أعلنت مجموعة تاليس Thales الفرنسية – إحدى تكتلات التسليح العالمية الخمسة عشر الكبرى – عن اختراق جزء من بياناتها ونشرها في الإنترنت المظلم، في سابقة مقلقة قد نشهد بعدها ظهور نسخ من تصاميم مسروقة أو خرائط لسلاسل إمداد يمكن استهدافها، رغم تأكيد المجموعة لعدم بلوغ الاختراق أنظمتها المعلوماتية أو تأثر عملياتها، لكن سعر السهم هوى بمقدار 8.5 في المائة.

قالت الشركة مؤخراً أن "مجموعة متسللين يتحدثون الروسية – تطلق على نفسها LockBit 3.0 وتتخصص في الابتزاز وقفل البيانات مقابل فدية – قامت بتعميم البيانات المسروقة على منصة نشر تابعة لها، مع وجود مصدرين واردين لسرقة البيانات جاري التحقق من أكثرهما احتمالاً للاختراق، مع العمل على تخفيف الوقع المحتمل لتبعات ما حدث، وتم إبلاغ الجهة الوطنية المختصة بالأمن السيبراني".

التناقض بين نشر بيانات مسروقة من تاليس من جهة، وتصريح المجموعة بأن أنظمتها المعلوماتية لم تُمَس من جهة أخرى لا تحمد عقباه. صحيح أن الحرب تدور ميدانياً وسيبرانياً بين معسكري الغرب وروسيا، لكن هفوة لحظية تحدث ثغرة في جدار النار يتبعها انكشاف ينفذ عبره المتسللون إلى معلومات تبطل أفضلية التصنيع النوعي والتفوق التقني لشركة هي رأس حربة في تقدم فرنسا في الأنظمة الدفاعية والجوية والفضائية، وتلك الخاصة بالمواصلات والأمن الرقمي.

الرسائل عديدة، من إنقاص القيمة السوقية لسهم المجموعة، إلى كشف أسرارها التقنية، وجعلها عبرة لمجموعات تسليح أخرى، أو مقدمة لهجمات توجه ضدهم لاحقاً. ففي عرف الاختراق السيبراني الخبيث black hat hacking، ينقسم المتسللون إلى فرق يضرب أحدها هدفاً بأسلوب محدد وتدرس الفرق الأخرى تحركات التحصن التي تجريها الأهداف الأخرى المحتملة، ويتبنى كل فريق ضمن المجموعة المتسللة برمجة اختراق مختلفة، تختبر التحصينات باستمرار محموم، مدفوع بخوارزميات تعيد تلقائياً ترتيب مصفوفاتها وتنتج رموزاً جديدة للاختراق.

مجموعة تاليس توظف 81 ألف شخص في القارات الخمس، والإلكترونيات الحساسة والدقيقة التي تدخل في صناعة الطائرة المقاتلة الفرنسية "رافال" تعادل ربع قيمة الطائرة الواحدة، ومن بين ملاك أسرابها فرنسا والهند ومصر وقطر، ولو انتشرت معلومات المكونات ومصادرها ومواصفاتها، سهُل التعرف على جوانب الضعف في المقاتلة وتعريتها واستهدافها.

الأمر الآخر الخطير كذلك هو اصطفاف زبائن قائمين ومفاوضين محتملين للشراء ويتفاجأون بعد فترة بأن الأفضلية القتالية والتفوق النوعي في الأداء قد أذيعت أسرارهما عبر الشبكة المظلمة، والأمر حينئذ مدعاة لينفض الجمع ويعاد النظر في الصفقات ويُطلب تحديث المواصفات وتحصين التصاميم، نظراً لافتضاح نسخها السابقة وانزواء أطراف أخرى – بعضها حليف – لإظهار عيوبها وقابلية استهدافها بدقة، سعياً لوراثة نصيب المقاتلة النفاثة في السوق.

حتى في القطاع المدني، تقدم مجموعة تاليس حلولاً متكاملة لتشغيل اتصالات المطارات وراداراتها، إلى جانب أنظمة إدارة القطارات، والمسألة فيها ربح وتمويل متبادل بين الشقين المدني والعسكري لكل مجموعة تسليح عالمية كبرى.

السؤال المهم، من التالي وكيف ستكون الضربة؟ راينميتال في ألمانيا، أم BAE في بريطانيا، أم ليوناردو في إيطاليا، أم تعبر المحيط إلى لوكهيد ونورثروب ورايثيون؟ وماذا عن تحصين بيانات شركات توطين التسليح في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟