تقول الأسطورة: أن قوما كانوا يعيشون في قديم الزمان قرب مملكة قوية، وذات يوم داهمهم جنود تلك المملكة فذبحوا هؤلاء القوم عن آخرهم إلا صبيا تركوه حيا بعد أن قطعوا أطرافه وألقوه في بركة مياه، فانتشلته ذئبة وأرضعته ورعته حتى إذا ما شب تزوجها فأنجبت منه إثنا عشر إنسانا كانوا نواة الشعب التركي..

تلك الأسطورة عن نشأة جنس الترك يصنفها أهل علوم الأساطير والمعتقدات القديمة ب"الطوطمية ".. والطوطم هو كائن حيواني أو نباتي يزعم بعض القوم إنحدارهم منه ويقدسونه ويبجلونه ويقتدون بسلوكه، فالترك إذن-وفقا لتلك الأسطورة -هم أبناء الذئاب... وهم من هذا المنطلق ارقى الأجناس!

وإن كان هذا المولعتقد قد اندثر فإن آثاره قد بقيت متغلغلة في الوجدان الجمعي لكثير من الأتراك عبر مختلف العصور..

وبحكم وجود اختلاط إثني بين الترك والمغول فقد كان من الطبيعي أن يتشارك العرقان تبني طوطم الذئب، وأن يعرف الجنسان تطبيقات عملية لنظرة الفوقية والتعالي على باقي البشر واعتناق فكرة أن خضوع الآخرين لهم هو من بديهيات الحياة.

فلو تأملنا في فترة حروب وتوسع المغول ومداهمتهم للمشرق العربي الإسلامي للاحظنا أن مشكلتهم لم تكن مع المسلمين بالذات-بعكس ما هو شائع-وإنما هي مع كل من لا ينتمي لعرقهم، بحكم إيمانهم بتفوق العرق المغولي.. بلى.. دعوني أدهشكم إذ أخبركم أن المغول كانوا متسامحي ن دينيا، فكان من الطبيعي أن تجد في نفس الطبقة الحاكمة الوثني والشاماني والمسيحي والمسلم و اليهودي وغيرهم... فهذا الاختلاف الديني لم يكن يشغلهم وإنما كانوا يتعصبون للعرق بدرجة تجعلهم ينظرون لسائر بني الإنسان باعتبارهم كائنات أدنى لا سبيل لها في الحياة إلا بالخضوع للسادة المغول.. والمتأمل في تاريخهم يدرك بسهولة أن نمطهم القتالي التخريبي التوسعي لم يختلف بعد إسلام ملوكهم عنه قبل إسلامهم.. بل أنهم قد أضافوا لفكرة رقي عرقهم بعدا دينيا بحيث أصبح غزوهم جيرانهم المسلمين نوعا من التنفيذ لإرادة الله..

 وهو ما يبدو واضحا في لغة خطابهم للشعوب قبل غزوها بعبارات تفسر اجتياحهم البلاد وإخضاعهم العباد بأن الله قد سلطهم-المغول-على العالم.. هذه لم تكن مجرد عبارات بلاغية دعائية بل كانت عقيدة قتالية مغولية راسخة.

وقد ورث قطاعا من الترك هذه الفكرة،  تحديدا أولئك الذين "تمغلوا"-أي تبنوا نمط الثقافة الحياتية المغولية-فها هو تيمورلنك القائد التركي المغولي يخاطب سلطان المماليك برقوق بعبارات من نفس النوعية منها "نحن رسل الله خلقنا من غضبه"والتي وصفها السلطان ب"العبارات الكفرية"!

لم يكن غريبا إذن أن يتبنى سليم الأول العثماني نفس النمط الجنكيزخاني والتيمورلنكي في اجتياحه الشام ومصر .. ونظرة لرسالته إلى طومان باي يدعوه للخضوع له تنم عن انتقال فكرة الفوقية له.. من وصفه عدوانه بأنه أمر إلهي وأن الله قد أوحى إليه أن يملك الارض كما ملكها ذو القرنين..إلى آخر الرسالة التي تنم عن مستويات مريعة من جنون العظمة.

لم يكن غريبا أن يترجم العثمانيون فكرتهم تلك في شكل تعال شديد على من سواهم لا لشيء إلا اختلافه عرقيا عنهم.. ولم يكن من الغريب كذلك أن تعاد ترجمة تلك الفكرة في شكل الحركة الطورانية في نهايات القرن التاسع عشر والتي قامت على أساس مبدأ تفوق العرق التركي وجمع الشعوب التركية في قومية وإمبراطورية واحدة، وهي الحركة التي انتجت حركة التتريك ومحاولة سحق القوميات الأخرى الخاضعة للحكم العثماني،  وبلغت من التعصب أن اعتبر أساطينها أن جنكيزخان هو قدوتهم ورمزهم بل وتم تصديره بهذه الصورة في أدبياتهم.. وتمخضت في النهاية عن فظائع كمذابح الأرمن ومذابح المثقفين والقوميين العرب بالشام..

لم يكن من الغريب إذن أن يتمخض عقد الستينيات من القرن العشرين عن رجل مصاب بتلك اللوثة العرقية اسمه ألب ارسلان توركيش، ليؤسس لواحدة من أخطر الحركات الإرهابية العنصرية في التاريخ الحديث، منظمة الذئاب الرمادية الإرهابية.. تلك التي حظرتها فرنسا مؤخرًا فخرج النظام التركي ليقول أنها "غير موجودة" وأن فكرة وجودها هي "فكرة خيالية"، رغم وجود صلات قوية بينها وبين أردوغان الذي يررآه العالم كله رافعًا شعارها بيده في مؤتمر انتخابي في العام 2018

فما هي قصة هؤلاء الذئاب؟

للحديث بقية..

-يتبع-