أعلنت "أبل"، أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، الأسبوع الفائت، عن أبرز توجهاتها المرتبطة بعالم "الميتافيرس"، لتنضم بذلك إلى شركات تكنولوجية تراهن على أن هذه التقنية ستمثل مستقبل الإنترنت خلال السنوات القليلة القادمة.

وكشف الرئيس التنفيذي لـ"أبل" تيم كوك، عن التوسع في تطبيقات الشركة للواقع المعزز، مشيرا إلى امتلاك 14 ألف تطبيق خاصة بهذه التقنية بمتجر التطبيقات الخاص بها، وملمحا إلى إمكانية ارتفاع هذا الرقم مع مزيد من الاستثمارات.

وأضاف كوك: "هذا هو المكان الذي يكمن فيه السحر حقا. هناك قدر كبير من الاستثمار في أشياء ليست موجودة بالسوق بهذه المرحلة".

وسبق كوك في رهانه على "الميتافيرس"، الرئيس التنفيذي لـ"فيسبوك" مارك زوكربيرغ، والذي غيّر اسم مجموعته ليصبح "ميتا"، وحوّل 10 مليارات دولار من مخصصات "فيسبوك ريالتي لابز"، لصالح التقنية الجديدة.

وفي سبيل دعم توجهها، استحوذت "فيسبوك" على شركة "أوكولوس في آر" المتخصصة في إنتاج نظارات الواقع الافتراضي، كما سبق أن أعلنت عن "هورايزون في آر يونيفرس"، كمنصة للألعاب الافتراضية بواسطة الواقع المعزز.

كذلك تعمل "مايكروسوفت" على بناء منصة باسم "ميش فور تيمز"، لربط العديد من البيئات الافتراضية، انطلاقا من تطبيق "تيمز"، لتمكين الأشخاص في أماكن حقيقية الانضمام إلى بيئات افتراضية تستخدم "الهيلوغرام" (تقنية التصوير المجسم)، للمشاركة في الاجتماعات الافتراضية، وإرسال الدردشات، والعمل وتبادل الملفات وغيرها الكثير.

"غوغل" من جانبها تعد منافسا لا يستهان به في سباق الريادة بعالم "الميتافيرس"، حيث استحوذت سنة 2020 على شركة "نورث" المتخصصة بتطوير نظارات خفيفة الوزن للواقع المعزز، كما يتمتع عملاق محركات البحث بتجربة سابقة تمثلت بنظارات "غوغل غلاس" التي كشف عنها في عام 2013.

وتغري التقنية الثورية شركة "سناب" أيضا، والتي أطلقت عبر تطبيقها "سناب شات" عدسة مرشّح جديدة تعمل بتقنية الواقع المعزز، لجعل صورة المستخدم تبدو كما ستظهر شخصية المستخدم في عالم "الميتافيرس".

وقد يستغرب كثيرون إذا عرفوا أن الملهم لهذه التقنية هي رواية تندرج تحت تصنيف "الخيال العلمي" بعنوان Snow Crash، ألفها الروائي نيل ستيفنسون سنة 1992، وفيها يتفاعل البشر على هيئة شخصيات خيالية باسم "أفاتار"، مع بعضهم البعض ومع برمجيات، في فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد مشابه للعالم الحقيقي.

وتعتمد التقنية على الواقع المعزز في سلسلة من العوالم الافتراضية التي تضم تفاعلات لا حصر لها بين المستخدمين من خلال "أفاتار" الخاص بكل مستخدم.
وتتم هذه التفاعلات حاليا باستخدام نظارات ثلاثية الأبعاد، تسمح بهذا الشعور الذي يجمع بين الواقع والافتراض.

باختصار يشكل "الميتافيرس" نسخة رقمية عن عالمنا المادي المحسوس يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت، وبفضل الواقع الافتراضي والواقع المعزز بشكل خاص، من المفترض أن يتيح هذا العالم الموازي زيادة التفاعلات البشرية بدرجة كبيرة من خلال تحريرها من القيود المادية.

ويعتقد مراقبون أن مستقبل الاستثمار في "الميتافيرس" يبدو مشرقا، حيث توقع تقرير لوحدة المعلومات في "بلومبيرغ" أن يبلغ حجم سوق هذه التقنية 800 مليار دولار عام 2024.

وأنفقت شركة "ريبابليك ريلم" في نيويورك بديسمبر المنصرم 4.3 ملايين دولار لشراء أرض عبر "ذي ساندبوكس"، وهي منصة تتيح دخول عالم افتراضي يمكن للمشاركين فيه الدردشة واللعب وحتى المشاركة في الحفلات الموسيقية.

وعلى الموقع المنافس "ديسترالاند"، أنفقت الشركة الكندية "توكنز. كوم" المتخصصة في العملات المشفرة 2.4 مليون دولار في نوفمبر على شراء عقار في "الميتافيرس".

وقبل ذلك بأيام، أعلنت دولة باربادوس الكاريبية الصغيرة أنها تعتزم إنشاء سفارة في "الميتافيرس".

وأظهرت قاعدة بيانات العملات المشفرة "داب" أن أكثر من 100 مليون دولار أنفقت خلال الأسبوع الأول من ديسمبر الماضي على مشتريات العقارات عبر مواقع "الميتافيرس" الرئيسية الأربعة وهي "ذي ساندبوكس" و"ديسنترالاند" و "كريبتو فوكسلز" و"سومنيوم سبايس".

وأنجزت شركة Dematerialised الافتراضية السنة الماضية، أول عملية بيع قطعة ملابس افتراضية بسعر 137 دولارا، وحققت مبيعات وصلت لـ1212 قطعة ملابس "غير مادية" في خلال ثلاث ساعات فقط.

ورغم التوقعات المتفائلة بشأن هذه التقنية، فإن تحديات كثيرة تعترض طريق انتشار "الميتافيرس" أبرزها مسألة الخصوصية، فمن المعروف أن الشركات التقنية تجمع بياناتنا الشخصية من مواقع التواصل، وتتبع تحركاتنا على الإنترنت، للاستفادة من كل تلك المعلومات في مجال الإعلانات الموجهة، فكيف إذا بنا كمستخدمين بتنا نعيش داخل الشبكة التقنية؟

وعبّرت فرانسيس هاوغين، المبلغة عن مخالفات "فيسبوك"، في نوفمبر الماضي عن خشيتها من تأثير "الميتافيرس" في إجبار عالم الواقع الافتراضي المستقبلي الأفراد على الإفصاح عن المزيد من معلوماتهم الشخصية وإدمان موقع التواصل ومنح الشركة احتكارا جديدا في عالم الإنترنت.

وفي مقابلة مع الأسوشيتد برس، عقب حضورها عددا من الجلسات مع نواب البرلمان الأوروبي، الذين يسعون لوضع قواعد لشركات التواصل الاجتماعي، قالت هاوغين: "يجب أن يكون لدى فيسبوك خطة شفافية لميتافيرس قبل البدء في بناء كل هذه الأشياء، لأنهم يستطيعون الاختباء خلف الحائط، ويستمرون في ارتكاب أخطاء غير مقصودة، ويستمرون في صنع أشياء تعطي الأولوية لأرباحهم قبل الأمان".

وتزعم هاوغين، التي قدمت أيضا مجموعة كبيرة من المستندات الداخلية المنقحة لمجموعة من المؤسسات الإخبارية، أن أنظمة "فيسبوك" تعزز الكراهية والتطرف عبر الإنترنت، وتفشل في حماية الشباب من المحتوى الضار وتفتقر الشركة إلى الحوافز التي تدفعها لإصلاح المشكلات.

وسلطت وثائق هاوغين الضوء على أزمة داخلية في عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يقدم خدمات مجانية إلى 3 مليارات شخص، فيما رفض زوكربيرغ مزاعم هاوغين ووصفها بأنها "حملة منسقة" لرسم صورة خاطئة عن الشركة.

وما يثير مخاوف المتشككين في "الميتافيرس" أن هذه التقنية ستوجه الضربة القاضية للخصوصية، لأن بياناتها هي "بيومترية"، وستسجل جميع تحركات المستخدمين وخصائصهم الشخصية والسلوكية، الأمر الذي يرجح استغلالها من قبل أطراف عديدة.

ويخشى مستخدمون من غياب آليات للإبلاغ عن السلوكيات السيئة كالمضايقات والتنمر وخطاب الكراهية، والتي تنتشر على نطاق واسع في ألعاب الواقع الافتراضي، والتي تعد جزء من "الميتافيرس".

ويحذر أخصائيو السلوكيات من تداعيات الممارسات السلبية المشار إليها في "الميتافيرس"، وكونها أكثر خطورة من تلك التي تنفذ عبر الإنترنت، لأن الواقع الافتراضي يغرق الناس في بيئة رقمية شاملة حيث يمكن جعل اللمسات غير المرغوب فيها في العالم الرقمي تبدو حقيقية، وتعزّز التجربة الحسية.

حقيقة لا يوجد أحد يمكنه الجزم بالشكل النهائي "للميتافيرس" واستخداماته النهائية، والجهات التي ستتحكم بهذه البيئة الافتراضية، ويضع قوانين ناظمة لها تضمن الحيلولة دون تحولها لتقنية مدمرة.

قد تقدم الأيام القادمة إجابات عن كل تلك المخاوف عندما تنتشر "الميتافيرس" وتصبح في متناول الجميع، بعد إثبات حسن نيتها، وتقديمها بأسعار في متناول الجميع، من خلال تخفيض أسعار نظارات الواقع الافتراضي.