النحو الذي تتعامل به دول لها سجل سيء في حقوق الإنسان.

وكانت محكمة الاستئناف قد ألغت في يونيو حكما سابقا للمحكمة العليا بأن خطة نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا كانت قانونية. واعتبرت المحكمة بأن رواندا ليست دولة ثالثة آمنة بسبب "أوجه القصور" في نظام اللجوء الخاص بها، ما يعني أنه يمكن إعادة بعض المطالبين إلى بلدانهم الأصلية، حيث قد يواجهون الاضطهاد.

بالمقابل وصفت منظمات حقوقية بريطانية قرار الحكومة بوضع طالبي اللجوء في سفينة استأجرتها الحكومة بأنه "غير إنساني"، واتهمتها بالتحريض على السلوك العدواني تجاه طالبي اللجوء.

وكان لافتاً أن الأمم المتحدة التي درجت على انتقاد واستنكار الانتهاكات التي تمارسها دول أغلبها من خارج منظومة الدول الديمقراطية، كثّفت في الآونة الأخيرة انتقاداتها لدول غربية بصدد ملفات تتعلق بحقوق الإنسان.

وكان لافتاً ما طالبت به لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري من فرنسا بضمان أن يكون التحقيق في مقتل الفتى نائل الذي قتل على يد شرطي في نانتير قرب باريس في يونيو الماضي "شاملا وغير متحيز"، داعية إياها إلى حظر التنميط العنصري. فيما صبّت المرجعيات الأممية المختصة انتقادات ضد التعديلات القانونية الجديدة لمكافحة الهجرة في بريطانيا.

واضطر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، لإصدار بيان مشترك اعتبرا فيه أن مشروع قانون الهجرة غير الشرعية الجديد في المملكة المتحدة يتعارض مع القانون الدولي.

وحذر تورك من أنه"بالإضافة إلى إثارة مخاوف قانونية خطيرة للغاية من المنظور الدولي، فإن مشروع القانون هذا يشكل سابقة مقلقة لتفكيك الالتزامات المتعلقة باللجوء، التي قد تميل الدول الأخرى، بما في ذلك في أوروبا، إلى اتباعها، مما قد يكون له تأثير سلبي على اللاجئين الدوليين، وعلى نظام حماية حقوق الإنسان ككل".

واللافت، وعلى الرغم من تمسّك حكومة المحافظين بخطاب متشدد لمكافحة اللجوء، غير أن الحزب خسر الأغلبية لمصلحة حزب العمال والليبراليين الديمقراطيين في دائرتين من 3 داوئر بانتخابات فرعية جرت في 20 يوليو. وشكلت هذه النتائج اختبارا للاقتراع العام المقرر العام المقبل.

وتأتي هذه الانتخابات متطابقة مع استطلاعات رأي أُجريت في الأشهر الأخيرة تؤكد تراجع نسب التأييد لحزب المحافظين. ويلتحق هذا المزاج باستطلاعات رأي متلاحقة تؤكد جميعها "الندم" على التصويت لصالح البريكست الذي جرى عام 2016 تحت إشراف حكومة المحافظين. ويظهر آخر استطلاع في هذا الصدد ارتفاع نسبة المؤيدين للعودة إلى الاتحاد الأوروبي إلى 58 بالمئة. وكان الاستفتاء قد حظي بنسبة تأييد للخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 51.89 بالمئة فقط.

وإذا ما تشكّل ظاهرة اللجوء ثابتا في المشهد الدولي يستدعي اتفاقا أوروبيا مع تونس في 17 يوليو الجاري مثلاً وعقد مؤتمر في روما في 23 من نفس الشهر مثلا آخر، فذلك يدّل على السعيّ لمقاربة ما زالت تقليدية. لكن أمر التعديلات القانونية في بريطانيا مؤشّر إلى أن الظاهرة باتت عامل تغيير في بريطانيا ولدى دول المنظومة الغربية على نحو بدأ يمسّ تميّزا غربيا كان اسقاطه من المحرمات.