أجمع أساتذة اجتماع وطب نفسي واجتماع سياسي على أن حالة المواطن المصري حمادة صابر، الذي تعرض لتجريده من ملابسه والاعتداء عليه بالضرب خلال احتجاجات أمام قصر الاتحادية الرئاسي في مصر، ما هي إلا انعكاس لما يعانيه قطاع من المصريين المهمشين من الفقر والجهل والقهر.
وكان صابر قد أعلن عبر وسائل الإعلام أنه تعرض للضرب وإطلاق رصاصة خرطوش على قدمه من جانب محتجين أمام قصر الرئاسة المصرية في الاتحادية، قبل أن يعدل عن أقواله، ويتهم الشرطة بالاعتداء عليه و"سحله" بعد تجريده من ملابسه.
وأظهرت لقطات مصورة أفرادا من الأمن المركزي المصري وهم يحاولون جر صابر إلى داخل مدرعة تابعة لوزارة الداخلية قبل أن يعتدي عليه بعضهم بالركل وهو شبه عار.
وقال صابر لوسائل إعلام محلية إنه عدل عن أقواله الأولى لأنه واجه "غضبا من عائلته ونبذا اجتماعيا"، وأضاف أنه يهدف فقط إلى "قول الحقيقة".
واستطلعت "سكاي نيوز عربية" آراء عدد من الاختصاصيين بشأن عدول حمادة صابر عن أقواله والدوافع النفسية والاجتماعية وراء ذلك.
وتقول د.إيمان بيبرس مستشارة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وخبيرة التنمية الاجتماعية وقضايا النوع إن "حمادة صابر هو نموذج الإنسان المصري المقهور في كل العصور، هو الإنسان الذي نسيه الجميع، ولأنه مقهور تمكنوا من تعريته وضربه".
وترى بيبرس أن "الجهل والفقر وعدم وجود وسائل حماية، والانشغال كلية بـ"أكل العيش" هو الذي يرسخ مفهوم القبول بالإهانة والانسحاق لدى قطاع من المصريين".
وتضيف أن "جرثومة الانسحاق" تبدأ منذ الصغر بالإهانة من الأبوين، فمدرس الفصل، ثم صاحب العمل، مرورا بسلطات فرض الأمن والقانون ما يجعله يقبل الإهانة بل ويعتاد عليها".
لكن بيبرس تعتقد أن نقطة التحول تمثلت في ثورة 25 يناير التي "ثار فيها المصريون لكرامتهم قبل أن تكون ثورة ضد الفقر".
ثورة كرامة
وتوضح: "نوعية الطبقات التي شاركت في الثورة تؤكد أن استعادة الكرامة كانت الهدف وليس لقمة الخبز"، وتضيف أن استمرار الاحتجاجات الحالية هو نوع من مواصلة السعي نحو استعادة كرامة الإنسان المصري".
ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة الدكتور سعيد صادق أن تعميم نموذج حمادة صابر غير دقيق، "فالشخصية المصرية ليست واحدة، والطبقات المسحوقة تعاني ضغوطا كبيرة"، كما أن وزارة الداخلية وطريقة تعاملها مع المواطنين لم تتغير بعد الثورة".
ويتفق صادق مع الرأي القائل بأن سنوات من الحكم الفردي أورثت قطاعا من المصريين "انسحاقا وعجزا وسلبية" ترحب بها السلطات الحاكمة وتعتبر هذه النوعية من المواطنين "مثالية".
كما يُرْجع صادق شيوع هذا النمط من الشخصية المسحوقة إلى نقص الوعي السياسي، مشيرا إلى أن حمادة صابر محظوظ لأن عدسات الكاميرات التقطته، لكن "ماذا عن غير المعلن مما يجري داخل السجون مثلا من الاعتداء جنسيا على معتقلين"؟
ويذكّر صادق بحالة المواطن عماد الكبير الذي التقطت كاميرا هاتف محمول تعرضه للصفع المتكرر على يدي عنصر أمن بالداخلية المصرية داخل أحد أقسام الشرطة، وأثارت قضيته جدلا عام 2006 قبل خمسة أعوام على قيام ثورة 25 يناير.
ويرجع صادق تراجع حمادة صابر عن أقواله الأولى التي اتهم فيها متظاهرين بتجريده من ثيابه والاعتداء عليه، وتأكيده أن الاعتداء كان من جانب الشرطة، إلى خوفه من "العار الاجتماعي" من جانب أهله ومعارفه.
ويتوقع صادق أن تظهر نماذج أخرى متحدية للسلطة تتشجع بما يجري من تغيير في مصر الثورة، وتتسلح بحماية وسائل الإعلام الخاصة التي كسرت احتكار السلطة للإعلام الحكومي منذ تسعينيات القرن الماضي.
لكنه يتوقع أن يأخذ الأمر وقتا كبيرا قبل أن تتفشى في المجتمع ثقافة الجرأة ورفض الإهانة للنفس وللغير.
الأخلاق لا تورث
أما رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي الدكتور أحمد عكاشة فيرى أن الإنسان لا يولد منسحقا، فهو يكتسب كثيرا من سماته الذاتية من المجتمع المحيط.
ويضيف" لا نولد منسحقين بل باستعداد في الشخصية بحيث ينزع الإنسان إما نحو الانطوائية أو الانبساطية أو الراديكالية أو المحافظة أو الليبرالية أو الذكاء الأكاديمي أو العاطفي (الكاريزما).
"لكن الأخلاق لا تورث وإنما تكتسب من المجتمع، فالمجتمع الفاسد يفرز أخلاقا فاسدة، والمجتمع الذي يتسم بالمصداقية والإتقان وتجاوز الذات والتعاون والتضحية والشهامة يفرز عدلا اجتماعيا وتبادلا للسلطة وحرية للتعبير وديمقراطية".
ويعتقد عكاشة أن حمادة صابر هو جزء من الشخصيات المطحونة مهدورة الكرامة التي تعاني من الفقر الذي يترك أثره بالضرورة على الأخلاق ويورث سلبية وخضوعا وخوفا من السلطة الحاكمة، وهو ما دفعه لتجنب اتهام الشرطة بداية قبل أن يعود ويحملها مسؤولية ما حدث.
نقطة تحول
لكن عكاشة يرى أن هذه السمات السلبية التي طبعت جانبا كبيرا من المصريين، وخاصة سكان الريف والمناطق النائية الفقيرة، آخذة في التغير بفعل ثورة 25 يناير.
"في القديم رأى ابن خلدون وجمال حمدان أن شخصية المصري هي المهادن الذي يؤله الحاكم ويهرب من القمع إلى النكتة والسخرية إيثارا للسلامة"، لكن الوضع تغير الآن إلى "طاقة شباب وطاقة علم أزالت حاجز الخوف ومنعت استبداد أي حاكم بشعب مصر إلى غير رجعة".
ويرى عكاشة أن الانتشار التدريجي للأخلاق والثقافة العلمية، وما تحمله من سمات المصداقية والشعور بالمسؤولية والإتقان والانضباط وتجاوز الذات، سيعبر بالشخصية المصرية حاجز السلبية والقهر إلى رحابة الكرامة.
لكنه يشترط لنجاح ذلك انتفاء فكرة المغالبة في المجتمع، وترسيخ مفهوم المشاركة والتسامح.
ويقول: "نموذج التسامح الذي نجح على مدى تاريخ مصر الحضاري في توحيد المجتمع، هو ضمانة عودة هذه اللُحمة التي جسدتها أيام الثورة الـ18"، وأبدى تفاؤله بألا يستغرق ذلك زمنا طويلا، ربما لن يتجاوز العامين.