شهد عام 2022 أحداثاً متشابكة ومعقّدة على صعيد العلاقات الصينية الأميركية، حيث وصل الاحتقان بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة، مع زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركية نانسي بيلوسي للعاصمة التايوانية تايبيه.

ورغم أن الطرفين حاولا احتواء الوضع عبر التصريحات الإيجابية التي خرجت للعلن، إثر لقاء القمة الذي جمع الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، على هامش قمة مجموعة العشرين منتصف نوفمبر 2022 في جزيرة بالي الإندونيسية، فإن الهدنة لم تستطع الصمود سوى لأيام معدودة، مع عودة أميركا لسياسية معاقبة ومحاصرة الشركات الصينية، وهو سيناريو تكرر أيضاً في بداية عام 2023.

ففي لقاء مع نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي، على هامش منتدى دافوس، تعهدت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، ببذل جهود لتسوية الخلافات مع الصين، ومنع تحول المنافسة إلى أي شيء قريب من الصراع، ولكن ما هي إلا ساعات قليلة حتى تبادل الطرفان اتهامات حادة، في اجتماع لمنظمة التجارة العالمية، لتقوم أميركا بمتابعة مسارها في محاصرة الصين تكنولوجياً، عبر إبرامها اتفاقاً مع هولندا واليابان هدفه منع وصول بكين لبعض المعدات المهمة في صناعة الرقائق.

أخبار ذات صلة

للتصدي للصين.. دولة آسيوية تمنح أميركا "4 قواعد عسكرية"
حرب أوكرانيا كشفت المستور.. صناعة الدفاع الأميركية على المحك
بلينكن يزور الصين مع ملفات تقلق العالم.. للتهدئة أم جس نبض؟
النشاط الصناعي الصيني ينفض غبار الانكماش

حوار على وقع الحصار

وحالياً يتحضر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لزيارة الصين بعد أيام قليلة، من أجل مواصلة المحادثات وتعزيز العلاقات بين البلدين، وهو ما طرح علامات استفهام المراقبين حول جدوى هذه الحوارات، التي تنتهي مفاعيلها بعد ساعات قليلة، في وقت بات فيه من الواضح أن التفاهم الصيني الأميركي من الأمور شبه المستحيلة، خصوصاً أن وشنطن تريد مفاوضة الصين على وقع الحصار التكنولوجي الذي تفرضه عليها وهو ما لا ترضى به بكين.

الأرقام تناقض الخطاب المحتدم

ورغم أن الأحداث المذكورة قد تدفع للاعتقاد بأن العلاقات الاقتصادية بين أميركا والصين ليست بأفضل الأحوال، فإن الأرقام تظهر أن الخصميْن شديدا الترابط من الناحية الاقتصادية، فالخطاب المحتدم بين الدولتين، لم يؤثر على علاقاتهما التجارية، إذ أظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك في الصين، أن حجم التبادل التجاري بين بكين وواشنطن وصل إلى نحو 766 مليار دولار في 2022 وهو مستوى قياسي.

وبالتفصيل فإن الصادرات الصينية إلى أميركا ارتفعت بنسبة 1.2 بالمئة في 2022 إلى 582 مليار دولار، في حين انخفضت الواردات الأميركية إلى الصين بنسبة 1.1 بالمئة إلى 178 مليار دولار أميركي.

أخبار ذات صلة

واشنطن وطوكيو تعزّزان تحالفهما الدفاعي في مواجهة الصين
تقارب أم تنافر.. هل يحمل 2023 انفراجة بعلاقات أميركا والصين؟

توطين الصناعة في أميركا

ويقول الدكتور بيار الخوري وهو خبير اقتصادي مهتم بالشؤون الآسيوية، في حديث "لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن كل ما تفعله الولايات المتحدة هدفه واحد، وهو إبطاء مسار التقدم الصيني التكنولوجي، لكسب مزيد من الوقت في تنفيذ خطة إعادة توطين صناعاتها ورفع كلفة الإنتاج التكنولوجي الصيني، مشيراً إلى أن أميركا تقوم بذلك عبر الخروج مراراً عن قواعد المنافسة الحرة وحرية الوصول إلى الأسواق التي لطالما نادت بها.

إبطاء التقدم الصيني

ويؤكد الخوري أن إبطاء مسار التقدم الصيني يمنح الولايات المتحدة فرصة لخلق التوازن معها، واصفاً ذلك بالعمل غير المستدام، والمحفوف بالمخاطر الجيواقتصادية، إذ إن ما يحصل الآن يدفع الصين نحو تحقيق الاستقلالية التكنولوجية، من خلال التشبث بتطوير رقائقها الخاصة دون سماكة ١٥ نانوميتر، في الوقت الذي تنفق فيه نحو ١٥٠ مليار دولار، لتطوير الأبحاث والصناعة في قطاع أشباه المواصلات.

وبحسب الخوري فإن مشروع "حصار الرقائق" الذي انضمت إليه اليابان وهولندا، قد يرتد على اقتصادات الغرب، حيث إن سوق أشباه الموصلات، تعاني من أزمة سلاسل التوريد بسبب العقوبات وجمود الطلب، وهذا ما يضع الإنفاق على البحث والتطوير على المحك، مؤكداً أنه لا يمكن خنق الصين، ولكن يمكن تأخير نسبة تسارع نمو الابتكار لديها.

ويرى الخوري أنه لا شيء مستحيل في عالم مليء بالتناقضات والتقاطعات، فالجانبان الصيني والأميركي ورغم ما نراه حالياً، قد يتوصلان إلى تسوية تاريخية حول مجموعة من القضايا، لكنه اعتبر أن ذلك يحتاج إلى ضغط من الصناعات الكبرى، التي باتت أرباحها مهددة في ظل هذا الصراع اللاعقلاني.

أخبار ذات صلة

2023 عام الترقّب.. ماذا ينتظر الصين وتايوان؟
مناورات بحرية بين روسيا والصين.. ما دلالات التوقيت؟

خوفاً من رد فعل عنيف

من جهته يقول الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في ATA Global Horizons علي حمودي في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المصلحة المشتركة بين البلدين والتي تظهر بوضوح من خلال حجم التبادل التجاري الذي تم تسجيله في 2022، ستكون كفيلة بعدم تفاقم العلاقات، فالصين مهمة جداً الآن لسلاسل التوريد العالمية، والولايات المتحدة والعالم أجمع ليس لديهما خيارٌ سوى استمرار الحوار والتعامل مع الصين، خوفاً من الإضرار بالمصالح الاقتصادية الخاصة أو إثارة "رد فعل عنيف" من جانبها.

تنظيم الخلاف بالحوار

ويرى حمودي أن الحوار بين الصين وأميركا قد يكون هدفه تنظيم الخلافات، حيث إنه وحتى الساعة لا بدائل للعالم عن الصين، مشيراً إلى أن انتقال سلاسل التوريد من الصين إلى مناطق أخرى، أمر مكلف جداً ويتطلب سنوات عديدة، وبالتالي فإن العديد من الدول تفضل عدم الانغماس في نزاع مع الصين، التي تملك أدوات ووسائل لمكافأة الذين يواصلون الانخراط والعمل معها.

انضمام هولندا واليابان..

وبحسب حمودي فإن الغرض من كل ما تفعله أميركا واضح للغاية، وهو عرقلة سعي الصين للحاق بها في الصناعات المهمة في المستقبل ولكن دون قطع حبل التواصل معها، وهو ما يتضح من خلال استمرار الحوار على وقع الإجراءات العقابية، لافتاً إلى أن انضمام هولندا واليابان إلى القيود ضد الصين، لن يمنع بكين من بناء نسخها الخاصة من الآلات التي تصنع أشباه الموصلات وحتى لو استغرق ذلك مزيداً من الوقت.