يصر "حزب الله" على رئيس "يحمي ظهر المقاومة ولا يطعنها"، ويهدد ويتوعد كل من يحاول الانصياع لإملاءات الخارج الذي يتآمر على "هذه المقاومة".

وفي حين يتهم الولايات المتحدة بضرب الاقتصاد اللبناني بغية إضعافه والقضاء عليه، يعمل على نسف المبادرات العربية والدولية لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي، ويتجاهل البديهيات الإنقاذية التي يطلبها المبادرون لجهة الإصلاح والحياد، وعدم الخروج عن الشرعيتين العربية والدولية، وعدم تهديد الأمن في الدول العربية خدمة للمحور الإيراني ومشاريعه.

ومن ثم يدعو القوى السياسية اللبنانية إلى القبول بمن اختاره، أو محاورته شرط أن تقتنع بمن اختاره طوعا.. وإلا إرغاما..

 والإرغام على الطريقة المعهودة في لبنان، على الأقل منذ ما بعد العام 2005، وانكشاف مشروع المحور الإيراني بوضع اليد على لبنان، يعني هزة أمنية كبرى، مقرونة بمضبطة اتهام جاهزة تنسبها إلى "التطرف والإرهاب"، بالاستناد إلى سوابق لا تقتصر على لبنان، لتشمل مواقع نفوذ المحور أينما وكيفما تطلبت مشاريعه التسخين للوصول إلى الأهداف بالدم والنار، بما من شأنه أن يدفع الجميع إلى البحث عن تسوية ترضي المحور وتسمح لذراعه اللبناني بفرض شروطه، على اعتبار انه وحده من يحمي اللبنانيين من "الإرهاب"، ولولاه لكان تنظيم "داعش" في عقر دارهم.

وفي حين لا يتوانى مسؤولو الحزب ومن يدور في فلكه من تكرار هذه المقولة، ليبرروا تحكُّمه بمفاصل القرار اللبناني، يتواصل تكريس الفوضى، وانهيار مؤسسات الدولة وإداراتها واحدة تلو الأخرى، وصولا إلى شل التعليم الرسمي المدرسي والجامعي وما يخلفه مثل هذا الأمر من خطر على أجيال بكاملها.

وبالتزامن، يتواصل الشلل الدستوري، للحؤول دون انجاز الاستحقاق الرئاسي الا متى يجد الحزب انه تمكن من الوصول إلى الصفقة التي تضمن له مكاسبه، ويتمدد هذا الشلل إلى الحكومة والمجلس النيابي فضلاً عن القضاء المنقسم على نفسه.

ولا يجد الحزب حرجا في فرض هذا الواقع غير المسبوق منذ قيام دولة "لبنان الكبير". فالمهم وفق مقاييسه تأمين استمرارية مشروع محوره بموجب موازين القوى الراجحة كفتها لمصلحته. والأمر مألوف في ظل الاستراتيجية المطلوبة والمتواصلة التي لا تزال تنفذ بحذافيرها، وإذا وجد من يناوئها على الساحة اللبنانية، أيضا مضبطة الاتهام جاهزة لعملاء السفارات من المتآمرين و"أعداء الداخل".

الأكيد إن "حزب الله" مرتاح إلى أن القوى التي تشكل المنظومة منطوية تحت لوائه، ومهما أظهرت بعض التباينات ستبقى على ولائها عندما تدق ساعة الحسم، وتصب أصوات ممثليها لمصلحة مرشحه، في حين يغلب التشتّت والتشرذم على القوى المناوئة له، والعاجزة حتى الساعة على التوافق لمواجهته بمشروع موحد وكفيل بإقناع أصحاب المبادرة العرب والدوليين بدعمها.

لكن تبقى المفارقة في أن الحزب الذي يطالب بانتخاب "رئيس صنع في لبنان"، لطالما تباهى قادته بأنهم جنود لدى "الولي الفقيه"، ولم يتوقف عند الضرر الفادح الذي تسببت به سياساته التي تعزل لبنان عن محيطه العربي، والذي لن يتوقف عن خطته لإيصال مرشحّ محوره الى قصر الرئاسة، ليضمن رئيسا لا يطعن هذا المحور في ظهره، حتى لو كان الثمن الدفع باتجاه المزيد من انهيار الدولة بكلّ مؤسساتها.

ويبقى السؤال: هل يتحمل الحزب "رئيسا صنع في لبنان"، أي رئيس شجاع، لا يخاف الأميركيين ويتمرّد عليهم، وأيضا لا يخاف المحور الإيراني، ويتمرّد على مصادرته سيادة لبنان واستباحة أمنه بأكثر من مئة ألف صاروخ وبحدود فالتة يسرح ويمرح فيها؟؟

بالمختصر المفيد، لا يتحمل الحزب مثل هذا الرئيس.  فكل ما يمكن ان يصنع في لبنان براء منه ومن محوره.