يصر أصحاب القرار اللبناني على إبقاء أيديهم مغلولة، وكأن لا حول لهم ولا قوة، في حين تشير أرقام البنك الدولي في أحدث تقاريره عن الأمن الغذائي حول العالم، إلى تسجيل لبنان أعلى نسبة تضخّم في أسعار الغذاء ضمن الترتيب العالمي، إذ بلغت النسبة 261 في المئة، خلال عام.

ويبدو أن هذه الأرقام لم تشكل حتى الآن، دافعا لحث المسؤولين اللبنانيين على إيجاد خطة تضع حدا للانهيار الحاصل. والمفارقة هو ما يتركه الانطباع بأن الأحوال المعيشية المأساوية لا تشكل حافزا لهم حتى يباشروا جديا البحث عن حلول. 

هم غارقون في صراعاتهم الداخلية وحساباتهم الضيقة للحصول على مكتسبات في التركيبة السياسية المفترض أن تتشكل مع عهد جديد لرئيس عتيد، وذلك بالاستناد إلى ولاءاتهم الخارجية.. وكأنهم يتركون الأمر للدول المؤثرة في الشأن اللبناني الاستثمار في أزماته، والتي تعمل على خطوط متشابكة ومتقاطعة للمواءمة بين أجندات الداخل والخارج وفق لعبة إقليمية بنكهة دولية يغلب عليها المذاق الفرنسي.

هم يكتفون بمتابعة مداولات الدول المؤثرة، ويترقبون أحداث واجتماعات، كالقمة العربية، لعل اسم لبنان يرد فيها، ولو على هامش الأولويات، ليكتفوا بإبقائه مسرحا صغيرا لمصالح الكبار وتقاطعها وفرض الشروط لإنجاز الاستحقاقات التي تتخذ من حاجات الداخل عناوين لا علاقة لها بعض الأحيان بمضامين التدخل..

وتستمر العين اللبنانية بالتحديق، تترك الأزمات تتفاعل وتنذر بتفجير قنابل موقوتة مزروعة في الجسم اللبناني، وآخرها قضية اللاجئين السوريين، التي تتجاوز قدرة هذا البلد على التحمل والمعالجة بغياب مفهوم الدولة ومؤسساتها الفاعلة لتنظيم هذه القضية والبحث عن حلول لها بمعزل عن القرارات العشوائية التي لا تؤدي إلا إلى العنصرية والاستفزاز، سواء في صفوف اللبنانيين أو في صفوف السوريين.

قبل ذلك، وبأسابيع قليلة، كانت رسالة إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان إلى من يهمهم الأمر، وانطلق "محور القدس"، ولا أحد يعرف إلى أين ستؤدي الاستراتيجية الدفاعية الجديدة التي رسم معالمها قبل أيام وزير الخارجية الإيراني وهو يطل على الحدود الشمالية لإسرائيل ويؤكد أن "المقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية في لبنان تعيشان في أقوى وأفضل حالاتهما".. وأن لبنان سيتأثر إيجابيا بالمناخ التوافقي السائد في المنطقة..

وفي سباق بين مناخ التأثيرات الإيجابية وبين أعاصير القنابل الموقوتة، يستمر الرهان على ما ستسفر عنه المفاوضات الخارجية بشأن اختيار رئيس للجمهورية، وما سيلي التسوية المرتجاة بين الدول المعنية التي لا يزال مسؤولوها يناقشون مصير لبنان وسط التحولات الإقليمية، ويتجنبون إطلاق مواقف تفصيلية متعلقة بالملف اللبناني أو بالانتخابات الرئاسية، ويدعون إلى ضرورة التوافق والتفاهم بين اللبنانيين مع بعضهم البعض. والأمر مستحيل، والا لم التدخل ولو الرهان؟؟

اللهم إلا إذا اعتبر البعض أن لا حل من خارج الالتزام ضمنا بمواقف حزب الله الذي يشدد أكثر فأكثر على ضرورة إجراء الحوار للاتفاق على انتخاب الرئيس، ولكن شرط تعزيز سطوته، ومن خلفه مصادرة سيادته لمصلحة المحور الذي يأتمر بأمره، وبقبول فرنسي يجود من الموجود، وأن القوى اللبنانية الرافضة هيمنة الحزب ومحوره لا تملك طرحا بديلا.

إلا أن البعض الآخر يرفض التسليم بأن الموجود يقتصر على ما يريده الحزب ومن خلفه إيران، ويرى في الطرح الفرنسي خطأ بنيويا، ويُصِّر على مواصفات تحدد هوية الرئيس وهوية لبنان في المرحلة المقبلة، بما يشكل فعلا رافعة إنقاذ ويضعه على سكة التعافي.

وبين هذين الموقفين، يبقى أهل البيت اللبناني متفرجين عاجزين وعينهم لا تتجرأ على الارتفاع فوق الحاجب الخارجي الذي يحدد حركتها ويوجه بوصلتها.