لم تخرج تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال زيارته العاصمة السعودية الرياض أمس بالتطمينات لدول الخليج من التهديدات الإيرانية المحتملة، عن إطار الخطاب السياسي وذر الرماد في العيون والتي تقصر عن حيز التطبيق الفعلي في ظل المعطيات والمتغيرات المتسارعة والغزل المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران.
فبعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف من الجفاء السياسي مع طهران والعقوبات المعلنة، تراهن الإدارة الأميركية الحالية بفتح صفحة جديدة وانتهاج استراتيجية العلاقات المفتوحة مع ما كان يوصف بـ"عدو الأمس ومحور الشر".
وفي مقابلة مع سكاي نيوز عربية يقول الدكتور سلطان النعيمي الكاتب والمحلل السياسي الخبير في الشؤون الإيرانية إن المواقف الأميركية تصطبغ عادة بطابع المصلحة وإن التقارب الإيراني الأميركي لا يجب أن يأتي على حساب الأمن في المنطقة، مشيرا إلى أن دور النظام الإيراني مع جاراتها يجب أن ينبع من منطلق المشاركة وليس النفوذ."
وأضاف النعيمي أن على الدول العربية وخصوصا دول الخليج العربي أن تنتهج استراتيجية واضحة لموازنة القوى تكون رادعة وتحد من أي طموحات إقليمية للنظام الإيراني في إطار بسط نفوذها، مؤكدا أن الحل العسكري غير مطروح نهائيا لمواجهة النظام الإيراني."
إلا أن إيران باتت الورقة الأميركية التي تلعب بها لإعادة نفوذها في المنطقة من خلال تمثيلية تصور إيران فيها كالشيطان الأكبر لتشكل مصدر قلق للدول الخليجية، وتتمكن من فرض إملاءاتها على المنطقة العربية كملاذ آمن لها من شرور إيران.
وتأمل واشنطن في تمتين علاقاتها مع إيران، والتي ظلت في الخفاء على مدى أكثر من عقد من الزمان تزامنا مع دخول الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ، عقب ماراثونات من المحادثات السرية استمرت أكثر من عام ونصف العام بين واشنطن وطهران ومفاوضات أخرى خرجت إلى العلن منذ 2013.
فالتعاون الأميركي الإيراني بقي تحت "سياسة التقية" منذ ثمانينيات القرن الماضي وخلال الحرب العراقية الإيرانية توجت بفضيحة إيران كونترا.
وزادت أواصر هذا التعاون بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة في 2001 ، إذ ساعدت طهران الولايات المتحدة استخباراتيا من أجل إسقاط حكومة طالبان في أفغانستان عبر حلف الناتو، كما شهدت العلاقات بين الحليفين تعاونا وثيقا في إسقاط نظام صدام حسين في العراق عام 2003.
في المقابل، أثبتت السياسة الأميركية فشلا ذريعا حيال أزمات المنطقة المستعصية والشائكة وخاصة في سوريا ومن ثم اليمن بسبب فتور النفوذ الأميركي لصالح أطراف أخرى مما أسفر عن خيبة أمل كبيرة لدى حلفائها في المنطقة.
وليس أدل على ذلك من موقف الولايات المتحدة حيال الأزمة السورية الذي تراجعت مطالبها إزاء رحيل الأسد والذي لم يعدو عن ظاهرة صوتية محضة، خاصة وأن إيران وأذرعها العسكرية في سوريا من ميليشيا حزب الله والميليشيات العراقية تقف في الصفوف الأولى في الأزمة السورية ولها اليد الطولى في فرض إملاءاتها لتتاجر بمستقبل سوريا ومستقبل المنطقة بأكملها كيفما تشاء.