اكتشف السيريلانكيون ان حوض سباحة رئيسهم وسريره وكل ما في قصره لا يشبه أنماط عيشهم البائسة. ففي القصر لا أزمة اقتصادية تشبه تلك التي تعصف بالبلاد من العام 2014 وصولا إلى ارتفاع الدين الخارجي إلى 101 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة مما تسبب بانهيار اقتصادي، وأدى إلى غياب الكهرباء والوقود والمياه واقفال المدارس لافتقارها إلى الحبر والورق.

بالطبع، استفز نعيم القصر المنتفضون، الذين سكروا وانتشوا وهم يتنعمون في غفلة عن الزمن بما ليس مقدرا لهم. ومن ثم عمدوا الى تحطيم هذه الرفاهية المحرمة عليهم وإحراق بيوت الوزراء والمسؤولين.

ربما سألوا: لماذا يرتفع مستوى رفاهية الحكام بالتوازي مع انحطاط مستوى حياة الشعوب الفقيرة؟

لعلهم انقادوا لموجات الغضب والعنف التي فجرها سوء حالهم، ولم ينتبهوا أن الدول التي تشبه دولتهم لا يحق لشعوبها مجرد طرح الأسئلة، ولا لزوم ليفهم المواطنون سبب معاناتهم على الرغم من توفر الخيرات والثروات الوطنية من نفط ومياه ومحاصيل زراعية وذهب وألماس وغيرها، كما هي حال معظم الدول في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، ومع هذا يغلب الفقر على نوعية الحياة.

أكثر من ذلك، إذا رضي الشعب بفقره، يأتي من يقوض أمانه ويفتعل حروبا تفني من تبقى من صموده، لأن قدر الدول الصغيرة أن تُستباح لتتحول وقودا في لعبة مصالح الكبار ونزاعاتهم وسعيهم إلى توسيع النفوذ ومواجهة خصومهم على حساب من لا حول لهم ولا قوة لدرء طمع هؤلاء الكبار.  

والمأساة تبقى في محاولة هذه الشعوب تحديد مصيرها بتغيير حكامها، ومن ثم النأي بالدولة عن احتدام الأزمات بين الكبار.

هل تصدق هذه الشعوب أن باستطاعتها تحديد مصيرها؟

هل تصدق أنها تستطيع أن تقلب النظام الذي أودى بها إلى التهلكة ولم يحمها من الفقر والجوع والحروب؟

هل تفكر أن من يخطط سياسات العالم وفق مصالحه، وفقط وفق مصالحه، سيترك لها أن تقرر مصيرها وفق إرادة شعوبها؟

هل تصطلح أمور الشعوب بتغيير أنظمتها وتولي المعارضات الحكم؟؟ كم مرة نجح الأمر ولا سيما في هذه الحقبة من التاريخ التي أظهرت وتظهر أن كل النظريات وكل الأيديولوجيات المعاصرة للقرن العشرين بعد ثورات وانقلابات غالبا ما كان تقودها الجيوش لم تتمكن من تأمين الحياة الكريمة للمواطنين؟

أكثر من ذلك، لطالما طالب قادة هذه الانقلابات والثورات شعوبهم بالتضحية والصمود وشد الأحزمة حول البطون الجائعة، باسم الثورة والكرامة والمشروع التي لا ينعكس إلا وبالا على الأوطان المنكوبة.

كل هذه الأسئلة تلّح على العقل ونحن نتابع ما يجري عندنا ومن حولنا وإلى أبعد رقعة فيها دولة يتخبط شعبها وسط الأزمات.

نتابع ونرصد ردود فعل على ما يجري ونقف عند بعض التعليقات بشأنها. وآخرها قصر الرئاسة في سيريلانكا وطرد الرئيس والقفز الشعبي الثوري الى حوض السباحة الرئاسي وكأن في الأمر انتصار.

والأخطر أن المنتفضون على بؤسهم يخذلهم غياب أي تحرك فعال أو مساندات ممن يدعون أنهم الغيارى على العدالة وحقوق الشعوب وسيادة الدول. فالحروب عند اندلاعها أينما كان، تحظى بتغطيات إعلامية تعكس توجهات ومواقف متضاربة لكل من يغطيها وفق مصالحه ويحدد آلية دعمه بموجبها، ثم يخفت نجم هذه التغطيات لتصير جولات القتال أخبارا هامشية لمصلحة أحداث طازجة. ويبدأ الاستنزاف وتفقد المآسي والجرائم المرتكبة بحق الأبرياء وهجها وألقها، بانتظار تبلور هذه المصالح لتترجم سياسات دولية في دهاليز المفاوضات وكواليسها.

وتصبح القوانين الدولية حبرا على ورق، فلا كبير يسأل عن المفقودين والمعتقلين والمهجرين قَصرا في الدول الصغيرة، ويساءل مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. فشعوب هذه الدول تذهب فرق عملة كما يقال، وغالبا ما لا تلحظ طاولة المفاوضات من تضرروا لأنهم وبكل بساطة تفاصيل صغيرة في الحسابات الكبيرة، وكل ما يمكن أن ينعموا به هو لحظات في حوض سباحة رئيس لم يستطع حماية قصره بمزيد من العنف والقمع والتخويف.