أوردت وسائل إعلام تقنية أن متسللي شبكات الكمبيوتر في كوريا الشمالية تراسلوا مع 892 باحثا في السياسة الخارجية في كوريا الجنوبية، متقمصين هويات صحفيين ومراكز أبحاث في الغرب، طلبا لمعرفة آراء الجنوب في الخطوات الأنجع لمجابهة أشكال التصعيد المحتملة من قبل الشمال، ونجحوا في الحصول على كنز من التحليلات!

الغرفة 39 ومجموعة لازاروس بفرعيها بلونوروف و آندارييل هي مجموعات خاضعة لمكتب الاستطلاع العام RGB، المؤتمر بطبيعة الحال بأوامر زعيم البلاد كيم جونغ أون. قامت توليفة من هؤلاء المتسللين بمراسلة أساتذة علوم سياسية في جامعات سيئول وعواصم أوروبية، ومحللي مراكز فكرية فيها، بعضهم تلقى أتعابا نظير ما قدمه من آراء في مختلف الأساليب التي ذكروا تفاوت نجاحها في تحييد أو هزيمة بيونغ يانغ حاضرا ومستقبلا.

هذا الأسلوب الفريد والمبتكر هو أحدث تجليات المداهنة والقوة الناعمة للهاكرز، الذين دأب كثير منهم على استغفال ضحاياهم لسرقة بياناتهم المصرفية وأموالهم أو ممارسة الهندسة الاجتماعية عليهم لتشكيل وحرف آرائهم وانطباعاتهم العامة بهدف صياغة رأي عام أو مسار انتخابي.

هذه المرة ركز المتسللون فيها على استرضاء وتطميع المسؤولية العلمية في ولع الظهور الأكاديمي والإعلامي، والإدلاء بدلوها في قضية من قضايا الساعة في شرق آسيا، وهو إقليم الاهتمام العالمي المزمن القادم. صب خبراء الكوريتين وجهات نظرهم، الشخصية في بعضها والمرسومة حكوميا في بعضها الآخر - صبوها صبا في رسائل البريد الإلكتروني التي بعثوا بها إلى عناوين لم يتيقنوا من صحتها، مما قدم محصلة آراء وانطباعات وتخمينات وحتى أسرار مبطنة تعد خرافية الثمن للرفيق كيم وطاقمه، وهي محصلة تم اصطيادها بتفكير بارع غير مألوف، تضمن استخدام شعارات رسمية لقنوات إخبارية وجامعات ومعاهد أبحاث، مع وعود بالنشر والاقتباس الاعلامي. كان طعما احترافيا بكل المقاييس، بعناوين بريد شبه فعلية وأساليب كتابة تشبه ما يصدر من المعنيين الفعليين أنفسهم.

حوالي أسبوعين هي المدة بين انتهاء سيل الإفادات المهنية الأمينة الواردة إلى بيونغ يانغ من جهة، وتحرش الأخيرة بحدود جارتها الجنوبية بطائرات الدرون من جهة أخرى. هذا التحرش بالدرونات أدى إلى استنفار مقاتلات سيئول في طلعات جوية وإعلان حالات طوارئ كورية جنوبية، واعتذار من وزير الدفاع لشعبه على الاختراق الذي حدث، والأنكى من كل ذلك، نجاح بعض محصلة الاستشارات الجيوسياسية والعسكرية التي اصطادتها بيونغ يانغ في تشجيعها على اختبار قواعد الاشتباك المحتملة ومعها ردات الفعل السياسية داخليا وخارجيا لسيئول وحلفائها.

ما حدث مدعاة للتفكر والتحوط والتنفيذ عند اللزوم من قبل دولنا العربية، وأخص تلك القادرة على التهكير ونشر الدرونات الجوية والبحرية، إذ أنها، وبالرغم من مسالمتها، تحتاج تطوير عقيدتها الأمنية والعسكرية في الدواعي الطارئة والأساليب المبتكرة للتنقيب عن رأي الخصوم - الإقليميين مبدئيا، وكذلك رفع مستوى أدائها وجاهزيتها في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المشترك JISR.

ما قامت به كوريا الشمالية يقدم دراسة حالة لما يمكن أن تؤول إليه استخدامات الرصد الإعلامي المتقن، والهندسة الاجتماعية العنيدة والمزمنة، وبناء الثقة اللحظي بالكيفية المناسبة عند التواصل والتعريف بالهوية المستعارة، وقراءة المشهد الأكاديمي والتحليلي لاستهداف نخبته.