في ظل تصاعد التوتر على الجبهة الجنوبية، يتحرك لبنان دبلوماسياً في محاولة لاحتواء مخاطر انزلاقه إلى مواجهة واسعة قد تتجاوز حدوده.

هذا الحراك تزامن مع نقاشات أمنية وعسكرية حساسة، أبرزها إحاطة قدّمها الجيش اللبناني لسفراء ومسؤولين أجانب حول الجهود المبذولة لبسط سلطة الدولة ونزع سلاح حزب الله، إضافة إلى تحرك وزير الخارجية يوسف رجي في بروكسل لوضع الشركاء الأوروبيين أمام تعقيدات المشهد اللبناني والإقليمي.

ضمن هذا السياق، قدّم الكاتب والباحث السياسي يوسف دياب، في حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، قراءة تحليلية معمقة للموقف، واضعاً التطورات في إطار توازنات إقليمية ودولية دقيقة، تتقاطع فيها الحسابات الإسرائيلية والأميركية والإيرانية، مع محدودية التأثير الأوروبي.

قلق أوروبي وضغوط أميركية محدودة التأثير

يؤكد دياب أن دول الاتحاد الأوروبي باتت تستشعر خطورة الوضع في جنوب لبنان على مختلف المستويات، لا سيما في ظل ارتفاع منسوب التهديدات الإسرائيلية.

هذا القلق الأوروبي يتقاطع مع مساعٍ أميركية مكثفة للضغط على تل أبيب، بهدف منع الانزلاق نحو مواجهة واسعة مع حزب الله، قد تفتح الباب أمام مواجهة إقليمية لا تقتصر على الساحة اللبنانية، وقد تمتد لتشمل إيران.

غير أن هذه الضغوط، وفق دياب، تظل موضع شك من حيث فعاليتها، في ظل تساؤلات جدية بشأن قدرتها على لجم اندفاعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يبدو مستعجلاً لحسم الملف الأمني على الجبهة الشمالية.

مهلة إسرائيلية وسيناريوهات مفتوحة

يشير دياب إلى أن إسرائيل منحت لبنان مهلة تنتهي مع نهاية العام الحالي، لبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. إلا أن الواقع الميداني، ولا سيما صعوبة دور الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني وعدم قدرته على تفكيك جميع المخازن التابعة لحزب الله، دفع الإدارة الأميركية إلى السعي لتمديد هذه المهلة حتى نهاية يناير 2026.

لكن الإشكالية الأساسية، بحسب دياب، تكمن في أن إسرائيل غير ملتزمة فعلياً بهذه المهلة، في ظل حسابات نتنياهو الأمنية واستعجاله إغلاق ملف الجبهة الشمالية، إضافة إلى تخوفه من توسع المواجهة إذا ما أقدمت إسرائيل على عمليات نوعية ضد مواقع ومستودعات حزب الله.

مهلة إسرائيل للحرب على لبنان.. قابلة للتمديد

حزب الله في الحسابات الإيرانية

يربط دياب بين أي تصعيد إسرائيلي محتمل وبين الموقف الإيراني، معتبرا أن طهران تنظر إلى حزب الله بوصفه الورقة الأقوى لها في المنطقة، والجبهة المتقدمة في مواجهة إسرائيل.

ويذهب إلى أن أي ضربة إسرائيلية واسعة أو عمليات إنزال قرب مواقع الحزب قد تستدعي تدخلا إيرانيا، في إطار استخدام الساحة اللبنانية لإرسال رسائل إلى الولايات المتحدة والغرب، بهدف تحقيق مكاسب مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.

من هذا المنطلق، يرى دياب أن خطر التصعيد قائم وبقوة، وأن ظروف التهدئة ليست متاحة إلى حدّ كبير، في ظل تقديرات ورسائل متطابقة تصل إلى لبنان وتفيد بأن نهاية العام الحالي قد تشهد انطلاق مرحلة جديدة من التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان وحزب الله.

الدور الأوروبي.. نفوذ سياسي بلا وزن عسكري

يتناول دياب الحراك الذي يقوده وزير الخارجية اللبناني في بروكسل، موضحا أن هذا المسعى لا يقوم على طلب تدخل عسكري أوروبي لحل أزمة سلاح حزب الله، بل يندرج في إطار محاولة الاستفادة من نفوذ الاتحاد الأوروبي وعلاقاته مع إيران، لإقناع طهران بالتخلي عن دعم أذرعها العسكرية.

ويشدد على أن هذا الدعم غير المحدود لحزب الله هو، برأيه، العامل الأساسي في إطالة أمد الأزمة اللبنانية والمواجهة مع إسرائيل. غير أن دياب يبدي تشكيكاً في قدرة الاتحاد الأوروبي على إحداث اختراق فعلي، معتبراً أن أوروبا ليست طرفاً مؤثراً على إسرائيل أو على خيارات نتنياهو العسكرية والأمنية.

إسرائيل تعمل على إنشاء مناطق أمنية في لبنان وسوريا وغزة

سلاح حزب الله بين التعهدات والانقلاب عليها

يوضح دياب أن مطلب نزع السلاح وحصره بيد الدولة اللبنانية ليس طرحا مستجدا، بل هو ترجمة مباشرة لخطاب قسم رئيس الجمهورية ولبيان الحكومة الحالية، التي شارك حزب الله نفسه في صياغة بيانها الوزاري ومنحها الثقة على أساسه.

ويشير إلى أن الحزب وافق صراحة على مبدأ حصر السلاح بيد الدولة ونزعه من جميع القوى غير الشرعية، قبل أن يعود وينقلب على هذه التعهدات. ومن هنا، يرى دياب أن وزير الخارجية لم يطرح رؤية جديدة، ولم يستجدِ تدخلاً غربياً أو أجنبياً، بل أعاد التأكيد على التزامات رسمية لبنانية قائمة، آملاً أن يسهم الضغط الأوروبي على إيران في دفع حزب الله إلى تسليم سلاحه، ونزع فتيل حرب إسرائيلية وشيكة.

رؤية الدولة والسلاح الشرعي

يختم دياب بالتأكيد على أن لبنان، منذ وقف إطلاق النار، أعلن بوضوح رغبته في العودة إلى اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، بما يضمن عدم الدخول في حالة حرب أو سلام أو تطبيع، مقابل شرط أساسي يتمثل في عدم وجود سلاح خارج إطار الدولة.

ويرى أن حصر القوة العسكرية بيد الجيش اللبناني سيفتح الباب أمام دعم دولي واسع لتدريبه وتسليحه وتمويله، بما يمكّنه من حماية السيادة اللبنانية. لكنه يقرّ في المقابل بعدم واقعية أي رهان على موازنة القوة العسكرية الإسرائيلية، مشدداً على أن المطلوب جيش قادر على الدفاع عن لبنان، لا شنّ الحروب، وهو ما ينسجم، بحسبه، مع إرادة المجتمع الدولي وتطلعات الشعب اللبناني.